آراء

ديمقراطية الجوع

إيفان حسيب
إن استمرار الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بالتفرد في السلطة ومصادرة قرار شعبنا في كوردستان سوريا هو السبب الرئيسي لتهجير الآلاف خاصة فئة الشباب بعد إقرار قانون واجب الدفاع الذاتي (الخدمة الإلزامية) وتجويع البقية من غير المتنفذين في هذه الإدارة, هذه السياسية التفردية والإقصائية التي نتج عنها مؤخراً قيام حكومة اقليم كوردستان العراق الحليف والداعم الوحيد لتطلعات شعبنا بإغلاق المعبر التجاري مع غرب كوردستان وذلك بسبب التصرفات اللامسؤولة من قبل هذه السلطة, بالإضافة إلى قيام الإدارة الذاتية منذ أكثر من شهرين بمنع شاحنات نقل البضائع والمواد الغذائية القادمة من المدن السورية الكبيرة كحلب ودمشق واللاذقية من الوصول إلى منطقة الجزيرة وعرقلتها من خلال توقيف المئات من الشاحنات في بلدة مبروكة لعشرات الأيام بحجة الأمن ومنع دخول السيارات المفخخة, ما ادى إلى امتناع معظم الشركات من التعامل مع التجار المحليين! فهل هناك في العالم حكومة أو إدارة تدعي الشرعية والعمل لأجل مصلحة مواطنيها وتقوم بإجراءات من شأنها تجويع الشعب ورفع الأسعار لمستوى خيالي.
إن المسؤولية الكاملة للواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي في غرب كوردستان يقع على عاتق السلطة الحالية, كون هذه الإدارة لم تخرج من إطار التعامل الأمني مع كافة القضايا والمشاكل الداخلية, وتكريس كافة طاقاتها الاقتصادية وتوجيه إعلامها للنيل من المعارضين والمنتقدين لها ولعل آخرها إسقاط فشلها الاقتصادي والسياسي على أطراف سياسية بعينها ناسين إن قادتهم يصرحون دائماً بعدم حاجتهم إلى مساعدة أحد وكل من هو خارج الإدارة أو يخالفهم الرأي ليسوا إلا خونة وعملاء حسب وصفهم.
صحيحٌ أن هذه الإدارة فتية ولدت في حالة استثنائية ضمن فوضة ارتبطت بتناقضات وتقاطعات المصالح الدولية والاقليمية وإن أكبر الدول تعاني من أزمات اقتصادية ولكن هذا الأمر لا يبرر فرض النفس بقوة السلاح والتعامل الأمني والدكتاتوري مع كل من يعارض هذه الإدارة؟ فهناك مثل يقول (لو دامت لغيرك ما وصلت يومًا إليك), كان الأجدر بهذه السلطة العمل بجهد والإعتماد على المختصين والخبراء بدل الأميين والموالين لها, في غياب واضح لأي استراتيجية اقتصادية ودعم مشاريع محلية من المفروض أن تقضي إلى إتاحة فرص العمل لآلاف المواطنين وتوفير لقمة خبزهم بكرامة, ناهيك عن فقدان ألية لمحاسبة المسؤولين والمتنفذين داخل هذه السلطة ممن يحتكرون تجارة العديد من المواد الرئيسية, ما تسبب بهجرة معظم التجار ورؤوس الأموال إلى الخارج في ظل فقدان الثقة بين المواطن والسلطة وعدم سن قوانين عملية من شأنها عزل الحياة المدنية وترسيخ مبدأ المساواة بين الجميع, فيمكن لأي شخص قريب من هذه السلطة توجيه تهم الخيانة والنيل من مكتسبات روج افا حسب وصفهم لأي شخص معارض أو بسبب منشور لهُ على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى حديث جانبي في مكان عام ليتم ملاحقته ومحاكمته.
منذ بداية العام الجديد والوضع المعيشي والاقتصادي في كوردستان سوريا في تدهورٍ مستمر, فبالإضافة إلى تجاوز قيمة الدولار الواحد الخمسمئة ليرة سورية, ما تسبب بارتفاع كافة أسعار المواد الغذائية وغيرها بشكل جنوني, فأن بُعد منطقة الجزيرة عن المدن السورية الرئيسية كحلب ودمشق التجاريتان ومدن الساحل المصدر الرئيسي للخضار والفواكه في البلاد وكون عفرين شبه محاصرة, جميعها عوامل تجعل من مناطقنا الأكثر تضرراً اقتصادياً في سوريا, فاليوم وصل سعر كيلو البندورة في مدينة القامشلي إلى أكثر من ألف ليرة سورية وعدم توفرها في الأسواق أصلاً, مقارنة بأسعار مقبولة في باقي المدن السورية, ما يفرض على السلطة الحالية والتي تتحكم بجميع مفاصل الحياة, التدخل كأي حكومة تتعرض لأزمات عديدة, ولكن السؤال هنا, إلى أي درجة تهتم هذه السلطة بتوفير فرص العمل ومتطلبات العيش لسكانها وتوفير أسباب البقاء وعدم فرض الهجرة كخيار وحيد لمواطنيها؟
كحلول عملية وسريعة ما تزال السلطة الحالية قادرة على دعم الزراعة باستراتيجية واضحة وتطويرها من خلال توفير السماد والبذور للمزارعين وزراعة آلاف الكيلومترات من الأراضي المصادرة من قبلها بالخضار وتوفير المياه لها عبرَ الابار والتنسيق مع اقليم كوردستان العراق لفتح المعبر التجاري الوحيد مع غرب كوردستان, ضمن آليات وتفاهمات عملية بين الطرفين والتعامل بمسؤولية مع الأزمات الحالية, , فديمقراطية الجوع لا يريدها أحد, ووطنٌ لا يوفر لقمةَ عيشٍ كريمة لمواطنيهِ لن يُعتبرَ وطناً, والدليل استمرار الهجرة إلى اليوم والتي تقلصت بعد قرار الاتحاد الأوربي بإغلاق حدودها أمام اللاجئين وإلا لأصبحت مدننا عبارة عن ثكنات ومؤسسات عسكرية لا أكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى