– درتا بوطان .. روشن وابنتها سينم بدرخان –
إعداد ليلى قمر – ديريك
١ من ٢
أن نقف أمام قاماتٍ من الأسرة الأميرية. البدرخانية النقية نقاء ليلاف وهركول وهوزاميري … أن نتأمّل عميقاً في طلة بعض من الأميرات وقد حملن عتق البدرخانيين ثواراً وفرساناً وامراءً وملوكاً ، أن أقف أنا، ليلى علي قمر ، من على تلة عين ديور أو تحت أقدام برا بافت، فأستنشق من هناك أريج حديقتك الأميرة غيدوكي أو غيداي ..
كثيرون من الكُرد وأنا منهم، ومن الرضاعة نكبر وتكبر فينا ومع أهازيج و ( لوريين دايكا ) وفي المآتم – سريلي – والربيع حينما يفوح بعطر أزاهيره ، وتلكم النسمات وأريج ذات الزهور التي أصرّت أن تينع تحت سنابك فرسان البدرخانيين .. أهم أبطال أساطير كانوا ؟ أم أسطرتهم بالفعل عظمة أفعالهم ؟
هذا الكمّ الكبير من القصائد والحكايا والأقاصيص، ناهيك عن تلك البصمة الرائعة والخالدة لهم ، بقي وسيظلّ كإرث ازلي يتباهى فيه الكُرد بأجزاء وطنهم المقسّم ..
لن أطيل، صدّقوني، ونحن المعتّقون انتماءً لهذه البيئة، كنّا منذ طفولتنا نتلقّى أثرهم ..نتنسّم عبير عطرهم وفوح مباسمهم .. ودعوني أختزل : البدرخانيون إرث وأصالة كُردستانية، سيبقون كهامات عالية مستدامة، ستتذكّرهم العصور ويبقون كما هي : برجا بلك .. مير آفدلي .. مدرسا أو قصرا اميري .. غيدوكي أو بخجي الخاتون غيدوكي، وهنّ كنّ أيضاً نسوة خاتونات ،كانوا وظلّوا تفوح إثرهن كما بقايا أزاهيرك خاتونا غيداي واللسان كما الأصابع تهرول، صدّقيني أميرتي فأنا عاجزة حتى عن صياغة ما أسعى إليه؟ أجل ولما لا خاتون ؟ فها أنذا وكأني أمام برجا بلك، وهاهو جد جد أبيكنّ، المير العظيم مير بدرخان ، وها هنّ أنتنّ الأميرات الجليلات .. نعم هم كانوا الأمراء وقد أبدعوا كفرسان، وإن تمكّن منهم الطغاة، وهنّ الأميرات أصرّين أن تسطعن نجوماً في فضاءات كُردستان ، وهنا علينا ، وقبل الخوض في العرض الموجز عن بعضٍ من الأميرات البدرخانيات، أن نوجز وباقتضابٍ شديد تعريفاً بالعائلة البدرخانية حيث كتب وبالتشارك كلٌّ من الأستاذة سروة عثمان ،وهي أديبة وكاتبة كُردية، والأستاذ محمد فتحي عبدالعال، وهو كاتب وباحث مصري ، موضوعاً لهم بعنوان – شخصيات كُردية صنعت التاريخ عائلة بدرخان ١-٢ – وذلك في قطوف الحضارات / الحضارة الكُردية آذار/مارس 16, 2019 2593 وتوسّعا نسبياً في سيرة حياة هذه العائلة المنسوبة إلى جدها الأول مير بدرخان باشا، أمير جزيرة بوتان .. خلفاً لوالده، وقام بإصلاحات وتوسيع حدود إمارته .. وكثرت الآراء حوله، ففي دراسةٍ له بتاريخ 1 مارس عام 2015 · بعنوان ( مقتطفات من تاريخ البدرخانيين ونضالهم الكُردي السياسي والثقافي ) أنّ البدرخانيين عُرفوا ب: ( – أزيزان : نسبةً إلى أحد أجدادهم القدماء عبد العزيز بن سليمان بن خالد أمير إمارة بوتانية في 620 هـ وينتمي إلى عشيرة بختي الكُردية ) ما تنسيبهم إلى خالد بن الوليد فلا اساس له لأنه لم يترك ذرية ..
