دغدغة العواطف
غسان جانكير
الهرج الذي أثاره الرئيس التركي، السيد رجب طيب أردوغان، في الأوساط العلمية و السياسية والدينية وحتى الأوساط الشعبية القليلة الحظ من العلم، في نشره لمعلومة تنسف ما قد تعلمّتها هذه الفئات في المدارس وكتب التاريخ والاكتشافات. المعلومة التي حَسَبها السيد أردوغان أنها ستسري بيسر وسهولة و تدغدغ عواطف القيادات المسلمة في قارة امريكا، تقول : أنّ المسلمين قد أكتشفوا امريكا بعدة قرون قبل أن يكتشفها كولومبوس !. المعلومة لقيت من المعارضة و التأييد بقدر ما لهذه الأوساط من التفكير العلمي السليم أو العاطفة، فالمعارضون يتندّرون بالتساؤل: كيف للمُكتشفين المسلمين أن يسهوا عن جلب البطاطا أو الطماطم من أمريكا و يزرعوها في القارات القديمة التي كانوا يسيطرون على أجزاء كبيرة منها، فيخففون من المجاعات المنتشرة أنذاك؟. وأمّا المؤيدون فهم في جهلهم ينعمون، تُحركهم العصبيّة الدينية التي يُراد من ترسيخها تحقيق منافع جيوسياسية، تُعيد الى الاذهان حلم إحياء امبراطورية تتخذ من الدين وسيلة البلوغ. المعلومة فيها من الفجاجة العلمية أكثر مما بها من حساسية عصبوية، بات العالم مُلحّا في وأدها، ذلك أنّ الهفوات التي يأتي بها القادة الذين يتنطّعون لقيادة العالم، لن تلقى من الأعذار و التغاضي ما يلقاها أحدٌ من عامة الناس، فالشيء الذي لا يُدانيه الشك مُطلقاً، أنّ العِلم كُلّيٌ لا يتجزأ على دين أو طائفة أو قومية دون سواها، ولا تنقطع في سيرورته التاريخية، بل هو تراث انساني قد ساهمت فيه كلّ الشعوب، حسب خبراتها، على مر التاريخ. المعلومة التي ورّطت اردوغان في التبجّح بها، ما كان لها أن تلقى من الأسوياء سوى السُخرية والهُزء، وهي ذات الورطة و السخرية التي وجد مُروّجوا ” العصر الجاهلي ” أنفسهم فيها ذات يوم، في وصفهم للحضارات التي تسبق انتشار الاسلام، الصفة التي كانت سبباً في أن ينكبّ العلماء على دراسة تلك الحضارات من خلال ما بقي من الأوابد، بسبب اتلاف الكتب بعد أن أُحِرقت الكثير المكتبات، التي اتخذ الرعاع من جلود كُتبها، بعد نزع الورق، نعالاً لهم. Ghassan.can@gmail.com