آراء

رسالة للعرب حول القضيّة الكُرديّة

د . كمال اللبواني 

 

لم أشعر أنّه من المفيد أو المجدي إجراء حوارٍ أيديولوجي بين العرب والكُرد أو غيرهم، نظراً لأنّ مثل ذلك ينتهي عادةً بشجارٍ ، فالأيديولوجيا هي شيء عصبوي حماسي، وليست خطاباً عقلانياً موضوعياً، قوّتها في تطرّفها وعاطفيتها كجامعة تنظيمية عقيدية، فكل أمّ ترى ابنها أجمل ولدٍ ، وكلّ أمّةٍ ترى تاريخها أفضل تاريخٍ ، وأنّها مهد الحضارة وسيدة المنطقة، ولن يؤدّي أيّ حوارٍ حول تلك المسائل إلا للتناقض والصراع.

القضيّة الكُردية

المشكلة الأساسيّة التي ولدت القضية الكُردية سببها عاملان: اتفاقيّة سايكس بيكو، التي رسمت دولاً مصطنَعة لا تعبّر عن تكوّنٍ طبيعي تاريخي، حرمت الكُرد كلياً من دولة، والعامل الثاني قيام دول قومانية شوفينية عربية وتركمانية وفارسية، تعمّدت اضطهاد الكُرد و حاولت إلغاءهم، فتولّد عندهم ردّة فعلٍ قومانية متطرّفة أخرى وصلت حدّ ممارسة العنف، وأصبح حلّ القضية الكُردية يتطلّب تقسيم المنطقة إلى أربع دولٍ ، وهذا ما يستغلّه المستعمر لإثارة نزاعات داخلية فيها والإفادة منها، مما رفع سوية الاتهام للكُرد، وبرّر العنف ضدّهم لاعتمادهم على الأجنبي المستعمر والمحتلّ، مع أنّه هو من خلق المشكلة ليستغلّها فيما بعد.

 

قامت النظم القومانية الشوفينية بتأسيس نظمٍ استبدادية ومارست التعصب والاضطهاد على الجميع، لكنها أضافت اضطهاداً قومياً على الكُرد، فقد حاولت إلغاء وجودهم وطمس هويتهم بالقمع، فولّد تراكم الاضطهاد الطويل تعصباً مضاداً. وبالرغم من تعاون ثلاث قوميات ضدّهم، لم يشعر الكُرد بالضعف، بل قاوموا، فطبيعة ثقافتهم تعتمد على البداوة والجبال، وهذه مشابهة للثقافة التركمانية، وهي ما تعطيها جذوتها وتصلّبها، بينما الثقافة الفارسية والعربية فهي بدوية أيضاً، لكنّ صحراوية مطعّمة بطابعٍ متمدّن وهو ما يعطيها تلوّنها وتوريتها.

 

رسم حدود جغرافية فاصلة بين المكونات القومية، أمر في غاية الصعوبة، بسبب الانزياحات السكانيّة والاختلاط وطبيعة الشعوب البدوية، فأيّّ عملية تقسيمٍ جغرافي ستعني حروباً على كلّ مترٍ ، وجرائم تهجيرٍ و تطهيرٍ في كلّ مكان، وادّعاء حقٍّ تاريخي في الأرض، هو مبدأ ينتهي بحربٍ لا تتوقّف، فالأرض لله يورّثها لعباده مَنْ يشاء، وكلّ من ولِد أو عاش على أرضٍ هي وطنه. فالحلّّ الفيدرالي داخل كلّ دولةٍ لن يكون ممكناً، كما أنّه لا يحلّّ القضية الكُردية، التي بقيت ممزّقة لكياناتٍ أصغر من دولةٍ محكومة بنظم إقطاعيّة وقبلية متصارعة.

 

لا يمكن حلّ القضية الكُردية إلا سلمياً وبالتدريج، عبر مسار مكوّن من عنصرين: الأول، هو تطوير وانضاج نظم ديموقراطية تحترم حقوق الانسان، وتعترف بالحقوق الثقافية للجميع في دول المنطقة كلها، وثانياً، مسار تعاوني اتّحادي بين دول المنطقة يلغي تدريجياً حدود سايكس بيكو، ويعيد للمنطقة طبيعتها الاتحادية بين مكوّناتٍ متنوعة تجمعها الأرض والمصالح والتاريخ والديانات، وهذا يتماشى مع عصر العولمة الذي وضع نهايةٍ لعصر القوميات، فالحلّ يسير مع التاريخ وليس بعكسه، أي مع التقدّم نحو الديموقراطية، واحترام الحقوق بالتنوّع، ونحو المجتمع المدني، ومع الانفتاح الاقتصادي والتبادل والتعاون مع الجوار. فالفيدرالية التي طرحها الكُرد كشرطٍ للديموقراطية، يجب أن تكون نتيجة لها، والمطلوب تبديل الأولويات فقط، وتعميم الحلّ ليشمل المنطقة كلها وعدم تخصيصه في كلّ دولةٍ على حدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى