أخبار - سوريا

دمج “التركستاني”… مخاوف الأسلمة المبكرة للجيش السوري الجديد

Yekiti Media

دخلت إدارة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في سباق مع الزمن من أجل توحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة مركزية مما قد يسهم في تحقيق الاستقرار الداخلي، إذ انضم أخيراً الحزب الإسلامي التركستاني إلى هيكلية وزارة الدفاع الجديدة تحت مسمى الفرقة 84 ويحوي غالبية أجنبية تعتمد على الإيغور الصينيين.

ومع ذلك فإن هذه الخطوة قد تفسر دولياً على أنها تجاهل للمطالب المتعلقة بطرد المقاتلين الأجانب، مما قد يؤثر في العلاقات الدبلوماسية، بخاصة مع الولايات المتحدة والصين. كما أن منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب قد يثير تساؤلات حول مستقبل التوازن الديموغرافي والسياسي في البلاد، وتحديداً أن وزارة الدفاع لم تعلن ولم تنف الخبر حتى اللحظة حيال الفصيل الذي يضم آلاف المقاتلين مع عائلاتهم، لكن التسريبات الموثوقة عاجلت الوزير مرهف أبو قصرة الذي أعطى مهلة قصيرة لكل الفصائل للاندماج.

تقدر المراكز البحثية المتخصصة تعداد مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني بين 1500 و5000 مقاتل، ويظل من الصعب حصر رقم دقيق لما يحيط بالحزب من سرية. وأول من كشف عن طبيعة الاندماج هو الصحافي الأميركي داريل فيلبس الذي اعتنق الإسلام مسبقاً وصار مقرباً من “هيئة تحرير الشام” وقياداتها في مرحلة إدلب وما بعدها.

ويقود الحزب في سوريا الأمير العام أبو عمر كوثر، أما قائده العسكري فهو عبدالعزيز أبو محمد الذي يعرف أيضاً باسمه الحركي زاهد قاري. وفي العام الماضي صدر قرار من مجلس شورى التركستاني في أفغانستان يقضي بتعيين كل من عبدالعزيز والشيخ طوبى نائبين للقائد العام في سوريا.

مهلة الأيام الـ10

في الـ17 من مايو (أيار) الجاري أعلن وزير الدفاع السوري مهلة 10 أيام بالضبط لتنضم بقية كل الفصائل التي لم تنضوِ بعد ضمن هيكلية وزارة الدفاع الجديدة. وبالفعل خرج الوزير في اليوم العاشر عبر شاشة التلفزيون الرسمي السوري ليعلن انقضاء المدة التي كانت تشمل المجموعات القتالية الصغيرة بغية ألا يظل سلاح متفلت خارج السياق الرسمي والشرعي للدولة.

حينها أوضح مرهف أبو قصرة أن وزارة الدفاع باتت بالفعل تضم 130 فصيلاً عسكرياً جرى استيعابهم في صفوفها، أما عن موضوع سلاح قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، فبين أنه لم يكن ضمن مهلة ال10 أيام لأنه جرى توقيع مذكرة تفاهم ومبادئ بين قائدها مظلوم عبدي والشرع خلال مارس (آذار) الماضي على أن يستمر تنفيذ بنود الخطة حتى نهاية العام، كذلك لم يتطرق الوزير للسلاح الدرزي في الجنوب.

انضمام “التركستاني”

في خضم ذلك ومع اليوم الثالث من مهلة العشرة الأيام، قرر الحزب الإسلامي التركستاني ذو الغالبية المقاتلة من الإيغور الصينيين والمصنفين على لوائح الإرهاب، حل الحزب والانضمام إلى جهاز وزارة الدفاع ككتل منفصلة غير مستقلة أو موحدة كما هي شروط الوزارة السابقة في قبول سلاح الكيانات المنظمة، بحسب مصادر تحدثت لـ”اندبندنت عربية”.

