خيبة أمل السوريين في ظل التهافت العربي نحو دمشق.
إسماعيل رشيد
منذ أن تمّ الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية ، تسارعت الاتصالات والتحركات الدبلوماسية بوتيرةٍ غير مسبوقة تجاه الملف السوري ،وكسرت الحواجز والجمود السياسي الذي لازم الأزمة السورية طيلة سنواتها ، فكان الاجتماع الرباعي لمعاوني وزراء خارجية ( تركيا- روسيا – إيران – سوريا ) في العاصمة الروسية موسكو خلال فترة 3-4 إبريل المنصرم ، بالرغم من الفشل الروسي لإقناع النظام السوري لحضور الاجتماع الرباعي في موسكو الذي كان مقرراً في 15 مارس الماضي، وقد تزامن هذا الرفض مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو مؤكّداً على مطالبه بأنه لا تطبيع وجلوس مع تركيا، قبل أخذ الضمانات بانسحاب الأخيرة من كامل الأراضي السورية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ومع تعنت النظام السوري بشروطه استطاعت موسكو بقوةٍ أن تعيد النظام السوري إلى طاولة المفاوضات، وهذا يعتبر نجاح للدبلوماسية الروسية ورسالة بأنها لازالت قوة عظمى ومؤثّرة تستطيع جمع الفرقاء، وقد وصف الاجتماع بأنه فني يمهّد لارتقاءٍ سياسي على مستوى وزراء الخارجية لاحقاً وصولاً لقمة الرئيسين ( أردوغان- الأسد )، ولم يصدر بيان ختامي عن الاجتماع وهو مؤشّر على عدم التوافق، فتركيا لم تبدِ أي مؤشر للانسحاب قبل تحقيق حل سياسي، وخارطة طريق وآليات لتنفيذها، وبدونها يعني تخلي تركيا عن حلفائها، وهذا لا يخدم تركيا ، لكنها تصرّ بخطابها على التواصل للاستثمار الانتخابي ، فالنظام وروسيا أصدرا مواقفهما بشكلٍ منفرد، في حين تركيا التزمت الصمت تجنباً للتعليق السلبي ولإظهار الجانب الإيجابي بأنها مهتمة بالمسألة السورية، وعودة اللاجئين، ويرى بعض المراقبين بأنّ الوفد السوري أفشلَ الاجتماع لأنه أصلاً لم يكن مقتنعاً بالاجتماع، وجاء بعد الضغط الروسي، وبالتالي لتقليل فرص نجاح أردوغان في الانتخابات المقبلة؛ لأنّ مقاربة المعارضة مع نظام الأسد هي الأفضل بالنسبة للأخير، من وجهة نظره.
ما تمّ الاتفاق عليه في الاجتماع الرباعي هو استمرار المشاورات، وكذلك محاربة الإرهاب في الإطار العام وهو بند عريض ( محاربة الإرهاب ) عادة ً كلّ طرف يفسّره كما يريد ، بمعنى لا اتفاق .
يبدو أنّ الطرف الروسي لم يستطع إحراز اختراقٍ جدي في تقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا ، وهو ملف معقد، يصطدم بالواقع الميداني ومناطق النفوذ على الأرض السورية ، ومن هنا جاء رد الخارجية الأمريكية على الاجتماع الرباعي في موسكو مؤكّدةً أنها على علمٍ بالاجتماع، وأنها “تواصل العمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي دائم للصراع في سوريا”.، وأنّ واشنطن تؤكّد على قرار مجلس الأمن 2254، وتشدّد على أنها لن تطبّع علاقاتها مع سوريا، دون إحراز تقدمٍ حقيقي نحو إيجاد حل سياسي للصراع الرئيسي”، مؤكّدةً أنّ “إنهاء الصراع يتطلّب التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهو الحل الوحيد القابل للتطبيع الذي يمثّل إرادة جميع السوريين”.
من هنا جاء اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات للدول الأربعة ( تركيا- روسيا- إيران- سوريا ) منذ عدة أيام في العاصمة موسكو، بعد فشل انعقاد الاجتماع الذي كان مقرراً على مستوى وزراء الخارجية لتلك الدول ، وقد أكّد بيان للدفاع التركية بأنّ محاربة الإرهاب والمجموعات المتطرفة كان القاسم المشترك للاجتماع، من جهةٍ أخرى دعت الأردن إلى لقاءٍ تشاوري في العاصمة عمان بتاريخ الأول من مايو الجاري وبمشاركة وزراء خارجية كلٍّ من ( الأردن- السعودية- مصر – العراق – سوريا ).
واستكمالاً للاجتماع الذي استضافته السعودية بتاريخ ،14 ابريل المنصرم لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، لإطلاق دورٍ عربي لحلّ الأزمة السورية، بالرغم من وجود تحفظات لعدة دول عربية لعودة سوريا للجامعة للعربية، ومن ضمنها الأردن، قبل مناقشة ملف عودة اللاجئين والمخدرات ، والملفت هو التلهّف السعودي المثير لعودة العلاقات مع النظام السوري دون شروط وآليات لعودته ، وهو ما دعا الأردن لإطلاق مبادرة عربية وبدعمٍ أمريكي والذي يهدف لمعرفة ردود النظام على المطالب العربية .
إنّ توقيت هذه المبادرة الأردنية يأتي قبل عشرين يوم من انعقاد القمة العربية بالمملكة السعودية .
الملفت في البيان الختامي لاجتماع عمان هو طرح العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، وتعهد دمشق بالسعي لإنهاء التهريب ( المخدرات ) عبر حدودها..
يبدو أنّ عدم جدية المجتمع الدولي لوضع نهاية لمأساة السوريين وعدم التزامهم بالقرارات الأممية خاصة2254 ، ترك مصير السوريين أمام خيارات صعبة، وأنّ الانفتاح والتهافت العربي والإقليمي للتطبيع مع النظام بعيداً عن المسار الدولي ( جنيف ) للأزمة، يقوّض دور المعارضة السورية وهيئة التفاوض وتضحيات السوريين على مرّ سنوات الأزمة ، فكلّ دولةٍ تبحث عن مصالحها ،وهذا مشروع، ولكن شرط ألا يكون على حساب دماء وكرامة السوريين .