
خطاب أوجلان وتأثيره على المنطقة والقضية الكُردية.
جوان ولي
في الآونة الأخيرة، كثرت الأحاديث حول خطاب عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكُردستاني، الذي يُعتبر الشخصية الأبرز في الحزب، وله تأثير كبير على أتباعه. كان من المقرّر أن يُلقي عبدالله أوجلان خطابه في الخامس من فبراير، لكن تم تأجيل الموعد لأسباب مختلفة منها التريث الى حين لقاء وفد حزب الديمقراطية و المساواة للشعوب مع الرئيس مسعود بارزاني.
يُعتبر هذا الخطاب نقطة تحوّل قد تحمل تأثيرات عميقة على المشهد السياسي في المنطقة بشكلٍ عام وكُردستان سوريا بشكلٍ خاص. أي تغيير في رؤيته أو مشروعه السياسي يمكن أن يؤدّي إلى تحولات ملحوظة في الديناميكيات الاجتماعية والسياسية، مما يستدعي تحليلًا دقيقًا لفهم أبعاد هذا الخطاب.
تأثير خطاب أوجلان على المنطقة وكُردستان سوريا
- تحول في الاستراتيجيات: إذا دعا أوجلان في خطابه إلى الحوار والتفاوض، فسيكون له تأثير إيجابي في تخفيف التوترات بين الكُرد والدول المجاورة مثل تركيا وسوريا. يمكن أن تفتح هذه الدعوة أبواباً جديدة لتعزيز العلاقات بين الكُرد والدولة التركية، مما يعكس تحولًا في الموقف الرسمي تجاه القضايا الكُردية وقد يسهم ذلك في تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المنطقة، ويؤدّي إلى تشكيل منطقة جغرافية متكاملة تجمع بين تركيا و معها الكُرد في كردستان تركيا وكُردستان العراق وكُردستان سوريا، حيث تكون المصلحة المشتركة هي أساس العلاقات بين هذه الأطراف.
- تعزيز الآفاق الكُردية: من خلال رؤيته الجديدة، يمكن أن يسهم أوجلان في تعزيز الآفاق الكُردية والوحدة بين مختلف القوى الكُردية، وهذا الأمر يعزّز من موقف الكُرد في المنطقة، ويُعزّز التعاون بينهم في العراق وسوريا وتركيا بشكلٍ خاص، مما يظهر وحدة الهموم والمصالح المشتركة. لقد كان حزب العمال الكُردستاني و لمدة عشرات السنين مختلفاً بشكلٍ جذري و له خلافات عميقة مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني في العراق و هذا كان له آثار سلبية كبيرة على القضية الكُردية.
إنّ التغييرات المحتملة في الفكر الايديولوجي لحزب العمال الكُردستاني سيخلّص الكُرد من مشكلة كانت قائمة لعشرات السنين و عانى منها الكُرد في أجزاء كُردستان الأربعة.
- التأثير على قوات سوريا الديمقراطية (قسد): سوف تستفيد قسد من خطاب أوجلان، حيث يمكن أن يؤدّي ذلك إلى مزيدٍ من الدعم السياسي والعسكري من قبل الحلفاء الدوليين، خاصةً إذا استطاع أوجلان خلق صورة جديدة للحزب تخرجه من قائمة الإرهاب وإذا كان الخطاب يشدّد على مبادئ السلام والديمقراطية، فقد يسهم ذلك في زيادة الاعتراف الدولي بقسد في سوريا. كما يمكن أن يؤدّي إلى خلق أجواء إيجابية لتحقيق الاتفاق بين المجلس الوطني الكُردي و PYD .
إنّ التغييرات المحتملة في الفكر الآيديولوجي لحزب العمال الكُردستاني، وخاصةً ترك العمل العسكري، يمكن أن يضعف التيار المتشدد، ويقوّي التيار المعتدل بينهم، مما يسهل التواصل مع الحركة الكُردية في سوريا وكُردستان العراق.
دور إقليم كُردستان العراق في هذه التغييرات:
يلعب إقليم كُردستان العراق، تحت قيادة الرئيس مسعود بارزاني، دوراً حيوياً في هذا السياق.
يُعتبر بارزاني شخصية مؤثرة في السياسة الكُردية، وخطاب أوجلان الذي يتطلّع إلى أن يكون بارزاني ضامنًا لأي اتفاق بين حزب العمال الكُردستاني وتركيا، يعكس أهمية دوره في تحقيق الوحدة الكُردية،والاعتراف ببارزاني كضامن، سيعزّز من موقفه كقائدٍ للكُرد في كافة اجزاء كُردستان، ويُعزّز من دوره كوسيط في النزاعات بين الأكراد والدول المجاورة، مما يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
ووجود بارزاني كضامنٍ سيسهم في تعزيز العلاقات بين الأحزاب الكُردستانية، مما يوفّر إطاراً للتعاون بين الأحزاب المختلفة،ويقوّي من موقف الأكراد في المفاوضات السياسية.
التحولات في حزب العمال الكُردستاني:
قد يُحدث خطاب أوجلان انقسامات داخل حزب العمال الكُردستاني، خاصةً إذا رفض جزء من الحزب مشروعه الجديد. هذا الأمر قد يؤدّي إلى ظهور فصائل جديدة أو حركات متمردة داخل الحزب، مما يزيد من تباين المواقف ،ويؤثّر على فعالية التيار المتشدد المعروف بدوره السلبي في أجزاء كُردستان الأخرى.
في حال رفض مشروع أوجلان، قد يتطلّب ذلك إعادة هيكلة القيادة داخل الحزب، مما يمكن أن يؤدّي إلى صراعات داخلية، و لكن الأمر المحتمل هو تلقي التيار المعتدل في الحزب الدعم، و بهذا لن يكون للطرف المتشدد أي أمل في وقف المشروع الحالي بين أوجلان و تركيا.
من الواضح أنّ تركيا تريد أن تسبق الزمن و تخلق أجواء سلام في تركيا، لمنع أي مشروع يفرض عليها من الخارج وتجبر على تقديم تنازلات كبيرة قد يكون التقسيم أحد تلك الاحتمالات.
جاء مشروع تركيا للسلام بناءً على تحركات إسرائيل ضد إيران و الميليشيات التابعة لها منذ 07.10.2023 و بناءً على معلومات تؤكّد نية إسرائيل إحداث تغييرات جوهرية في المنطقة ، و دعمها العلني للكُرد، و بناءً على هذه النقاط يبدو أنّ تركيا اختارت أن تكون هي صاحبة مشروع السلام و تتفادى أن تصبح في موقفٍ تفقد السيطرة،وتجبر على تقديم تنازلات تكون خسارتها أكبر.
بناءً على ذلك فمن المنطقي أن تدعم تركيا عبدالله أوجلان و بذلك يصعب على معارضي أوجلان من إحداث أي تاثير حقيقي و خاصةً أنّ المجتمع الدولي أيضاً يشجّع هذا المشروع ،و بذلك فإنّ الظروف مهيئة الى حد بعيد لتحقيق الاتفاق بين اوجلان و الأتراك.
يمثّل خطاب أوجلان فرصة تاريخية لإحداث تغييرات جوهرية للشعب الكُُردي بشكلٍ خاص و لشعوب المنطقة بشكلٍ عام.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “329”