المصادر نفسها قالت إن هذه الخطوة تعني انتفاء العقوبات عن الهيكلية القائمة على الحزب، لكن الأزمة تكمن في رفض بعض الدول هذه الخطوة، وفي مقدمها الصين التي تعاقب وتطارد أفراده، وهذا ما يفتح السؤال أمام إمكان منحهم أو بعضهم الجنسية السورية، وهو أمر سبق وأشار إليه الشرع في لقاء أخير مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، خصوصاً مع زواج كثير من هؤلاء الإيغور من مواطنات سوريات.

ليست الصين فقط التي ستتحفظ على هذه الخطوة، بل إن جهات حقوقية عالمية ستعتبر ذلك تحدياً صارخاً والتفافاً غير مقبول على تعهدات واتفاقات سابقة، فضلاً عن مشكلات المواطنة والديموغرافية التي قد تلحق بقرارات التجنيس لو حصلت، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القيادة السورية قد رفعت في وقت سابق عدداً من المقاتلين بينهم إيغور إلى رتب عسكرية عليا وسلمتهم مناصب قيادية.

خيار الضرورة

في حين كانت مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الشرع واضحة وجلية بطرد المقاتلين الأجانب من سوريا كخطوة على طريق رفع أو تجميد العقوبات، لكن الأمر بدا لمراقبين أشبه بالمستحيل، أو في الأقل يحتاج إلى وقت طويل للغاية، أو حلول ديناميكية سريعة تراعي المطالب الأميركية من جهة، وتحافظ على المطالب الأوروبية السرية من جهة ثانية، فكان يبدو خيار التجنيس ضمن أطر وسياقات محددة ضمن الأكثر واقعية ومنطقية.

وبحسب المتابع للشؤون السورية والمتخصص في ملفات الجماعات الإسلامية الدكتور أنس تميم فإن “هناك افتراضاً قوياً جرى تسريب معلومات عنه يتعلق بقضية المقاتلين الأجانب، والذي يقتضي دمج بعضهم في صفوف الجيش السوري وخضوعهم التام لأوامره وتوجيهاته الملزمة والصارمة في أي شأن، خصوصاً ما يتعلق بعدم تشكيلهم مصدر قلق أو خطر للجوار، فيما سيكون مصير من يرفض الاندماج والانسياق والتطوع هو الاعتقال القسري والترحيل والطرد”.

الموقف الأوروبي

يمضي تميم في تحليله فيقول، “سيكون أمام هؤلاء المقاتلين الموجودين في سوريا منذ أكثر من عقد، خياران لا ثالث لهما، إما القبول بصورة الدولة العصري والتراتبية العسكرية والأوامر المباشرة والالتزام التام، أو المصير الآخر. والمصير الآخر هو الذي لا ترغب به الدول الأوروبية تحديداً من تحت الطاولة، وعلى رأسها فرنسا، التي تخشى ترحيلهم وارتداد الإرهاب لأراضيها، وهي مطالب جاءت بصيغة غير مباشرة وجرى بحثها فعلياً عبر زيارة الوفود الأوروبية”. وتابع “يمكن ربط ذلك بقضية معتقلي ’داعش’ الذين لا تريد أي من الدول استرداد رعاياها منهم في واحدة من أعقد قضايا القانون الدولي الحديث، وعليه، فهي لا تريد ذات المواجهة القانونية أمام الرأي العام وأمام التردي الأمني الذي يهددها بين الحين والآخر، لذلك في السياسة لا بأس بأن تبقى سوريا إسفنجة امتصاص الجهاد العالمي”.

ويختتم بالقول، “محاربة المتشددين في بقعة جغرافية واحدة أمام أي مفترق طرق هو أفضل بآلاف المرات من مطاردتهم حول دول العالم، بخاصة أن حادثة طعن واحدة في عاصمة أوروبية تغير سياسات وأمزجة وتحالفات هناك”.

انقلاب على الانقلاب

يقول المتخصص في القانون الدولي علي الصواف في تصريح خاص إن أميركا كانت تعرف سلفاً أن طرد أكثر من 7 آلاف مقاتل أجنبي ليس أمراً يتخذ بقرار إداري ويجري تنفيذه، وليس هناك دول جاهزة لاستقبالهم، كما أن القيام بحركة جماعية ضدهم يعد بمثابة انقلاب عليهم، فيتحولون من المنقلب عليهم إلى المنقلبين على الحكم بكل ما لديهم من خبرات قتالية عالية وشراسة عسكرية تشمل الانغماسيين، أصحاب العصائب الحمراء وهم صفوة مقاتلي “هيئة تحرير الشام”، وربما المفخخات وغيرها، فيدخل البلد في دوامة حرب جديدة ومريرة، خصوصاً مع تمركز الأجانب في معسكرات رئيسة قرب المدن السورية المهمة.

ويوضح أنه “قد يكون هناك ضوء أخضر أميركي مع اتفاق أوروبي مبطن على عملية الدمج التي ما كانت لتحصل ويتحدى بها الشرع كل القوى العالمية لولا تنسيق جزئي مسبق ضمن اختبار قائم، فمن اندمج وانساق ومن قبل كان عنصراً جديداً يمكن التعامل معه وتقييمه، ومن رفض فقد أعلن التمرد وصار مصيره ملاحقاً مطارداً كالحال في القوى المناوئة للحكم الجديد على غرار ’داعش’ و’سرايا أنصار السنة’ وما تبقى من فلول نظام بشار الأسد”. ويرى أنه ما كان متوقعاً حصل فعلياً خلال الشهر الجاري، إذ رفضت جماعات أجنبية الانتظام في صفوف وزارة الدفاع فاصطدمت مع القوات والأمن العام في البادية السورية على مقربة من تدمر ودير الزور وسقط في تلك المعارك قتلى من الطرفين.

مخاوف مستقبلية

يعرف الحزب الإسلامي التركستاني اختصاراً بأحرف (تي آي بي)، ونشأ في تسعينيات القرن الـ20 بذريعة تحقيق حكم ذاتي وانفصال في إقليم شينغيانغ الصيني، لكنه دخل على خط الحرب السورية منذ بدايتها عام 2011، وكان يعد خلالها أكثر التنظيمات تطرفاً وتشدداً وتنظيماً وقاتل بضراوة في معارك إدلب وأرياف اللاذقية، ويعد مقاتلوه من الأكثر تمرساً وتدريباً وجاهزية وتحضيراً، إلا أن الحزب بعد سقوط النظام السوري أواخر عام 2024 قرر الانتظام في المرحلة الجديدة عبر إعادة تدوير نفسه تماشياً مع المرحلة، وفق مراقبين.

أول هدف رفعه الحزب منذ نشأته وظل متمسكاً به هو إقامة إمارة إسلامية في تركستان الشرقية، ومن أجل ذلك تحالف مع تنظيم “القاعدة” و”طالبان” في أفغانستان، إلى أن وجد في الحرب السورية بيئة خصبة لإعادة بناء تموضعه العالمي وتقوية ساعده وتدريب كوادره بما فيه الكفاية والعمل على استقطاب مزيد، إلا أنه غرق في الحرب السورية لسنوات طويلة لم تنسَ فيها الصين أن الحزب واحد من أعدائها الرئيسين، ولربما أخطرهم.

وحظي الحزب للمرة الأولى بالانتقال من حال التمرد والعصيان وحرب الشوارع والحالة السرية ليكون تنظيماً شرعياً معترفاً به ومندرجاً ضمن جهاز رسمي لدولة آسيوية وعنصراً فاعلاً بها منهياً عقوداً من اللاتبني الرسمي والملاحقات الدولية.

في آتون كل ذلك يخشى المتخصص في العلوم السياسية والمطلع على الشؤون الصينية عبدو رميلان من أن يكون قبول الحزب التركستاني حل نفسه ما هو إلا بمثابة مرحلة استراحة تتيح له استعادة التموضع من جديد، وخلال هذه المرحلة القيام بدورهم الذي برعوا فيه في نشر الأفكار المتشددة داخل هيكل وزارة الدفاع، و”بالتالي أن يحظوا بدور مباشر أو غير مباشر في إعادة إنتاج العنف من الداخل لا الخارج هذه المرة، وصولاً إلى “أسلمة” قوام الجيش وتطويعه عقائدياً من خلال ركوب القطار والتأثير فيه من الداخل عوضاً عن الوقوف في وجهه”.

independentarabia/ طارق علي/.. صحفي سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى