ديمقراطية الاحتكار الشمولي كُردياً
وليد حاج عبد القادر / دبي
في تتبع بحثي وتقص ميداني لواحدة من أعقد المظاهر البنيوية تأزما، والتي لازالت تنخر في بنية الحركة السياسية الكردية في أجزاء كوردستان، وتشتت بقوة آليات نضاله، كما وترتد بشكل سلبي، إن لم تؤد أصلا إلى صراع تناحري دموي بيني، هذه الظاهرة التي خفتت في كوردستان العراق بعد مخاض طويل ، ولكنها استمرت تفرض ذات العطالة وبمفرداتها في الأجزاء الأخرى، كواحدة من الإنعكاسات الرئيسة – مازالت – لظاهرة اختزال واحتكار قضية الشعب الكوردي جبرا وتمثيله عنفا في حزب واحد / اي حزب يكن /، وذلك بتطويب واحتكار كل سبل التمثل والإصرار على احقيتها وملكيتها لشرعية النضال بالمطلق، وقد تسعى – سعت بتحويط هيكلياتها بدوائر هلامية مزعومة لتيارات تعجز حتى في قيادة بناها التنظيمية الخاصة، التي تتآكل بين فترة وأخرى، هذا الإحتكار الشمولي الذي يستهدف في الأساس نسبية الحقيقة من جهة، وبعض من الصوابية المتوفرة عند كل جهة، وفي طمس عملي، لابل وإبعاد ميداني لقوى وفعاليات قد تمتلك رؤى وجهود ارقى لمأسسة النضال الجمعي، وتأطير الجهد التشاركي لنيل الحقوق وانجاز المهام الموضوعة، وكل ذلك على ارضية الإدراك الملتزم بحقيقة – وكمثال القضية القومية الكوردية في سوريا – هي ليست بقضية حزبية صرفة تخص مجموعة احزاب – مثلا : المجلس الوطني الكوردي، او قوات سوريا الديمقراطية بمجلسها السياسي – بل هي قضية شعب يفترض أن كل الأطر السياسية المنظمة من أحزاب او هيئات مجتمعية مدنية وحقوقية معنية وملتزمة بها ، وهنا للأهمية وكضرورة، يتوجب التأكيد على أنه لا يجوز لأي حزب – مجموعة احزاب مؤطرة ضمن أكثر من تحالف، مهما بلغت الاطر منفردة من قوة وشعبية، أن تحتكر العمل السياسي وتحوط ساحات النضال، فتعتبرها كمزارع خاصة بها، لأن خلاف هذا الأمر سيدفع بهكذا جهات الى تهميش القضية الأساس وقولبتها لمصلحة حزبية صرفة.
وقد أثبتت التجارب بأنه حينما يتقصد بعضهم في مزج كامل القضية وحصرها بمنهجه وكإطار لحزبه الأوحد والقائد الطليعي و ووو .. فيرى فقط في كل طروحاته الغطاء الأوسع والأشمل وكسقف أعلى، ويغلفها بهالة من قداسات غير قابلة للجدل او النقد، ويفترض جبرا على كل المجموعات الأخرى ان تصفق لها كتوابع أو تصمت، وفي الحالة هذه وأمام هكذا ظاهرة ؟! وعلى قاعدة من يؤسس على أنه الأوحد والأنقى والأخلص ومادونهم لا يستحقون سوى العزل المجتمعي والمحاسبة، فهل نستطيع والحالة هذه التمييز بينهم وبين الفكر الداعشي؟ الذي يتسلح تسويفا بآيات من القرآن الكريم او يجير الأحاديث النبوية الشريفة كتقية لهم؟. ومما يدفع الى الإستغراب والقرف أيضاً، ظاهرة تلك لإيديولوجيات بأحزابها العابرة، والتي عجزت تماماً الموائمة مع عصر المعلوماتية، كما وسرعة تنقلها وتسارع أحداثها، فمازال بعضهم يعيش بعقلية ومنطق كما حوارات الندوات الحزبية الكوردية وخاصة التي تلي / تلت الإنشقاقات البينية، لابل وليبدو كأن الهدف الأساس لتشظي هذه الأحزاب ومن ثم تنافسها كنضال حقيقي، ولكن لإثبات أصحية طرف على حساب خطل الجهة – الحزب الآخر، والامر الوحيد الذي تغير، هي تلك الإصطفافات التي حوطت كل مجموعة في إطار لم تخف مطلقا خطوط ارتباطاتها وحلقياتها شبه المكشوفة ..
وبالرغم من فظائع الإنكسارات، ومعها تعدد حالات الفشل الذريع في غالبية ما يبهرج بها كبروباغندا لانتصارات خلبية، ما تضخمت فيها سوى المقابر وحجم الدماء بعديد الشهداء، أجل ورغم كل ذلك وانكشاف السقوط المدوي لأسس الدوائر والمربعات التي تخندقت فيها التوجهات – بزعمها المتعدد والتي تم تصويرها كقلاع فولاذية غير قابلة لأية تسويف او حتى مجرد جدل! فإذا بها كلها أشبه بكثبان رملية، يتم العبث بها وإعادة أشكلتها من جديد، وبغاية لا تهدف سوى إثبات الحضور السياسي، وكهدف رئيسي يتلخص في أمرين، أولها تقليص الحق القومي باعتباره مشروع استعماري، وعلى أرضيته وهذه ثانياً: تعميق خندق الخلاف الكوردي بينيا، وتشييد جدران إسمنتية متتالية كحواضن لجينات تنتج – تستولد الأزمات البينية بالتتابع ، في تجاهل فظيع لما انكشف للوعي الجمعي من استدراك لآلية تشكل كل العقائد ونموها، وذلك في الإرتكاز على ثلاثة أمور: شخص – فرد و أمر أو ظاهرة تتوطم و .. تنظيرات لا تفسر بل تقدس وهالة رعب مركزة على الأتقياء والرعيل قبل المحيط لابل من خلال الرعيل ينشر فزاعة الخوف لتخيم على الرعيل !! . وحينها لا يهم بالمطلق ظاهرة الإنكماش القوموي وتقليصها في سعي لتطويعها بإلغاء مبطن لصالح طوباويات، تسعى لتجهيز المقاصل لكل من لا يرتهن بقداسة تلك الطوباويات فهو لايستاهل حتى مجرد التفكير في العيش بمدينتها الفاضلة ! . وبرغم هذه السوداوية، لابد من الإقرار بأن هناك توجهات ورموز فكرية تؤسس لرؤى جريئة، وتطرح جملة من القضايا التي تؤسس لنظريات قد تفتح مسارات لوعي منهجي في بنية ترسبات لربما تكلست عميقا في الذهنية المجتمعية بآفاقها الواسعة ومن جديد تنظيريا، ولكن!! – وللأسف – في التطبيق العملي وبخصائصية انتمائية يتناسون تماما انعكاس تصوراتهم على الواقع العملي اذا ما تعلق الأمر بحقوق آخرين يرون تضادها مع رؤية جماعية ذي خاصية لهم فئوية تكن او حزبية.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “271”