خاص يكيتي ميديا.. استطلاع بخصوص قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب”
في ظل الفوضى التي تعيشها سوريا عامة، نتيجة غياب الدولة كمفهوم مدني وليس سلطوي، وسيطرة الميليشيات والمجاميع المسلحة على مناطق تقاطع النفوذ ووضع قوانين (طارئة) خاصة بها تخدم أجنداتها ومصالحها بعيدة عن الدور المجتمعي.
في ظل هذه الفوضى واللوحة القاتمة فقد أصدرت ما تسمى (الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا مؤخراً) قانونين لـ (الحماية العامة)، و(حماية وإدارة أملاك الغائب) وهو يستهدف شريحة واسعة ممن أجبرتهم ظروف الحرب السيئة لترك بلادهم هرباً من جحيم الحرب وتبعاته.
برأيكم.. لماذا القانون في هذا التوقيت؟ وماهي تبعات ذلك على البنية المجتمعية واستقرارها؟ وفي أي بند يندرج هذا الإجراء ضمن قوانين الملكيّة ومعاييرها على الصعيد الوطني السوري والمواثيق الدوليّة ذات الصلة؟
القصد من إصدار القانون في هذا التوقيت هو تمريره قبل أي اتفاقٍ على إدارة مشتركة للمنطقة مع المجلس الوطني الكُردي
– عملاً بمقتضيات الإنصاف والعدالة لا بد لنا من تقديم إجابة تفترض إصدار القانون بحسن نيّة وأخرى بسوء نيّة.
بالنسبة للتساؤل الأول فإن افتراض حسن النيّة يشي بازدياد عدد العقارات المغلقة التي هجرها أصحابها إضافةً إلى ازدياد حدة الأزمة السكنية لنزوح غالبية سكان عفرين و رأس العين وتل أبيض..الخ. مما يتيح لمثل هذا القانون إيجاد بعض الحلول الجزئيّة لهذه المشكلة ويساهم في توفير مصادر نقدية جديدة وتنظيم الأمور قبل إتمام الحوار الكُردي الكُردي.
أما افتراض سوء النية فيتمثّل في رغبة بعض تجار الأزمات استغلال هذا القانون للاستيلاء على تلك العقارات بطرق احتياليّة عن طريق استئجارها أو استثمارها بمبالغ رمزيّة تقلّ كثيراً عن قيمتها الحقيقية ولمدد زمنية طويلة ومما يزيد احتمالية صحة الفرضيّة الثانية هو نص الفقرة 12 من القانون التي فرضت الاستيلاء على الريع لصالح صندوق التنمية المجتمعيّة الذي لن يعارض أو يطعن بقيمة الريع الخاص بعقارٍ ما إذا كان زهيداً بعكس صاحب العقار الذي سينازع فيه حكماً فضلاً عن عدم الاعتراف بالوكيل القانوني في سابقةٍ هي الأولى من نوعها وتعقيد إجراءات ومدد العودة و استلام العقار والطعن على النتائج..الخ. مما ولد العديد من إشارات الاستفهام حول النوايا المبيتة من إصدار هذا القانون وإصداره بهذا التوقيت بقصد تمريره قبل أي اتفاقٍ على إدارة مشتركة للمنطقة مع المجلس الوطني الكُردي.
أما بخصوص تبعات هذا القانون فهي سلبيّة في جميع الأحوال فهي تضع الغائب أمام خيارين أحلاهما مر فإما ترك مقر الإقامة الجديد والعودة إلى بلده لحماية أملاكه أو عدم العودة وخسارة كلّ شيء إضافةً إلى أنه يفتح المجال أمام تجار الحروب و الأزمات للاستيلاء على أملاك الناس أما بخصوص أثر هذا الإجراء بموجب قوانين الملكيّة العقاريّة فالقانون منعدم ولا أثر له لعدة أسباب أهمها صدوره عن جهة غير مخولة قانوناً بإصداره وعدم تصديقه من برلمان منتخب وعدم إمكانية تنفيذ كافة الإجراءات المنصوص عليها في القانون المدني والقوانين العقارية والتي هي إجراءات من النظام العام تحت طائلة الانعدام أو البطلان آخذين بعين الاعتبار أنّ الإدارة الذاتية هي إدارة ضمن الإقليم السوري وليست إقليم مستقل.
نستنتج من هذا الفرمان بأنه سرقة موصوفة الأركان بحق المهاجر
– لا نستطيع أن نسمّي ما صدر قانوناً لأنه يفتقر إلى أبسط مقومات المادة القانونيّة من حيث الشكل حيث لم يستطيعوا أن يميّزوا بين الغائب وفاقد الأهلية القانونيّة كالمجنون والمعتوه حين يطلب وجود (قيمين) على هذه الأملاك.
أما بالنسبة للمضمون فإن ما صدر من فرمان يُعتبر تعدياً صارخاً على حقوق الإنسان الطبيعيّة (حق التملك) والتوكيل والتصرف به كما يشاء خاصةً وأنه لم يرتكب أي جرم جنائي سوى أنّ الظروف القاسية دفعته للهجرة خارج الوطن وهو يحلم كلّ يومٍ بالعودة لوطنه وبيته.
إذاً نستنتج من هذا الفرمان بأنه سرقة موصوفة الأركان بحق هذا المهاجر. ويطبّق مثل ذلك بعض الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة بحق معارضيها السياسيين كالنظام السوري.
لذلك أرى ضرورة التراجع عن هذا القرار دون تأخير، وأتمنى ألا يفهم بأنّ هدف مثل هذه القرارات كقرار فرض مناهجهم التعليميّة أيضاً هو وضع العصي أمام عجلة الحوار الجاري الآن بين أحزاب الإدارة والمجلس الوطني الكُردي من قبل بعض اللذين لا يرغبون بتطوير الحوار إيجابياً.
هذه الأفعال تندرج ضمن خطط هذه المليشيات لتغيير الواقع الديمغرافي وتثبيت سلطتها غير الشرعية
كما استغلّ ويستغل نظام الأسد المجرم حالة الفوضى القصوى في سوريا لنهب وسلب الشعب السوري وما تبقّى له من عقارات وأملاك بسيطة ليموّل بها حربه الضروس على المدنيين، تستغلّ أيضاً الميلشيات المسلّحة لقوى الأمر الواقع نفس الفوضى في شتى أرجاء سوريا، ابتداءً بالشمال السوري في عفرين وتل أبيض وكوباني وليس انتهاءً بشرق سوريا وما يحدث فيها من قبل عصابات PYD و PKK.
وكلّ تلك الأفعال لا تستند إلى أية قوانين موضوعية، وتندرج ضمن خطط هذه المليشيات لتغيير الواقع الديمغرافي وتثبيت سلطتها غير الشرعية محاولةً إيهام المجتمعات المحلية بأنّ واقعاً جديداً قد فُرض.
إنّ هذه الأفعال منافية ومخالفة لأي قوانين دوليّة وخاصةً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتشكّل اعتداءً مباشراً على حرية التصرف بالأملاك الخاصة التي تكفلها كلّ الدساتير، كما أنه يتعارض مع العقد الاجتماعي الذي أصدرته الإدارة الذاتية نفسها، فالملكيّة الخاصة مصانة فيه ولا يجوز التعدّي أو الاستيلاء عليها، أو التعرّض للمالك في كيفية إدارتها واستثمارها، ويشكّل سابقةً لم تحدث في أكثر الدول تخلّفاً.