– البدرخانيون : أتت إليهم هذه التسمية من الأمير بدرخان بن عبد آل خان أمير جزيرة بوتان عندما تسلّمها في 1812 وحتى 1848م وهو في الثامنة عشرة من عمره ، وتمكّن من تأسيس إمارةٍ قوية وصلت إلى مصاف الدول، بمعنى الكلمة، إذ سكّ النقود ،وصنع المدافع، وتمرّد على السلطان العثماني في منع الضرائب والجباية للسلطنة العثمانية في إمارته، مما حدا للسلطان بأن يهاجمه بجيشٍ كبير ) … وقد ( ترك المير بدرخان بك / 42 / ولداً منهم /21/ ابن و /21/ ابنة .. ) كان لهم الدور الأكبر في المجالات السياسية والثقافية الكُردية .
وهنا تهمّني الإشارة بالتأكيد على أنني أسعى في تقديم إيجازٍ تعريفي بأميرتين من هذه العائلة المعطاءة، وهما الأميرة روشن وابنتها سينم خان :
فقد كتب الكاتب الكُردي كوني رش في ذكرى وفاة الأميرة روشن بدرخان مقالاً بتاريخ 30 ايار 2012 قال فيه : ( إنها المرأة الكُردية الأولى التي كتبت وترجمت من التركية والكُردية إلى اللغة العربية، وأغنت المكتبة العربية بترجماتها المختلفة، بالإضافة إلى كتابتها باللغة الكُردية الأحرف اللاتينية بمجلة هاوار (1932م) بدمشق، إلى جانب زوجها الأمير جلادت بدرخان وابن عمها الأمير الدكتور كاميران بدرخان، وجكرخوين وأوصمان صبري وفطاحل الشعراء والكتّاب واللغويين من كُردستان الجنوبية مثل : توفيق وهبي، هفندي صوري، بيروت، وكوران .. وأيضاً إلى نشاطاتها المختلفة في دمشق كرمزٍ من رموز الثقافة العربية والكُردية معاً، وبالتالي كشهيدة القلم والمعرفة .. ) .
ويضيف الكاتب كوني رش :
أنها من سلالة أمراء البدرخانيين ( الآزيزية ) ، المشهورة في كُردستان ومنطقة الشرق الأوسط ، وواحدة من طلائع وأقطاب الثقافة الكُردية، والتي كانت تتكلّم بلغة (الأمير بدرخان ) مع ولديها الأميرة سينم خان والأمير جمشيد رغم الهجرة القسرية والبعد عن كُردستان… كون المتبقّين من البدرخانيين نسوا لغتهم الأمّ … حيث يتكلّمون بلغاتٍ أخرى متعددة ..
ولدت الراحلة روشن بدرخان يوم 11 تموز 1909م ،في مدينة قيصري، حينها كان والدها ( الأمير صالح بدرخان ) منفياً هناك ، وهي بدرخانية أماً وأباً، أمضت أربع سنوات من سني طفولتها في استانبول.
وفي عام 1913م نفى الأتراك البدرخانيين مرةً أخرى إلى مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، حينها اضطرّت إلى الاستقرار في دمشق ، برفقة والدها الأمير صالح وأعمامها مثل يوسف بدرخان … درست في مدارس دمشق حتى أكملت دراستها في دار المعلمات عام 1923 .. عملت فترةً من الزمن في شرق الأردن وفي مدينة عمان والكرك ما بين عامي 1925م – 1928م، وفي عام 1928م عادت إلى دمشق ودرست اللغة الفرنسية .. عيّنت معلمة في مدارس دمشق مثل (خولة بنت الأزور وليلى الأخيلية)، وفي عام 1934م انتسبت إلى جمعية (الاتحاد النسائي) ومثّلت سوريا في مؤتمر القاهرة عام 1944م، وفي عام 1947م عملت في الإذاعة السورية ، حيث كانت تروي قصصاً وحكاياتٍ في ركن الأطفال، ولها العديد من القصص والمحاضرات أذيعت ونشرت في الصحف والمجلات المختلفة. وفي عام 1935م تزوّجت من ابن عمها الأمير جلادت بدرخان الباحث والعالم اللغوي، بعد أن تمّ طلاقها من زوجها الأول عمر مالك حمدي، وخلّفت منه ابنة هي أسيمة خان عام 1931م ، تزوّجت بـ (زهير علي آغا زلفو) .. وعاشت في القاهرة .. و كانت تردّد دائماً: ( أنا ربيبة الأمير جلادت بدرخان..) وهكذا أمضت الأميرة روشن بدرخان سبعة عشر عاماً مع الأمير جلادت بدرخان .. ولها منه ولدان سينم خان 21/03/ 1938م، وابن هو جمشيد 09/11/ 1939 .. ) .
دخلت الأميرة روشن حالة من الاكتئاب وأيضاً تعرّضت لكثيرٍ من المتاعب خاصةً بعد بعد سفر ابنها الأمير جمشيد إلى ألمانيا لمتابعة دراسته الجامعية في الطب عام 1958م وزواج ابنتها الأميرة سينم خان بالأستاذ صلاح سعد الله عام1961م ، ورغم المشقة مشت في الطريق الذي سلكه ابن عمها الأمير جلادت بدرخان ..
في عام 1955م ساهمت مع مجموعةٍ من المثقفين الكُرد في دمشق بتأسيس- جمعية إحياء الثقافة الكُردية: أنجومن – ومنهم عثمان صبري وحميد حاج درويش وغيرهم… وفي عام 1956م شاركت إلى جانب الدكنور نوري ديرسمي وحسن هشيار وآخرين في حلب ودمشق بتأسيس جمعية (المعرفة والتعاون الكُردي) ، وبواسطة الأميرة روشن وصداقتها المتينة بالصحافي اللبناني (يوسف ملك)، صديق العائلة البدرخانية، توطّدت علاقات الجمعية مع حزب (ايوكا) اليوناني المناهض للعنصرية. وفي عام 1957م نتيجة نشاطات الجمعية، كانت الأميرة روشن بدرخان الكُردية الوحيدة التي ذهبت إلى اليونان لتمثّل شعبها الكُردي في مؤتمر مكافحة الاستعمار والعنصرية ….. كانت الأميرة روشن تتقن لغاتٍ عديدة إضافةً إلى لغتها الأم، ومنها العربية والفرنسية والتركية والإنكليزية مع بعض الإلمام بالألمانية .
وقد اشتغلت على الترجمة من الكُردية والتركية إلى العربية ، إضافةً إلى التأليف ، وللأسف لم تكتمل بعض من أعمالها مثل : جلادت بدرخان كما عرفته ( تأليف ) .. و – العوامل الحقيقية لسقوط أدرنة ( ترجمة ) و – مذكرات روشن بدرخان – ) .
1- مذكرات معلمة أو عصفورة السياج : تأليف رشاد بك نوري : في ثلاثة أجزاء، ترجمة 1954م.
2- غرامي وآلامي: تأليف مكرم كامل، ترجمة 1953م.
3- مذكرات امرأة: تأليف كوزيدا صبري، ترجمة 1953م.طبعة ثانية دمشق1996
4- رسالة الشعب الكُردي للشاعر كوران: ترجمة 1954م.
5- صفحات من الأدب الكُردي: تأليف وترجمة 1954م.
6- مذكراتي: صالح بدرخان: ترجمة 1991م.
7- رسالة إلى الغازي مصطفى كمال باشا: للأمير جلادت بدرخان، ترجمة 1990م.
8 – الردّ على الكوسموبوليتيه: تأليف محمود حسن شنوي، ترجمة.
9 – الأمير بدرخان: لمؤلفه لطفي، ترجمة.
10 – نظرة إلى التاريخ العثماني: د. نوري ديرسمي. ترجمة.
وتوفّيت الأميرة في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين ( 1 حزيران 1992م ) في مدينة بانياس الساحلية، وحسب وصيتها، تمّ دفنها في مقبرة الشيخ خالد النقشبندي في حيّ الأكراد بدمشق، في تلك المقبرة التي تضمّ رفات جدها الأمير (بدرخان الكبير: 1802 – 1868 ) وزوجها الأمير جلادت بدرخان ..معلومات من مقال للاستاذ كوني رش في موقع ولاتي مه .
وتضيف الكاتبة بيمان قاسم أيضاً في موضوع هام بموقع مدارات كُرد في ١١ / ١٠ / ٢٠١٩ وعنوانها البارز جملة للأميرة تقول فيها ( .. أعطنِي وحدة الكُرد أُعطِك كُردستان مستقلّة ).
وتضيف الكاتبة قاسم عن الأميرة روشن ( .. تمكّّنتْ من الدخول في محراب العلم والثقافة والأدب من أوسع أبوابه … وعاشت في الأجواء الثقافيّة للعائلة البدرخانية الشغوفة بالسياسة والعلم والمؤسِّسة للثقافة والأدب الكُرديين وتطويرهما، وتأثّرت بثقافات البلاد التي عاشت فيها، وتشرّبت بها ولا سيما الثقافة العربيّة، فَغَدت تكتب بلغةٍ عربيّةٍ حيّة وببلاغة وحبكة أدبيّة فريدة مستعينةً بالمفردات والمدلولات اللغوية لتلك اللغة التي نشأت في محيطها كاشفةً فيه بصدقٍ، عن إحساسها الكُردي العميق الذي ينبلجُ من واقعٍ قاهرٍ ومقهور في آن واحد ..
وتضيف الكاتبة بيمان قاسم .. شَهدت الأميرة والكاتبة الكُردية روشن بدرخان الأحداث الكبيرة منذ سنوات طفولتها الأولى، مثل أحداث الثورة السوريّة الكبرى، وشاركت في الكثير من الأنشطة السياسيّة، وساهمت في المؤتمرات الدولية كإحدى النساء اللاتي ساهمن في مقدمة النضال الوطني والتقدّمي ، كما شاركت في تأسيس جمعيات و منظمات سياسيّة وكُرديّة في مختلف دول الشرق الأوسط، وانتمَتْ لاتحادٍ نسائيٍّ كُرديٍّ في القاهرة، ثم أسّست اتحاداً في حاجي عمران في كُردستان العراق وأسمته الاتحاد النسائي الكُردي … وهي من مؤسّسي أول جمعيات وتنظيمات سياسيّة كُرديّة في استنبول وسوريا والعراق ومصر إلى جانب لفيف من أمراء آل بدرخان الذين درّسوا اللغة الكُرديّة في المدارس الدوليّة للغات الشرقيّة في فرنسا بمدينة باريس …
وتضيف الكاتبة.. الأميرة روشن بدرخان أولت أهميةً كبيرة للجانب الاجتماعي لأنّها رأتْ بأنّ هذا الجانب يشكّل جزءاً من واجبها الوطني، فقد كانت تزور السجينات في سجن النساء بدمشق عامي (1941- 1944)، فكانت تقوم بزيارة السجون والتحدّث مع السجينات لمعرفة مشاكلهنّ والمساهمة في تخفيف آلامهن؛ لكي تعيد لهنّ الثقة بالحياة .. وكانت تزور الشخصيات الكُرديّة الوطنية البارزة بصحبة ابنتها سينم خان، مثل الدكتور نور الدين زازا وعثمان صبري ومجيد حاجو في سجن المزّة بدمشق ومن ثمّ سجن القلعة أيضاً حين نُقِلوا إليه .. وفي عام 1971 توجّهت إلى العراق تلبيةً لدعوةٍ من قائد الثورة الكُرديّة الملّا مصطفى البارزاني، وأسّست في مدينة حاجي عمران، الاتحاد النسائي الكُردي .. ).
القسم الأول عن الأميرة روشن بدرخان والثاني سيكون عن الأميرة سينم خان