آراء

دي مستورا سيراً على خطى النظام و سياسة ( الهدنة ) مع الثوار

فؤاد عليكوا
 
بعد فشل الجولة الثانية من مباحثات جنيف2 بين النظام والمعارضة السورية في شباط 2014م واستقالة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي أدار العالم ظهره للثورة السورية وازداد النظام شراسة ووحشية أكثر من السابق وبدعم قوي من حلفائه الإيرانيين وحزب الله وجماعة أبو الفضل العباس ومارسوا سياسة جديدة بتقطيع أوصال الثوار في العديد من المناطق وفرض الحصار المحكم عليهم ومن ثم تطبيق سياسة التجويع والابتزاز على تلك المناطق مما دفع الأهالي والثوار إلى أكل الحشائش وجيف الحيوانات وتوفي العديد منهم جوعاً كما حصل في ريف دمشق وحمص القديمة وسط تجاهل تام من قبل المجتمع الدولي لنداءات الإغاثة التي كان يطلقها الأهالي باستمرار.
وفي ظل عدم قدرة القيادة السياسية والعسكرية للثورة والمتمثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والمشغولة بخلافاتها الداخلية إلى القيام بأي فعل يخفف معاناة الثوار والأهالي، هذه الحالة دفعت الثوار في تلك المناطق إلى تقبل أسوأ الحلول وهو قبول ما أطلق عليه (الهدنة) وأطلق عليها النظام (المصالحة الوطنية)، وهي في الحقيقة تعبير ملطف لمفردة الاستسلام دون اعتقال يذكر بين الثوار والعودة للحياة الطبيعية مقابل فك الحصار فقط ودون أية مكاسب سياسية، واليوم يأتي المبعوث الدولي ليقتفي أثر هذه (الهدن) التي فرضها النظام بالقوة على المقاتلين وليعطيها مسحة تجميلية واسماً جديداً هو (تجميد الصراع) في مناطق محددة من الجغرافية السورية واختار حلب مختبراً لمشروعه الجديد وتحت غطاء دولي واسع، وإذا ما دققنا بحيثيات المشروع من الناحية العملية والمرتكز على ثلاث نقاط أساسية حسب دي مستورا وهي:
ـ خفض مستوى العنف
ـ إيصال المساعدات الإنسانية
ـ زرع بذور الحل السياسي
فمن الواضح أنها لا تختلف كثيراً عما حصل من (الهدن) بين النظام والثوار في بعض المناطق، وتهدف في النهاية إلى تأهيل النظام سلطوياً وتأهيل الثوار للحياة المدنية تحت كنف النظام مجدداً وبالتالي إنهاء الثورة السورية بطريقة لبقة لكنها بشعة في نفس الوقت.
فالمشروع في جوهره ليس مشروع دي ميستورا كما يروج له وإنما مشروع (مؤسسة الحوار الإنساني) ومقرها جنيف ومعد التقرير هو الصحافي نير روزن المقرب من النظام وصاحب القول الشهير “المعارضة ليست أفضل من النظام أو أن النظام ليس أسوأ من المعارضة” وهذه المنظمة كانت وراء ترتيب الهدن السابقة مع النظام منذ 2013م ولقد أكدت على ذلك السيدة ريم تركماني رئيسة منظمة (المدني) السورية ومقرها لندن، وقالت بأنهم أشرفوا على تنفيذ 35 هدنة بالتنسيق مع مؤسسة الحوار الإنساني.
وأعتقد أن نتائج (الهدن) السابقة واضحة للجميع حيث يتم الآن تأهيل الثوار لقبول الأمر الواقع كما كانوا في السابق قبل الثورة ويؤكد السيد أندرو تابلر الخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والقائل بأن التقرير من وحي (نظام الأسد) وأضيف إليه بالقول بأن التقرير من تخطيط وإعداد المخابرات السورية والإيرانية والروسية ويهدف في النهاية إلى تأهيل النظام وقبوله مجدداً من قبل المجتمع الدولي وعبر المبعوث الدولي مخرج السيناريو دي ميستورا وبغطاء دولي مباشر، ويهدف بالنهاية حسب تصوري إلى إنهاء الثورة السورية بأصابع ناعمة بعد أن فشل الزناد في إخمادها وذلك لعدة اعتبارات منها:
– إن النظام لايزال يتمتع بالحصانة الدولية وبالمركز القانوني الدولي ويدعمه حلفاء إقليميون ودوليون بقوة ويملك القرار السياسي الموحد، يساعده في ذلك مراكز استشارية كبيرة، وله خبرة كبيرة في مجال التفاوض بعكس الثوار الذين يسميهم التقرير بـ(المتمردين) فهم لا يملكون مركز القرار السياسي الموحد خاصة بعد أن أبعد الممثل السياسي الحقيقي عن لعب دور التفاوض والمتمثل بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عن المشهد التفاوضي، وكذلك لا يملكون مركز القرار العسكري الموحد بعد إبعاد المجلس العسكري وهيئة الأركان عن تمثيلهم، وبالتالي فإن المؤامرة تكمن في بعثرة مركز القرار السياسي والعسكري للثوار والتعامل مع كل حالة مناطقية على حدة، إذ لكل منطقة ظروفها ومتطلباتها وبالتالي يختلف التفاوض بشأنها ودون أي تنسيق بينها، وكذلك إبعاد مناطق عن المشروع لمرحلة لاحقة تحت عنوان (تخفيض مستوى العنف) وهذا ما يهدف إليه النظام تحديداً ليتسنى له تجميع قواته وتركيزها على مناطق محددة ترفض مثل هذه المساومات وطبق ذلك عملياً في جبهة المليحة وجوبر بعد أن أمن النظام جانب المعضمية وبرزة وداريا وغيرها من خلال هذه (الهدن)..
– كما أن النظام سوف يعمل خلال هذه الفترة على إحياء شبكته المخابراتية العنكبوتية في تلك المناطق والعمل على ممارسة لعبة الترهيب والترغيب بحق الثوار والأهالي، بحيث يدفع بالأهالي في تلك المناطق إلى التصادم مع الثوار واتهامهم بأنهم سبب هذه (الويلات) التي تعرضوا لها وبذلك يفقد الثوار حاضنتهم الشعبية بشكل كبير مما يضطر في هذه الحالة الكثير من الثوار إلى الارتماء في أحضان القوى المتطرفة أو الاستسلام للأمر الواقع وترك كل شيء وراءه وتسليم أمره للنظام والقدر.
– يعمل النظام خلال هذه الفترة وبطرق شتى على إحياء مستحاثات المعارضة والمدّجنة منذ فترة طويلة وتأهيلها ومن ثم تقديمها كممثلين للمعارضة والتفاوض معهم متهماً الائتلاف بالمعارضة (العميلة) ولا يمكن التفاوض معها، ويبدو أن روسيا مكلفة بمهمة التأهيل هذه إذ بدأت تتحرك في هذا الاتجاه من خلال دعوتها لهم لزيارة موسكو والطلب منهم بدعم مشروع دي ميستورا واعتباره المشروع المنقذ للأمة السورية في ظل تجاهل تام لدور الائتلاف، ومن المؤسف القول إن كل هذه المؤامرة تحدث اليوم بحق الثورة السورية والائتلاف منشغل بخلافاته غير المجدية وغير المنتهية، فهل قدر الشعب السوري وثورته أن يصبح سلعة في سوق النخاسة الإقليمية والدولية؟؟!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى