من الصحافة العالمية

«داعش» يحوّل المجندين الإيزيديين الصغار إلى آلات للذبح وتفجير الأحزمة الناسفة

لا يخفي المجند الإيزيدي الصغير نوزاد نايف (13 سنة)، أنه بات الآن خبيراً في الصنوف القتالية التي تدرب عليها، خلال وجوده في معسكرات تلعفر والقاقة والفاروق بالرقة السورية.
فهناك، تلقى نوزاد مع أخيه آزاد (11 سنة) تدريبات قاسية، بدأت بتفكيك وتركيب الأسلحة الرشاشة وعبور الإطارات المشتعلة بالنيران والزحف تحت الأسلاك الشائكة وسط إطلاق الرصاص الحي، وانتهت بتعلم الأساليب التي يتبعها تنظيم «داعش» في قطع الرؤوس.
ذباحون
يتذكر نوزارد أن التدريبات القتالية في كل المعسكرات التي دخلها كانت متناظرة تقريباً، لكن في معسكر الفاروق أضيف إليها نوع خاص من التدريب الوحشي، يتمثل في كيفية تثبيت أطراف الرهائن من أقدامهم وأياديهم، ورفع رؤوسهم إلى أعلى عن طريق سحب شعر الضحية من مقدم رأسه، ثم قطع الرقبة بالسكين من فوق الحنجرة.
لم يكن التدريب يطبق على رهائن حقيقيين، بل على دمى شبيهة بتلك المعروضة في محلات بيع الملابس، وكان يترافق عادة كما يقول نوزاد، مع عرض تسجيلات فيديو لعمليات ذبح رهائن سبق أن نفذها ذباحو «داعش» في مدن عراقية وسورية.
في وقت لاحق، تضمنت التدريبات التي يتلقاها المجندون، كيفية إخفاء الأحزمة الناسفة تحت الملابس للوصول إلى المكان المستهدف، ثم تفجيرها عن طريق سحب صاعق التفجير. وأيضاً، صولات قتالية لمهاجمة مواقع الأعداء كانت تنفذ باستخدام الرصاص الحي.
يؤكد المجند راغب الياس، أن التدريبات القتالية التي كان توقيتها بعد الدروس العقائدية مباشرة، كانت تستمر لغاية الخامسة عصراً، وقياساً على طول فترة التدريب بالنسبة لأطفال صغار كالمجندين الإيزيديين، كما يقول راغب، كان التدريب هماً يومياً يزيد من قساوة محنة الأسر التي كان الأطفال يعيشونها.
ينفي راغب أنه كان متدرباً متميزاً في معسكر الفاروق، كما أشيع بعد ظهوره في تسجيل دعائي لمعسكر الفاروق بثه «داعش» في تموز (يوليو) 2015، فكل ما حصل، كما يقول راغب، هو أن القيادي الداعشي الذي ظهر في التسجيل على أنه أمير المعسكر، «جلس قربي بمحض الصدفة فقط».
لم يكن هذا الشخص معروفاً للأطفال في المعسكر، كما يقول راغب، فقد جاء قبل نحو شهر من عرض الفيلم، مع طاقم تصوير مؤلف من أربعة أشخاص يحملون كاميرات تلفزيونية، وقاموا بتصوير التدريبات على مدى ساعتين، بحضور «أمراء» بارزين مثل أبو عمر وأبو ماما وأبو قتيبة، ثم غادروا المعسكر بعد انتهاء التصوير دون أن يراهم أحد مرة أخرى.
تكشف الطريقة التي جرى فيها تصوير وعرض الفيلم الخاص بمعسكر الفاروق، كما يعتقد الباحث نامق عباس، اهتمام تنظيم «داعش» بالترويج لنشاطاته العنفية، إما لترهيب الأعداء، أو لكسب المزيد من المتطوعين الصغار إلى جانبه، عبر تسويق فكرة البطولة والرجولة المبكرة التي يتمتع بها المجندون الذين يتدربون في المعسكر.
يحكي غياد أن معسكرات التدريب لم تكن تقتصر على المجندين الإيزيديين، ففي كل معسكر تقريباً، كان هناك العشرات من الأطفال المسلمين الذين يأتون صباحاً للانضمام إلى حلقات التدريب، ويغادرون قبيل المساء.
كان التنظيم يسمح للأطفال المسلمين بالمغادرة حتى أثناء وقت التدريب، على العكس من المجندين الإيزيديين الذين كانت عليهم المشاركة في ساعات التدريب، ثم المبيت في المعسكر، كما يتذكر غياد.
الهروب
في الوقت ذاته الذي كانت فيه الشاشات العربية والعالمية تتناقل تسجيل «داعش» الدعائي لمعسكر الفاروق، كان راغب في طريقه للهروب عبر الحدود السورية التركية، مع أمه وأخيه الصغير غياد.
كان راغب قد وصل نهاية العام الماضي إلى مدينة سلوك السورية، وافترق هناك عن أخيه غياد وأمه لنحو ستة أشهر قضاها في معسكر تدريب سلوك، قبل أن يشتريهما رجل نافذ من أمراء «داعش» وينقلهما للعيش معه في منطقة ست الفاروق بمدينة الرقة، وهناك، كانت بداية انضمامه مع غياد إلى معسكر الفاروق.
بعد أربعة أشهر تقريباً، عاد القيادي الداعشي وباع الثلاثة إلى مقاتل آخر، وقام الأخير بعد أقل من شهر ببيعهم إلى رجل سوري تبين أنه كان يتاجر ببيع الأسرى إلى عوائلهم في العراق.
في البداية، لم ينجح المهرب السوري في تأمين عبورهم إلى الأراضي التركية، بعد أن كشفهم رجال الجندرمة وأطلقوا النار عليهم، وحين افترق عنهم المهرب ليلتها، قدر للعائلة الهاربة أن تصادف مهرباً كردياً من أهالي عفرين، تولى عملية تهريبها إلى تركيا بمساعدة عناصر من فصيل كردي سوري مسلح، ومن هناك أكمل صفقة الإنقاذ بتسليم راغب وعائلته إلى أقاربهم في معبر ابراهيم الخليل الفاصل بين العراق وتركيا، مقابل 15 ألف دولار.
يتجنب راغب وغياد ومعظم الإيزيديين الهاربين، الكشف عن هوية الأشخاص الذين ساعدوهم في الخلاص من «داعش»، حفاظاً على سلامتهم، بمن فيهم المهربون أنفسهم.
لكن قصة هروب الفتى نوزاد وعائلته من الأسر، تشرح كيف أن المختطفين الإيزيديين كانوا يتلقون في مراحل متعددة مساعدة من سكان محليين سوريين، رغم المخاطر التي تكتنف هذا النوع من المساعدات التي يعاقب عليها «داعش» بالموت أحياناً.
في شباط (فبراير) 2015، استغل نوزاد فرصة التحاق معظم مقاتلي معسكر الفاروق بمعارك مدينة كوباني، وهرب من المعسكر مع أخيه آزاد وتوجها لاصطحاب والدتهما التي كانت محجوزة في شقة يمتلكها رجل من حلب كان قد اشترى العائلة الأسيرة، حين كانت في مدينة سلوك.
بمساعدة أشخاص، تجنب نوزاد ذكر هوياتهم، وصلت العائلة إلى مدينة منبج السورية، ومن هناك تمكن نوزاد من الاتصال بعمه عيدو من محل لخدمة الانترنت، فقام الأخير بإرسال مهرب تمكن من تهريبهم خارج المدينة باتجاه الحدود السورية التركية، لكنه فشل في تأمين عبورهم الحدود، فتركهم وغادر المكان.
لم تجد العائلة الهاربة أمامها إلا العودة إلى منبج ومعاودة الاتصال بعم نوزاد في العراق، وعلقت هناك لثلاثة أيام في ضيافة عائلة تعاطفت معهم، قبل أن يتمكن عم نوزاد من إرسال مهرب جديد لتهريبهم من منبج، وأبلغهم أنهم سيتعرفون عليه حين يدخل محلاً معيناً لبيع خطوط الهاتف، ويطلب من صاحب المحل «خطاً هاتفياً تركياً».
يتذكر نوزاد، الرعب الذي كان يعيشه بانتظار وصول المهرب، ففي أية لحظة كان ممكناً أن يتعرف عليهم مقاتلو «داعش» ويلقون القبض عليهم، وحين وصل المهرب وطلب خط الهاتف التركي، تبعه نوزاد وعائلته حين خرج لمسافة 200 متر كانت في نظر نوزاد تعادل ألف كيلومتر.
نقل المهرب العائلة في سيارته التي كان قد ركنها بعيداً، وتوجه بهم إلى خارج منبج، حيث كان بانتظارهم رجل من أكراد كوباني يدعى سالم حجي (اسم مستعار)، بدأ معهم رحلة هروب استغرقت يومين كاملين.
وافق حجي الذي وصل إلى ألمانيا مؤخراً طلباً للجوء، على التحدث عبر برنامج سكايب مع كاتبي التحقيق عن قصة تهريبه لنوزاد وآزاد وأمهما، وزودهما بصور خاصة توثق جزءاً من عملية الإنقاذ.
يكشف حجي أنه تلقى اتصالاً من أحد معارفه يخبره عن فشل عملية هروب عائلة إيزيدية من منبج، وأنها قد تقع في أية لحظة في يد تنظيم «داعش»، وهو ما دفعه لتأمين مهرب محلي من أهالي منبج، ليتولى تهريبهم من المدينة وتسليمهم إليه، ولضمان نجاح العملية، زوده بكلمة السر المتفق عليها، «خط الهاتف التركي».
تولى حجي بعد خروج العائلة من منبج، مهمة نقلهم إلى الحدود السورية التركية، لتأمين عبورهم من الحدود بحجة أنهم عائلته التي يريد إيصالها إلى تركيا هرباً من معارك كوباني.
على نقطة الحدود، تعرض حجي إلى ابتزاز من قبل اثنين من المهربين طلبا أموالاً كي لا يفضحوا عملية الهروب، كان أحد المهربين لا يعرف سوى اللغة العربية، والثاني لا يعرف سوى اللغتين التركية والكردية، ما اضطر حجي إلى القيام بدور المترجم بينهما للوصول إلى اتفاق يرضي الأطراف الثلاثة، وهو دفع 1250 دولاراً لكل منهما، مقابل تأمين العبور للطرف التركي.
عاد حجي مع العائلة الهاربة إلى منزله في جرابلس لتأمين المبلغ، وفي اليوم التالي عبر بالعائلة إلى تركيا بمساعدة المهربين وأحد رجال الجندرمة التركية، ومن هناك انتقل بهم إلى مدينة سلوبي المحاذية للعراق، ومنها إلى معبر ابراهيم الخليل الحدودي حيث سلم العائلة إلى عم نوزاد.
لم تكن كل عمليات هروب الأطفال الإيزيديين ناجحة، فحجي يقول أن عملية أخرى لإنقاذ إحدى العوائل الإيزيدية، باءت بالفشل ولا يعرف مصير العائلة ولا المهرب حتى الآن.
أيضاً، يتذكر الطفل المجند سلام جيجو، أن أخوين إيزيديين حاولا الهرب من معسكر الفاروق، فاعتقلهما مقاتلو التنظيم وأعادوهما إلى المعسكر حيث سجنوهما في سجن منفرد قرابة أسبوعين، وفرضوا عليهما عقوبات وصلت إلى حد إبقاء رأسيهما في دورات المياه لساعات كل يوم، وحين عادا من الحجز الانفرادي، كما يتذكر جيجو، «كان أحدهما يضرب رأسه بالجدار لينهي حياته من شدة التعذيب الذي تعرض له».
في معسكر سلوك، كان الأطفال يهرعون للركض خلف الطائرات المنخفضة لقوات التحالف وهم يطلبون إنقاذهم، لكن دون جدوى، كما يتذكر الطفل خديدة الذي لا ينسى حتى الآن كيف كان مقاتلو التنظيم يهزأون من الأطفال ويقولون لهم أن أحداً لن يتمكن من إنقاذهم يوماً من الأيام.
محنة في المخيمات الإيزيدية
لجأ نوزاد وآزاد وأمهما بعد وصولهما إلى العراق، إلى مخيم خانك بمدينة زاخو الكردية، لكن قسوة الحياة والحرمان كما يعتقد نوزاد لم تختلف كثيراً عن قسوة الحياة في ظل «داعش»، باستثناء أنه وأخاه ما عادا يخضعان للتدريب.
حالهم حال معظم الإيزيديين العائدين من الأسر، يعيش نوزاد وازاد وراغب وغياد وجيجو وخديدة والمجندون الآخرون، في ظروف معيشية قاسية، وإهمال كبير، حتى أن الطفل غياث ما زال يرتدي الملابس ذاتها التي جلبها معه من الأسر.
غالبية عوائل المجندين الصغار لا تجد قوت يومها، ولا تمتلك في خيمها أبسط مقومات الحياة، كما لاحظ كاتبا التحقيق، كما أن الكثير منهم ما زال يرزح تحت ديون ثقيلة لأقارب ومعارف ساهموا في جمع الأموال التي دفعت للمهربين، وينتظرون من عوائل المجندين الأطفال سدادها للاستفادة منها لاحقاً في شراء بناتهم أو أطفالهم من تجار الأسرى.
يقول حسن قائيدي، مسؤول شؤون المختطفين في مكتب رئيس وزراء كردستان، أن التعويضات دفعت وستدفع لاحقاً لكل من تم تحريرهم من «داعش»، فيما يؤكد خيري بوزاني مدير دائرة شؤون الإيزيديين الكردستانية، أن التعويضات ستدفع حصراً للمختطفين الذين تم إنقاذهم عبر مكتب رئيس الوزراء، ولن تشمل من تحرروا عبر عوائلهم مباشرة.
في كل الأحوال، ما زالت أزمة الديون المترتبة على إطلاق سراح المختطفين تمتد لتشمل الكثير من العوائل التي حررت أطفالها أو بناتها من الأسر، وهي مبالغ تصل في الغالب إلى ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف دولار.
عانى الإيزيديون في شكل عام من الفقر والحرمان على امتداد تاريخهم الحديث، فمنذ رحلهم النظام السابق من قراهم عام 1975 وقام بتجريف أراضيهم وطمر ينابيعهم وأسكنهم في مجمعات قسرية، وحتى سقوط النظام عام 2003، كان الإيزيديون من أكثر الفئات العراقية تهميشاً وعدم استقرار، ومع احتلال «داعش» مناطقهم مطلع آب (اغسطس) 2014، خسروا كل ما تبقى لهم، وفق الباحث خالد تعلو القائيدي.
غياب برامج التأهيل
ينتقد مسؤول شؤون المختطفين الإيزيديين حسن قائيدي، الحكومتين العراقية والكردستانية والمجتمع الدولي، لأن أحداً لم يقدم يد المساعدة للمختطفين العائدين، باستثناء مكتب رئيس وزراء كردستان.
التقى قائيدي بأربعة من الأطفال المجندين العائدين، ولاحظ أن أفكارهم كانت مشوشة وأوضاعهم تبعث على القلق، فمن خلال إجادتهم التعامل مع السلاح وما يحملونه من أفكار تفصيلية عن الجهاد والكفر والإيمان، يبدو واضحاً، كما يقول قائيدي، أنهم تأثروا بالأفكار المتطرفة لتنظيم «داعش»، ويمكن أن يتحول العديد من الاطفال الإيزيديين المجندين في معسكرات «داعش» إلى إرهابيين خطرين في حال بقي ملفهم مهملاً.
في ظل غياب برامج التأهيل، يراهن قائيدي على عوائل المجندين الصغار لتوعيتهم وإعادتهم إلى حالتهم الطبيعية، فالمبالغ المتاحة، بالكاد تكفي لإدامة عمليات إنقاذ الأسرى الإيزيديين، وعلى الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان والمنظمات الدولية أن تتكفل هي برعاية الأطفال المجندين وتقديم المساعدة النفسية لهم.
لكن المسؤول في وزارة الأوقاف الكردستانية خيري بوزاني، يقول أن إعداد البرامج التأهيلية الخاصة بالأطفال المجندين، يحتاج إلى جهود أوسع بكثير مما هو متاح في العراق، فمن دون مساعدة أممية جادة، لن يكون ممكناً تجاوز هذه الأزمة المقلقة.
المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، يؤكد أن الحكومة تتابع عن كثب ملف الأطفال الإيزيديين المجندين لدى «داعش»، وهي تنسق في شكل متواصل مع المنظمات الدولية لضمان إعداد برامج تأهيل متقدمة، تكفل إعادة هؤلاء المجندين إلى وضعهم الطبيعي قبل وقوعهم في الأسر.
الحديثي يقول أن الأطفال المجندين العائدين، يعيشون الآن في مخيمات النازحين التي تديرها حكومة كردستان، وهناك تنسيق عال في مسألة تأمين المساعدات لهم، لكن معالجة موضوعهم تحتاج إلى تعاون أوثق ومساعدة دولية يتيحان لنا دمج الخبرات الوطنية العراقية، بخبرات منظمات عالمية متخصصة، سبق لها أن نفذت برامج من هذا النوع في بلدان واجهت مشكلة تجنيد الأطفال.
يؤكد الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي، المدير الأسبق لسجن الأحداث في العاصمة بغداد، أن برامج التأهيل تحتاج فعلاً إلى خبرات دولية عالية لإعدادها وتطبيقها، فحجم الانتهاكات التي تعرض لها الأطفال الإيزيديون المجندون فادحة جداً، ومعقدة في كل تفاصيلها، ولا يمكن التكهن بمدياتها بالطرق العادية.
الخفاجي شارك في وقت سابق في برامج تأهيل أطفال جندهم تنظيم «القاعدة» في النزاعات الطائفية بين عامي 2006- 2008، لكنه يؤكد أن الحالة الإيزيدية «غير مسبوقة بالنسبة لنا»، فهناك الكثير من العوامل المثبطة لنجاح برامج التأهيل المتعارف عليها، أبرزها عوامل الشعور المستمر بالإذلال نتيجة اطلاع الأطفال على عمليات بيع وشراء قريباتهم، وتعرضهن المستمر للاعتداءات الجنسية، وآثار الحرمان من الحرية والإحساس المتراكم بالعبودية لفترات طويلة، وهو ما كسر فيهم الاعتداد بالنفس أو احترام الذات.
يضيف الخفاجي إلى هذه العوامل، عامل الانتقال الحاد في نمط التفكير الديني، «من نظرة مسالمة إلى نظرة عنفية تبرر قتل المخالفين أو قطع رؤوسهم، وهو ما يعني أن الفترة الزمنية للعلاج قد تمتد إلى نحو ثلاثة أو أربعة أعوام أو أكثر، على العكس من الحالات التي أشرفنا عليها سابقاً والتي كانت تحتاج إلى عام أو عامين».
لكن في ظل الإهمال والفقر وسوء المعيشة واستمرار اختطاف أكثر من 3 آلاف إيزيدي وإيزيدية، كما يعتقد الباحث سالم خالد شمو، سيكون من الصعب توقع نجاح برامج تأهيل الأطفال المجندين، خصوصاً مع تراكم الشعور بالكراهية لدى الأطفال المجندين تجاه مجتمعهم وباقي مكونات العراق، وهو ما يعتقد الباحث شمو أنه سيدفع باتجاه تأجيج الرغبة بالانتقام وربما نشوء صراعات محلية، سيكون وقودها بلا شك، الأطفال الذين ما زالوا يشعرون بالعسف النفسي ويمتلكون في الوقت ذاته قدرات قتالية تعلموها على يد أكثر التنظيمات توحشاً في العصر الحديث.
حين كان العمل على هذا التحقيق يوشك على الانتهاء، علم كاتبا التحقيق أن اثنين من المجندين الهاربين من معسكرات «داعش»، وهما وعد ورعد خيري سليمان، وصلا إلى مخيم قاديا القريب من مدينة زاخو الحدودية، وخلال الرحلة التي استغرقت نحو ثلاث ساعات بالسيارة، عبر طرق وعرة للوصول إلى المخيم، كان الأمل قائماً بالحصول على معلومات جديدة، يمكن من خلالها كشف المزيد من واقع الأطفال المجندين ممن بقوا أسرى في قبضة «داعش».
كان الطفلان استدعيا من قبل جهاز الأمن الكردي (الاسايش)، للإدلاء بمعلوماتهما عن التنظيم.
رفض خالهما الحديث عن أية تفاصيل، أو إجراء أية مقابلة معهما إذا ما عادا لاحقاً، لكن بمحض الصدفة، عرض خال الطفلين صوراً كانت في هاتف بلا شريحة جلبه الطفلان العائدان معهما من المعسكر، ومن بين عشرات الوجوه التي ظهرت في هذه الصور، برز وجه الفتى المفقود بركات قيراني وهو يرتدي زياً مرقطاً، ويحمل بندقية، وسط مجموعة من الأطفال المسلحين.
رفض خال الطفلين إعطاء أي صورة من هذه الصور لكاتبي التحقيق، بحجة أن تسريبها قد يحرمه من الحصول على التعويض المالي من مكتب رئيس الوزراء.
كانت الصورة كافية للاطمئنان إلى أن بركات ما زال حياً، لكنها لم تكن تكفي لمعرفة إن كان سيعود مع باقي رفاقه المجندين، أطفالاً أصحاء، أم مقاتلين شرسين.
في الحالتين، ستظل مخاطر إهمال ملف الأطفال الإيزيديين المجندين، قائمة إلى وقت طويل.
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى