شريط آخر الأخبارلقاءات وحوارات

د. رضوان باديني: المجلس الوطني الكُردي يلعب دوراً ثانوياً.. ولن يكون له أيّ تأثير على محاور المنطقة الآمنة

Yekiti Media

تمرّ الأزمة السورية في اشدّ مراحلها فمعظم مناطق النزاع ملتهبة ومتوترة متزامنةً مع حراك دولي واسع سواءً في دول الجوار أو في العواصم الدولية التي تحتضن القمم بخصوص سوريا.

أحداث إدلب والمواجهة الملتهبة بين قوى المعارضة والنظام السوري ومن خلفه روسيا, إلى جانب ذلك عودة شرق الفرات والمنطقة الآمنة إلى واجهة الأحداث والاتفاق التركي الأمريكي الذي ما يزال غامضاً يشكّل أسئلة واستفسارات عديدة لدى جميع متتبعي الرأي العام حيث طرحتها يكيتي ميديا على الأكاديمي الكُردي د. رضوان باديني والذي أوضحها كالتالي:

س١- محطات أممية عدة احتضنت اجتماعات بين النظام و المعارضة بخصوص الأزمة السورية ، وبعد ثماني سنوات من عمر الأزمة لم يتمّ إنجاز أيّ تقدم ملحوظ في مسار العملية السياسية.. برأيكم أيّ مستقبلٍ ينتظر السوريين؟

ج1- تعدّدت المحطات الأممية التي رعت جهود حلّ الأزمة السورية، بسبب تعارض سياسات الدول الرئيسية المتدخّلة في الشأن السوري و اصطدام خططها ومحاولاتها مع بعضها البعض. فبعد سلسلة إجتماعات جنيف، والتفاوض وفق رؤى وآليات دولية، شعرت روسيا، صاحبة اليد العليا والأولى المسيطرة سياسياً وعسكرياً، بأنّ الإستمرار في مناقشة قرارات جنيف الأولى صيف 2012، و السلات الأربع كمراحل وإجراءات الحلّ السياسي، سيفقدها دورها في سوريا المستقبل. ولسدّ الطريق أمام المعارضة المتطرفة ووقف تنفيذ القرارات الدولية المتتالية الداعمة لمسيرة الآليات الدولية في حلّ الأزمة، دعت لفتح محطة ثانية “مساعدة” في تقارب الرؤى المتعارضة. ثم بحجة أنّ الوضع العسكري والأمني على الأرض غير مستتبٍ وليس مساعداً في تطبيق وتنفيذ أيّ من الإجراءات العملية للحلّ، طرحت آلية جديدة ممهدة. ومن هنا ظهرت “الحاجة” للقاء آستانا يناير 2017 لمناقشة نظام وقف إطلاق النار وفض النزاع ثم “خفض التصعيد” والمصالحة المرحلية وعودة اللاجئين ألخ… ورغم أنّ الأطراف المجتمعة في آستانا وبالأخص الدول الثلاث الضامنة تركيا إيران وروسيا أعلنت التزامها بالقرارات الدولية السابقة بما فيها 2254 لكنها في الحقيقة تجنّبت العمل بها. طبعاً في النهاية، وحسب هذه المقاربة، استعاد النظام عدد كبير من المناطق الخارجة عن سيطرته، وتقوّت شوكته؛ بينما تقلّصت حدود ونفوذ المعارضة لأبعد درجة. وبذلك تمّ القضاء على البؤر الكبيرة للمعارضة بكلّ أصنافها وتشكيلاتها على الأرض. وهي بالضبط النتائج العملية التي رُسِمت من أجلها سياسة الخطة الروسية في “آستانا”.

طبعاً الأطراف الدولية الأخرى، وبالأخص أمريكا، أما كانت متجاوبة “ضمنياً” في بعض مراحلها وحضرت وفودها آستانا بصفة مراقب، أوغير راغبة في الإصطدام مع روسيا، في المسألة السورية التي اعتبرت منطقة نفوذ روسية. ثم لم تتشجّع أمريكا للتنافس على سوريا مع روسيا لأسباب أخرى، أهمها: فقدانها الثقة بالمعارضة السورية المسلحة، التي أصبحت أغلبها بإطروحات دينية راديكالية؛ وعدم تمثيلها الحقيقي لجميع شرائح وفئات المجتمع السوري…وتفشّي الفساد بصورة فاحشة في صفوفها؛ أدّى ذلك لفتور موقف الدول الأوروبية إزاء المسألة السورية وعدم مداراتها للسياسة الأمريكية في سوريا كذلك إلى فشل المحطات والمحاولات الموازية الأخرى التي ظهرت في فترات مختلفة مثل لقاءات فيينا وبريطانيا وغيرها وغيرها.

بإختصار هذه هي الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تشعّب اهتمامات الأسرة الدولية بالمسألة السورية وتعدد محطاتها وعدم توفّر سند حقيقي من الأسرة الدولية لها لتأمين رعاية هامة لها. وأخيراً برأيي، إنّ ما سينتج في النهاية عن هذه الطريقة من المداولات بين الأطراف الخارجية سوف يكون تعبيراً عن نفوذ دولة ما بعينها في فرض “توافقات” تؤمّن مصلحتها أولاً، وتكون نتيجة “صفقة” لن تظهر فيها معالم جميع “المنخرطين” فيها للمتابعين حالياً.

س٢- يتمّ التركيز في الآونة الآخيرة على منطقة ما تسمّى ( شرق الفرات ) ، وهي تخصّ تركيا أكثر من غيرها نتيجة الحدود الجغرافية الطويلة مع سوريا وايوائها لأكبر عدد من اللاجئين السوريين ، وهناك إعلان حول تفاهم أولي بين أمريكا وتركيا بخصوص المنطقة الآمنة..برأيكم هل أمريكا جادة لإنشاء هذه المنطقة ( الآمنة ) في ظلّ التجاذبات والتناقضات بين مختلف الدول المعنية والمؤثرة بالأزمة السورية؟

ج2: حسب آخر الأخبار والمعلومات والتسريبات التي تظهر في مختلف المنابر وشبكات التواصل الإجتماعي هناك غموض حقيقي يكتنف العديد من فقرات ومفاصل هذا الإتفاق التركي الأمريكي: حجم المنطقة، عمقها، نوعية الإدارة ومهامها..ألخ. لكن هذا لا يمنع رؤية نوايا أطرافها الرئيسية:

فتركيا تسعى لأن تكون المنطقة ساحة لخططها في “دفن الحلم بإنشاء كيان كُردي” مهما كان هزيلاً ومموّهاً بالشعارات الأممية. ويصرّح مسؤولوها الكبار جهاراً نهاراً، وبالأخص الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه “بأننا لن نسمح بتكرار تجربة شمال العراق”!. وبدا الخطاب التركي السياسي واضح وغير مستتر. لا بل أحياناً لا يكتمون نواياهم لفترة ما بعد الإتفاق، حيث أنهم يصرّون بالمضيّ وحدهم لاجتياح المنطقة وتنفيذ ما يجدونه مناسباً من خطط لتأمين” الأمن القومي التركي”! إذا لم تؤدّي مساعيهم مع الأمريكان للنتائج المرجوه. وما تبغيه تركيا من “المنطقة ألآمنة” لا يشكّل لغزاً جديداً للكُرد عموماً، فمثال عفرين يكفي لشرح كلّ ما تخفيه تركيا من نوايا حقيقية.

أما أمريكا، فكما يبدو من تصريحات كبار المسؤولين فهي ما زالت مصرة على حماية الكُرد، وتسعى كذلك لإرضاء حليفتها التاريخية القديمة في الناتو بالشكل الذي يمنعها لإجراء استدارة تامة نحو روسيا. كيف ستحافظ على التوازن بين الجهتين المعاديتين لبعضهما البعض؟ وهل ستتخلّى في النهاية عن حليفتها “قوات سوريا الديمقراطية”- الحلقة الأضعف، نتيجة هذا الضغط العسكري والسياسي والإقتصادي الهائل؟ هذا ما يتوجّس منه غالبية الأطراف الكُردية.

س٣- المجلس الوطني الكُردي بصفته ممثلاً للكُرد السوريين في المحافل الدولية وجزء من ائتلاف المعارضة السورية…ما هو الدور المطلوب من المجلس للتفاعل مع هذا التفاهم ( الأمريكي -التركي ) ليكون للكُرد دور مهم من حيث الإدارة والحماية في هذه الجغرافيا التي تمسّ كُردستان سوريا مباشرة .

ج3- للأسف الشديد أداء المجلس الوطني الكُردي في التمثيل السياسي والدبلوماسي ضعيف جداً. فلم يستطع المجلس حتى الآن، رغم احتضانه لأحزاب ذات تاريخ ووزن جماهيري واجتماعي، لم يستطع تشكيل منصة كُردية خاصةـ وهو ما زال يلعب دوراً ثانوياً، ملحقاً. ولم يشارك في الفعاليات الدولية كقوة فاعلة مستقلة.. الأغلبية العظمى من نشاطاته ولقاءاته مع أطراف معنية ومهتمة بالمسألة السورية على الساحة الدولية ضمن وفود الإئتلاف، الذي يحدّد جدول عمل اللقاءات حسب رؤيته للأولويات، ولا يهتم بالأجندة الكُردية.

حالياً، وبهذه العزيمة الفاترة، أستبعد كلياً إمكانية تأثير المجلس على أي محورٍ من محاور المنطقة الآمنة أو أية مرحلة من مراحلها القادمة. اللهم إذا قلبَ الطاولة بقوةٍ على المتنفذين الداخلين والخارجيين وذلك في سلسلة من النشاطات الهامة وتغطيتها إعلامياً بنجاح، للإعلان عن ذاته وخطه السياسي وعزمه في تبوء مكانته في الساحة. لكن بهذه الصورة النمطية المترهلة لن يحصل على أي حصة في “المنطقة الآمنة”، وبالأخص حسب السيناريو التركي، وإذا حاولت تركيا استغلال عدائه لـ(ب.ي.د) وزجّه في مرحلة ما أو جزء من العملية فسيكون لتأليب القوى الكُردية ضد بعضها البعض. مرة أخرى مثال عفرين أمام أعيننا!

برأيي الشخصي، يجب على المجلس تبنّي سياسة جديدة سريعة وفعالة، تقتضيها الساعة والظروف الملحة والحاسمة: أن يجتاح بدون أي مراوغة ومماطلة الساحة العملية، ولا يستأذن السماح من أحد. وأن يقتحم الساحة بقوة ووفق خطة نوعية متكاملة، متنوعة الخطوات والمراحل (يمكننا الحديث عنها في ظرف آخر)، وأن يعلن للملأ ما يطالب به للكُرد في سوريا. وأن يعمل من خلال لجنة عملياتية إسعافية دائمة الإنعقاد، سياسية عسكرية لتعديل قواعد اللعبة من الداخل. وأخيراً: إذا لم يكن اليوم فمتى؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى