آراء

خيارات الكُرد بعد تعويم النظام السوري

فرحان مرعي

مع اندلاع الثورة السورية، وبعد فترةٍ قصيرة، تبيّن أنّ الثقافة السلمية لم تكن متجذّرة عند المنتفضين  و المعارضين ضد النظام، فكانت  لغة الانتقام والصراع الطائفي المقيت متوهّجةً متخمّرةً تحت الرماد، فلجؤوا باكراً إلى السلاح أو أجبِروا على حمله، وتبين أنهم مستعجلون في إسقاط النظام، وبتدخلٍ خارجي على غرار بعض الدول، حيث انتقال( عدوى ) ما سمّي ب (ثورات الربيع العربي) دون دراسةٍ وحساباتٍ دقيقة، وغاب عن ذهنهم دور سوريا المركزي في المنطقة، وعلاقاتها وتدخلاتها الإقليمية والدولية، فخسروا الرهانات، وخسروا كثيراً في العمران والأرواح، ولم يكن الكُرد أيضاً بأفضل حالٍ من هذا التفكير البسيط والمستعجل – مع استبعاد الحالة الطائفية عند الكُرد – فقد تخيلوا سقوط النظام خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، ويتمّ بعدها استلام السلطة، وتوزيعها وتقسيمها على المنتصرين، على طريقة الغنائم في الجاهلية أو الوجبات السريعة الحديثة.

إنّ إعادة التطبيع مع النظام، وتعويمه من جديد، بعد أكثر من عشر سنوات، من الحرب المدمّرة، بات قاب قوسين أو أدنى – عربياً وإقليمياً ودولياً- وخاصةً من قبل أولئك الذين لم يطمئنّوا للبديل عن النظام الذي تمثّل في القوى الإسلامية الراديكالية، وتداعيات سقوطه – أي النظام – على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

إنّ إعادة النظام لا تعني صلاحيته المستدامة، بل يعني أكثر، نفاذ صلاحيته، في انتظار تكوّن بديل وطني ديمقراطي، الذي لم يتبلور بعد، لكنه في حالة مخاض، سيولد من رحم المعاناة، ومن الذين كانت أعمارهم عشر سنوات أصبحوا الآن في العشرين، ومن تآلف المجموعات الوطنية الديمقراطية المشتّتة والبعيدة عن بعضها، لتتآلف في جسمٍٍ واحد لحمل مسؤولية التغيير في المستقبل، بطريقةو سياسة، خطوة خطوة، والنفس الطويل، بالاعتماد على القوى السورية ذات الثقافة العالية في الوطنية والديمقراطية والتفكير المدني والسلمي، لأنّ نتيجة عشر سنواتٍ من الثورة والحرب والأزمة والفشل أثبتت أنه لا يمكن الرهان على القوة العسكرية وحدها لإسقاط النظام، ولا الاستعانة بالتدخل الخارجي، ولا الثقة بقوى الإسلام السياسي المتطرف والراديكالي المرفوض دولياً ، هذه الرهانات أصبحت كلها خاسرة، جملةً وتفصيلاً.

قد يتساءل البعض : هل من الممكن أن يتعامل نظام قائم على القمع والقتل سلمياً وسياسياً مع النضالات السلمية للشعب السوري مستقبلاً؟ وهذا سؤال محق، ولكن تغيب عن ذهن الكثيرين مسألةٌ في غاية الأهمية عن طبيعة الحياة أو عبثية الحياة، التي تفعل فعلها في الأشياء، سواءً أكانت هذه الأشياء، طبيعية أو بشرية اجتماعية، ألا وهي التآكل الداخلي لهذه المادة، مهما علا وسما شأنها، فالنظام متآكل داخلياً، رغم محاولات بعض القوى الإقليمية والدولية معالجته بالمسكّنات المؤقّتة، بسبب تقاطع مصالح هذه الدول مع بقاء هذا النظام المهزوز والمتهالك والآيل للسقوط عاجلاً أم آجلاً – نظام تصريف أعمال للدول المنتدبة، إن صحّ التعبير – وخاصةً روسيا وإيران وإسرائيل وأمريكا، وجهة تنفيذ العقود والاتفاقيات السرية المبرمة بينهم، ومن أجل تحصيل مستحقاتهم جراء الوقوف إلى جانب النظام، ومنعه من السقوط، سواءً كانت هذه المستحقات عقود تجارية، أم مناطق نفوذ،أم بيع وشراء، تقسيم…. الخ لأنّ هذه الدول تخشى من أيّ نظامٍ جديد، لا يلتزم بالإتفاقيات والعقود المبرمة بين النظام والقوى الدولية التي تدخلت في الشأن السوري.

ضمن هذه الوقائع والظروف المستجدة، والترتيبات الجديدة لعودة النظام وفشل المعارضة الحالية، المتمثّلة في الإئتلاف و الفصائل المسلحة بتوجهاتها المختلفة في إيجاد البديل الديمقراطي، ماهي خيارات الكُرد والمساحات الممكن أن يتحرّك ضمنها؟
القوى السياسيةالكُردية والمجتمعية والمدنية مطلوب منها أن تقف بجديةٍ وشفافيةٍ لتقييم تجربتها السابقة، بكلّ انكساراتها وعلاقاتها وارتباطاتها وتفكيرها.

أثبتت التجربة أنّ مصلحة الكُرد الحقيقية، الآن، وغداً، هي مع القوى الوطنية والديمقراطية السورية في كلّ الظروف والأوقات، والذين يسعون إلى بناء الدولة الديمقراطية المدنية ، وبناء دولة المواطنة، وفي التزاوج العضوي، الجدلي، بين الوطنية والقومية،  باعتبار القضية الكُردية هي قضية وطنية بالدرجة الأولى وقضية قومية بالدرجة الثانية، في سوريا متعددة القوميات والأثنيات والثقافات، للكرد حقوقهم المشروعة، ولهم حقهم في تقرير مصيرهم وفق المواثيق والعهود الدولية.

صحيح ٌأنّ القضية الكُردية قضية وطنية وداخلية، ولكنها في نفس الوقت قضية إقليمية ودولية، فهي موجودة في العراق وإيران  وتركيا، مما يعطيها بعداً إضافياً في التعقيد، وحلها أيضاً يصبح قضية إقليمية ودولية، لذلك تصبح هذه القضية أكثر وطنية، اولاً، ثم إقليميةٍ ولذلك خيارات وحسابات الكُرد يجب أن تكون أكثر دقة، كدقة الظروف الإقليمية والدولية وصراعاتها ومصالحها ، وهذا يؤكّد أيضاً على أنّ الرهان على القوى الذاتية والوطنية الديمقراطية هو السبيل الانجع من أجل سوريا القادمة ، سوريا التي تكون لكلّ السوريين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى