آراء

داعش وغزوة كوردستان

جان كورد
للقيام بأي عمل عسكري، وهو ممارسة سياسة بأدواتٍ قتالية، لابد من وجود خطة وتاكتيك في إطار زمني محدد وظروفٍ ملائمة مع وجود أهدافٍ قريبةٍ وبعيدة المدى ضمن استراتيجيةٍ واسعة، معروفة المعالم ومتكاملة من حيث التخطيط والإعداد.
والشيء الذي يحيَر العقول هو أن تنظيم دولة الخلافة الذي يسمى مختصراً ب|داعش| قد هاجم كوردستان العراق في وقتٍ لم يتمكن من الاستمرار في تقدمه صوب العاصمة العراقية “بغداد”، عاصمة الخلافة العباسية، التي كانت هدفاً أساسياً وصريحاً له في انتشاره السريع ضمن مناطق السنة العرب في العراق، ولم يتقدّم خطوة واحدة باتجاه عاصمة الخلافة الأموية/ دمشق/ التي كان الاستيلاء عليها سيمكّنه من كسب سائر التنظيمات المقاتلة على أرض سوريا إلى صفوفه ، كما لم يحقق انتصاراً هاماً في الجزيرة وكوباني ضد وحدات الحماية الشعبية لحزب الاتحاد الديموقراطي، وهذا يدفعنا للتساؤل عما أراده حقاً من “غزوته” الإرهابية على منطقة شنكال “سنجار” التي تسكنها الأقلية الكوردية “اليزيدية” التي لا تحمل سلاحاً ولا تتدخل في كل هذه النزاعات المسلحة ولا تريدها، لا من قريبٍ ولا من بعيد.
إن البحث عن هذا السبب كان مطروحاً في أقنية تلفزيونية كوردستانية منذ اليوم الأوّل للهجوم الغادر والدموي. وفي الحقيقة فإن معظم الأجوبة التي خرجت من أفواه الذين سئلوا لم تقل بأن “داعش” أراد بذلك تحقيق نصرٍ عسكري في شنكال أو السيطرة على مقرات حزبية ومستودعات للعتاد لأن المنطقة كانت خالية من ذلك. فهل كان الهجوم بهدف القضاء المبرم على منتسبي دياناتٍ بأكملها تعيش في المنطقة منذ أقدم العصور؟ أو لمجرّد السلب والنهب والاختطاف والاغتصاب وسرقة الأولاد لتجنيدهم؟ وبماذا تخدم هذه المغامرة استراتيجية داعش البعيدة المدى…؟
قد يقول قائل:”إن داعش أراد إلقاء الرعب في نفوس الكورد عامةً من خلال المجازر التي صارت “موضة” مثل الذقن الكثيفة والجينز المستور برداء عربي فضفاض وسكين جزار لذبح الناس، لتقويض معنوياتهم قبل البدء بحربٍ واسعة على مدنهم وقراهم، وعلى قوات البيشمركة “المستعدين للموت” التي تعتبر في نظر الخبراء الغربيين العسكريين القوة الأهم والمنظمة والفعالة لمواجهة أي توسّعٍ آخرٍ لداعش في العراق.”
إلا أن هذا وحده غير كافٍ لفهم الأسباب الحقيقية لهذا العمل الانتحاري الجماعي لقوات تنظيمٍ متواجدٍ بقوة وكثافة منذ ثلاث سنواتٍ على الساحة السورية كسب فيها خبرات قتالية عظيمة، وتمكنت من دحر قوات جيش المالكي بأكملها في أيامٍ قلائل في معظم المناطق السنية من العراق.
فهل ظن المخططون لداعش بأن قوات البيشمركه مثل قوات المالكي ستفشل في الدفاع عن المدن الكوردية وستهرب وتنهزم خلال أيامٍ قلائل؟ طالما أنها لا تختلف في نظامها وعتادها وتسليحها وإداراتها عن جيش العراق؟ وأن عدداً قليلاً من المجازر الوحشية سيقضي على معنوياتها وسيصيبها بالشلل؟
هل اعتقد الدواعش بأن قوات البيشمركه ستهاجمهم في المستقبل؟ على الرغم من أن القيادة الكوردية قد أعلنت على أثر احتلال داعش للموصل بأن الشعب الكوردي لا يريد سوى العيش بأمن وسلام وفي استقرارٍ وحرية على أرض وطنه كوردستان، وهو سيدافع عن نفسه كحقٍ مشروع في حال اعتداء أحدٍ عليه، ولم يلبي نداءات الاستغاثة المتكررة من المالكي في بغداد للتعاون معه ضد داعش والتنظيمات الأخرى المتحالفة من بقايا العهد الصدامي وسواها من المنظمات التي تشكلت نتيجة السياسات الخاطئة للمالكي وحكومته حيال المكونات العراقية المختلفة، واكتفى الكورد برد اعتداءات مجموعات داعش على أطراف كوردستان في حالاتٍ محدودة وغير واسعة النطاق، في حين أن كوردستان ذات الإمكانات المالية المتواضعة قد أوت مئات الألوف من اللاجئين بسبب الحرب في العراق وسوريا وأكرمت ضيافتهم…
أم أن هناك من ورّط داعش في الحرب على الكورد وكوردستان، لأن ذلك كان من ضمن أهداف أولئك (البعض) لضمان استمرار بقائهم في السلطة، وتحويل الأنظار عن سياساتهم الفاشلة صوب داعش وعدوانه على الكورد؟ وبسبب ذلك فتحت لداعش أبواب المعسكرات والثكنات على طرفي خط الحدود بين العراق وسوريا ليأخذ منها ما بشاء من سلاح وعتاد وذخيرة، على أمل أن يظهر كجيشٍ مسلّحٍ تسليحاً جيداً قبل سوقه إلى المذبحة؟
ألم يفطن حكماء داعش ومن إلى جانبه ووراءه إلى أن المجتمع الدولي لا ولن يقبل باستمرار المذابح ضد الأقليات الدينية في العراق، والمسيحيين منها خاصةً، ولم يتوقّع أن القوات الجوية الأمريكية ستدك معاقل داعش بحيث يندم على مغامرته العراقية كلها؟
يبدو أن أقرب الأسباب المعقولة هو أن داعش قد تأسس وتربّى على أيادي قوى وسلطات ودول إقليمية ودولية كانت لها أهداف محددة، منها إظهار الثورة الشعبية السورية كحالة إرهابية مؤقتة وسيقضي نظام الأسد عليها منتصراً، لأنه “النظام الذي يدافع عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان”!!! كما كانت لها هدف آخر، هو دق إسفين بين المنظمات المقاتلة على الساحة السورية، وهذا ما تحقق فعلاً، بين داعش وقوات الحماية الشعبية، بين داعش والجيش السوري الحر، بين داعش وجبهة النصرة التي تنافسها عقيدياً وقتالياً، وبين داعش وسائر التنظيمات السورية المقاتلة من أجل اسقاط نظام الأسد، وحرص النظام على “عدم مهاجمة داعش بالسلاح الثقيل” في مختلف مراحل الثورة السورية ضده، قبل احتلاله للموصل. والغريب انه كان لداعش مع كل هذه الأطراف مواثيق وتحالفات واتفاقات، منها قصيرة الأمد ومنها طويلة الأمد
ويجدر بالذكر هنا أن ثمة من فضح خطة استخباراتية “أمريكية، بريطانية وإسرائيلية” تدعى باسم “عش الدبور” تقضي بتأسيس جماعة متطرفة جداً تستخدم لنفسها المنطقة السنية بين العراق وسوريا وتستقطب بدعايتها وممارساتها المتطرفة كل الإسلاميين السذج في نظرتهم إلى الأحداث والأشخاص في العالم، للتمكن من مراقبتهم ودراستهم وتصفية زعاماتهم والتفريق بينهم ومن ثم سحقهم بالقوة العسكرية وإنهاء وجودهم كلياً أو على الأقل إرهاقهم وإضعافهم بحيث لا يشكلون أي خطر على العالم الحر الديموقراطي…
فهل آن الأوان للقضاء المبرم على داعش وغير داعش، وإن اقتضى الأمر التعاون مع دولٍ إقليمية ساعدت أنظمتها بشكلٍ أو بآخر في نشوء وتقوية هذه المنظمات التي لا يستسيغ ممارساتها أشد الناس تمسكاً بدينهم الإسلامي الحنيف؟
قد تستمر الإدارة الأمريكية في حربها على داعش حتى استئصاله من جذوره، ولكن بعض خبراء السياسة الأمريكية ومنهم بوب كروكر ذي الخبرة الواسعة يقول بأن الرئيس أوباما، وهو رأس الإدارة في واشنطن، غير موثوق، فقد يأمر قواته بالكف عن قصف مواقع داعش فجأة ثم سيبحث له عن أسباب موجبة لذلك…
لذا، فإن على قيادة الشعب الكوردي أن توحّد من كل قواها القادرة على مواجهة هذا الخطر الإرهابي أياً كانت دوافع هجمات داعش الغادرة على كوردستان، وألا تتهاون في هذا الموضوع الذي يمس جوهر الوجود القومي الكوردي، وأن تضبط الصفوف وتسد الثغرات التي لا تزال موجودة في البيت الكوردي، وأن تقاتل دون رحمة كل القوى التي تبث اليأس في صفوف الشعب، وتقضي على الطابور الخامس أو تخفف من حدة تخريبه الداخلي، وأن تساند البيشمركه بكل ما أوتي شعبنا من قوة في صمودها في وجه العدوان الظالم، وأن تبحث عن حلفاءٍ عراقيين قادرين على بناء حكومةٍ وطنية فاعلة تساعد في تجفيف الحواضن التي ينمو فيها الإرهاب، وأن تحسم أمر الوجود الكوردي ضمن العراق في حال عدم نشوء حكومة قادرة على إجراء تسوية سياسية تنهي الأزمات العراقية المستديمة… لأن الأساس في النهاية هو الحل السياسي وليس استمرار القتال مع مغامرين أتوا من شتى أنحاء العالم وفي ذهن كلٍ واحدٍ منهم نيل أكبر عددٍ من حوريات الجنة، ومنهم من يحلم برفع راية الخلافة على البيت الأبيض الأمريكي في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى