رئيس مـركز حـرمون للدراسات المعاصرة في حـوار خاص مـع يكيتي ميديا
Yekiti Media
حوار مع الأستاذ سمير سعيفان.. باحث سوري، ومدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة .
يعتبر مركز حرمون للدراسات المعاصرة مؤسسة رائدة في مجالات قضايا الفكر والسياسة والإستراتيجيات وتضمّ نخبةً من القامات الوطنية التي تملك إرثاً وتاريخاً مشرقاً لتناول القضايا الوطنية وصولا” لتأسيس ثقافة الحوار والبيئة الملائمة للتفاعل مع الفعاليات والنخب السورية…فكان هذا الحوار مع مدير مركز حرمون الأستاذ سمير سعيفان .
أوباما وإدارته أخذا قرارا بمنع سقوط النظام عسكريا”، ومنع هزيمة المعارضة .
س1- مع مرور عقدٍ على الأزمة السورية ، لا زالت هوة الصراع على مناطق النفوذ بين الدول المؤثّرة تتّسع ، ومعها تشتّت قوى المعارضة عبر تنوّع منصاتها ؟ وباتت عناوين بارزة للمشهد السوري…برأيكم لماذا طال أمد الأزمة ؟ وهل كان لمرتكزات النظام خاصةً الخارجية منها الدور الحاسم في إدارة الأزمة ؟ ومن ثم إطالتها ؟
جواب 1: هذا سؤال يحتاج لصفحاتٍ كثيرة لأنّ عوامل كثيرة تداخلت فأطالت أمد الصراع، مما أدّى لاتّساع الدمار المادي والمجتمعي، إلى حدود غير مسبوقة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأختصر هذه الأسباب بستة:
أولها: موقف جبهة النظام وإيران وروسيا، وجوهره رفض أيّ تغييرٍ أو إصلاح أو تلبية أيّ مطلبٍ من مطالب ملايين السوريين الذين تظاهروا سلمياً مطالبين بالتغيير، الأمر الذي كان سيحفظ سوريا وشعبها. وكانت استراتيجية هذه الجبهة منذ اليوم الأول: “كلّ شيء أو لا شيء”، ومهما كان حجم القتل والدمار المادي والمجتمعي، فقد ترجمت هذه الاستراتيجية ب “الحل الأمني” وشعار “الأسد او نحرق البلد”، ولكلّ من إيران وروسيا أهدافها التي يضيق المجال عن التوسع فيها. ولكن هذه الاستراتيجية حوّلت الصراع من صراعٍ يدار بوسائل سلمية (تظاهرات ومفاوضات) إلى حربٍ مفتوحة بالسلاح، يباح بها كلّ شيء.
ثانيها: التشرذم العسكري والسياسي للمعارضة، والفصل بين السياسي والعسكري، وافتقاد المعارضة للقيادة الموحّدة، مما أضعفها وشتّت جهودها وخلق قناعةً لدى الولايات المتحدة ولدى الأوروبيين ولدى داعمي المعارضة أنفسهم، رغم أنهم كانوا رعاة هذا التشرذم، بعدم قدرة المعارضة على إدارة سورية في حال سقط النظام، وأنّ سقوط النظام سيحوّل سورية إلى ساحةٍ للفوضى كما حصل في ليبيا، ولكن هذه المرة على حدود إسرائيل . وقد أرسل النظام رسالة واضحة إلى إسرائيل خلال الشهور الأولى من قيام الانتفاضة، حين نظّم ، بالتعاون مع منظمات فلسطينية، اندفاع آلاف السوريين نحو جبهة الجولان التي أبقاها مغلقةً بوجه أيّ فعلٍ مقاوم للاحتلال، ومحروسة بعنايةٍ منذ حزيران 1967، كي يقول لإسرائيل: هذا ما سيحصل في حال سقوط النظام، ولم تكن إسرائيل بحاجةٍ لهذه الرسالة أصلاً فهي تتابع دائماً ودون انقطاعٍ ما يجري داخل سورية. وتعود أول أسباب هذا التشرذم إلى عدم وجود أجسام سياسية قوية في سوريا بعد نصف قرنٍ من سلطة البعث التي حرصت على تدمير قوى المجتمع السوري كي تبقى مسيطرة عليه فلا تقوم له قائمة، لذا لم يكن نهوض الشعب السوري في آذار 2011 منظّماً، بل قام كانتفاضةٍ عفوية، وقد عمل النظام بوسائله على أن تبقى قوى المعارضة مشرذمة، وثانيها: خلافات في توجهات الداعمين بين إسلامية من جهةٍ وخوف من الإسلام السياسي من جهة أخرى، وتنافسهم على السيطرة على المعارضة السورية عسكرياً وسياسياً، بل حرص كلّ داعمٍ من الداعمين على إبقاء فصائل المعارضة التي يدعمها مشرذمةً فلا يجمعها في جيشٍ كبير واحد كي يسهل السيطرة عليه، وقد رفض جميعهم فكرة إقامة جيش وطني معارض موحّد ومنظّم وفق قواعد عسكرية، إضافةً إلى إبعاد الضباط المنشقين وعددهم بالآلاف، ووضعهم في معسكرات بما يشبه الحجر، بينما تمّ تنصيب قياداتٍ للفصائل المسلحة التي بلغ عددها المئات تفتقد للكفاءة والخبرة العسكرية والسياسية. ويقع تحت عنوان التشرذم موقف القوى الكُردية التي جعلت لذاتها وضعاً تنظيمياً خاصاًا مستقلًا، وقدّمت أهداف قومية على أهداف الثورة السورية، وجعلت تنظيمها المستقل تعبيراً عن الموقف من مستقبل سورية، بالتطلّع لإقامة حكمٍ ذاتي وفق النموذج العراقي بعد أن صعدت مطالبها السابقة لقيام الانتفاضة، مستغلة قيامها، من مطالب تتعلّق بحفظ ثقافتهم والتعبير عنها باستخدام لغتهم في الإعلام واصدار الكتب وفي التعليم وأن يكون لهم أنديتهم وجمعياتهم، ضمن وحدة الدولة السورية، والتي كانت ومازالت تلقى دعماً واسعاً من قوى المجتمع السوري. أما حزب البي واي دي فهو أداة بيد النظام وحليفه ومهمته ضبط الشارع الكُردي وفصله عن مسار الثورة السورية ومنعه من المشاركة، وقد حصل على الدعم المالي والعسكري الكافي من النظام وقد نجح في هذه المهمة، وخاصةً بعد الدعم الأمريكي بعد أن عرف كيف يلعب على عامل “محاربة داعش” الأمر الذي لم تحسن المعارضة لعبه.
ثالثها: إن أوباما وإدارته أخذت قراراً بمنع سقوط النظام عسكرياً، ومنع هزيمة المعارضة، وكان هذا القرار مدفوعاً بأربعة عوامل هي:
1- عدم إمكانية تجاهل انتفاضة شعبية شارك بها ملايين على مدى شهور عديدة شملت كافة التراب السوري،
2- استرضاء إيران كي توقّع الاتفاق النووي والذي أبرم سنة 2015 واعتبره أوباما الإنجاز الرئيس في عهده في السياسة الخارجية،
3- عدم قناعته بقدرة المعارضة السورية المشرذمة على قيادة سورية في حال سقوط النظام، وخاصةً بعد تزايد أسلمتها بعد 2012،
4- النتائج السلبية لإسقاط القذافي عسكرياً، فلم تتحوّل ليبيا إلى دولةٍ مستقرة يسودها نظام ديمقراطي، بل تزايد فيها عدد الفصائل المتصارعة فيما بينها على النفوذ والسلطة والثروة، وتزايد نفوذ قوى إسلامية متطرّفة فيها، والتي قامت بقتل السفير الأمريكي في أيلول 2012.
رابعها: التمذهب والتطييف: فقد اعتقدت بعض القوى العربية والإقليمية أنّ الربيع العربي سيكون ربيعاً إسلامياً، وهذا ما رغبته إيران أيضاً في البداية قبل قيام الانتفاضة السورية، وساهم النظام وأفعاله الاستفزازية المدروسة من جهة، ودعم قوى اجتماعية وسياسية إسلامية عربية وإقليمية بتعزيز التوجه الإسلامي في الانتفاضة السورية مبتعدةً تدريجياً عن مسارها المدني الديمقراطي، مما خلق الخوف لدى بعض داعميها أنفسهم من جهة، ولدى غالبية الشعب السوري، فاتخذوا موقفأً حذراً أو معادياً للانتفاضة وعاد بعضهم إلى دعم النظام. أما بعد بروز النصرة وداعش فقد اتّسع الخوف محليأ وعالمياً من الانتفاضة التي فشلت في مخاطبة الداخل والخارج وتقديم صورةٍ مقنعة لها، مما صبّ الماء في طواحين النظام، فعادت للدوران بعد أن كادت أن تتوقّف.
خامسها: موقف إسرائيل التي خشيت من سقوط النظام ومن البديل القادم، وقد لعبت دوراً كبيراً، بما لها من نفوذ على الإدارة الأمريكية، في دفع الإدارة الأمريكية السابقة والحالية إلى رسم هذه السياسة، لا هزيمة ولا نصر لأيّ طرفٍ ، مما أدّى لإطالة أمد الصراع وحدوث هذا الدمار العظيم المادي والمجتمعي
سادسها: من جهةٍ أخرى يبدو أنّ الولايات المتحدة قد رأت أنّ سوريا يمكن أن تكون “مصيدة أمريكية” لإيران وروسيا لجذبهما كي تغرقا في “الوحل السوري”. وفي الواقع هذا ما يحصل حتى الآن.
لابد من فصل الدين عن السياسة والدولة ، وأن يدار بنظام يجمع بين المركزية واللامركزية الإدارية بما يمنحها سلطات واسعة لإدارة شؤون المنطقة .
س2- في ظلّ المخاوف الكبيرة التي تعيشها مختلف المكونات القومية و الدينية في سوريا على خلفية السياسات التي اتبعها النظام… أيّ شكلٍ للدولة في سوريا المستقبل ترونه مناسباً لطرد الشعور بالاغتراب لدى تلك المكونات؟.
جواب 2: قبل كلّ شيء تحتاج سوريا إلى الانتقال من نظام سياسي شمولي مستبد استحقّ التغيير قبل 2011 بسنواتٍ كثيرة، فكيف بعد كلّ هذا الدمار بعد 2011. سوريا تحتاج لنظامٍ ديمقراطي عصري يقوم على تداول السلطة وفق صناديق الاقتراع حيث تسود حريات التعبير والتنظيم وسيادة القانون والمجتمع المدني القوي وقيم المواطنة المتساوية وفصل الدين عن السياسة والدولة. وأن يدار بنظام يجمع بين المركزية واللا مركزية الإدارية بما يمنح السلطات المحلية المنتخبة ديمقراطياً سلطات واسعة بإدارة شؤون المنطقة، فأهلها أدرى بأحوالها، وهناك تجارب عديدة في العالم، وسيجد السوريون طريقهم وخط سيرهم الصحيح عبر التجريب والتصحيح حين تستعاد حريتهم المصادرة من نظامٍ استبدّ بسوريا منذ آذار 1963. وأودّ القول صراحةً أنه لا مستقبل لأيّ نزعاتٍ انفصالية معلنة أو مضمرة، فواقع الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السياسية والديمغرافيا لا تفتح الباب أمام أية أوهامٍ بقيام كيان سياسي مستقل أو شبه مستقل بانتظار الاستقلال على أيّ جزءٍ من الأرض السورية. وأنّ أية أوهامٍ بذلك لن تجلب سوى الضرر لأصحابها أنفسهم قبل غيرهم.
التعامل المتساوي والعادل يعزز العقلانية وروح التواصل ، ويعزز الشعور بالوحدة
س3- كيف تقيمون عمل الأحزاب و التيارات السياسية السورية في مرحلة الثورة السورية القائمة.
الجواب 3: كانت تجربة سلبية جداً مليئة بالأخطاء والفشل، والسبب الرئيس لكلّ هذا هو التشرذم والتشتت، وليس سوء الأشخاص هو السبب الرئيس، فالجسم الموحّد الكبير للقوى السياسية يجبر الشخصيات القيادية على العمل المنظّم والمنضبط والمراقب. والدرس الأهم الذي نستخلصه من الماضي هو الحاجة الماسة لقيام عددٍ من الأحزاب السورية القوية وربما ثلاثية، يسار ويمين ووسط، كما هو تقسيم أي مجتمعٍ ، وأن تكون أحزاب جامعة للسوريين بكافة أديانهم ومذاهبهم بمن فيهم غير المتدينين والملحدين، وهم يتكاثرون ويجهرون بآرائهم اليوم، إنّ تجمّع السوريين بكافة أثنياتهم وقومياتهم ومناطقهم، وأرى أنّ قيام أحزاب إقصائية خاصة بدينٍ محدّد أو قومية محدّدة أو منطقة محدّدة يتعارض مع وحدة سورية ويشتّت جهود شعبها، ويتعارض مع طبيعة العصر. وأنا اعلم أنّ التمييز والاضطهاد والإقصاء يدفع الشعور الذاتي المتعصّب نحو الأعلى، بينما التعامل المتساوي والعادل يعزّز العقلانية وروح التواصل ويعزّز الشعور بالوحدة.
أمريكا هي اللاعب الرئيسي في الأزمة السورية .
سؤال : 4 – كيف ترى سيناريوهات تطور الأوضاع في سوريا اليوم؟
جواب 4: اعتقد أنّ هذا يتوقّف على موقف الإدارة الأمريكية، فهم اللاعب الرئيس في الأزمة السورية. فإذا كانت قد نضجت القناعة لدى هذه الإدارة بأنه حان وقت الحل في سوريا، فلديهم ما يكفي من الأدوات للضغط على الروس وإغرائهم للقبول بحلٍّ يقوم على قرار مجلس الأمن 2254، وتحقيق انتقال سياسي بدون النظام ورأسه، وتحقيق انتقال منظّم للسلطة إلى سلطة جديدة يشارك بها أطراف من المجتمع أولًأ ثم من المعارضة والنظام، وسيتضمّن ذلك خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا دون استثناء، مع حفظ مصالح روسيا في سوريا.
أما إذا كانت غاية الإدارة الأمريكية إغراق روسيا وايران أكثر في الوحل السوري، فستعرقل أيّ حلٍّ وستحتفظ بالقوات الأمريكية وغير الأمريكية في مناطق شرق الفرات، وستدعم بقاء تركيا في مناطق تواجدها في الشمال السوري، وستدعم الجنوب السوري كي يبقى على وضعه الحالي بسيطرةٍ غير كاملة للنظام، وستبقى العقوبات وقانون سيزر مع الفيتو على تمويل إعادة الإعمار، وسيبقى الدمار والتهجير إلى أجلٍ غير مسمّى.
وأخشى أن تمنح الإدارة الأمريكية الخيار الثاني الأولوية على خيار الانتقال السياسي وكأنّ كلّ ما حصل من دمارٍ لم يشبعها،
وبما أنّ الإدارة الأمريكية تضمّ إرادات مختلفة ذات تأثير تشمل البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون و السي آي اي واللوبي الصهيوني وقطاعات المال والإعلام، تبقى المبادرة الضرورية أمام شخصيات بارزة من المعارضة السورية، بأن تنظّم جهدها وتتوجّه بعملٍ منظّمٍ وأن تبادر لصوغ أفكارٍ لحلولٍ مركبة متكاملة للتأثير في قرار هذه الإدارة ودفعها للعمل على حلٍّ سياسي وفق طرائق التأثير المعروفة، ويمكنها الاستعانة بتأثير دول أوروبية وعربية وإقليمية لها مصلحة في حلٍّ سياسي حقيقي في سوريا.
والشعب السوري ينتظر