رسالة والدة معتقل في سجون النظام بعــد 6 سنوات من اختفائه
Yekiti Media
رسالة أمي إلى ابنها المعتقل نزار حسين بعد غياب ستة أعوامٍ وفي هذا التاريخ 15/9/2012 قرابة الساعة الثالثة و الربع من عصر ذلك اليوم ومن على حاجز نسرين في حي التضامن بدمشق اعتُقل و غُيِّبَ حتى اللحظة ولا زال البحث عنه جارٍ :
ولدي نزار.. أنا عاتبة عليك كثيراً
إن كنت قد غبت عني طوال هذه السنوات الستة فلماذا لم تعدْ تزورني في الحُلم إلا وأنت تتألم، أين تخفي تلك الضحِكات التي كنت تُطلقها كلَّما دخلتَ إلى البيت؟
كنتَ قد وعدتني أنت وأخوك بأن تعوضانني عما لاقيته في حياتي من حرمانٍ بعد أن رحل عنا والدكما باكراً، تُوفِّي وأنا شابة صغيرة، وترك لي أربعة أطفال صغار: ولدان وبنتان.
ذقت الأمرَّين حتى كبرتم وتزوجتم، كم كانت فرحتي عظيمة وأنا أجد ثمار تعبي قد أينعت، وكنت قد بدأت ألقي حمل السنين عليكما وأنا سعيدة بكم جميعاً.
ولكن فجأة غبت، وكان ذلك مساء الخامس عشر من أيلول سنة 2012 ، وحين سألت عن سبب تأخُّرك غير المعتاد عن البيت، لم أتلقَّ رداً، قيل لي إنه في زيارة لصديقٍ مريضٍ، وحين تأخر الوقت كثيراً، وانتصف الليل، سمعتهم يتهامسون في المطبخ: نزار اُعتِقل، اعتقله حاجز أمني وهو عائد إلى بيته الكائن في حي ركن الدين بدمشق.
أطلقت صرخة فزعٍ وانطلقت نحو الشارع دون أن أعرف إلى أين أتجه، إلى أي حاجز وأي سجن؟ وبالكاد أعادوني إلى البيت، أخوك وزوجتك وهما يبكيان، لم أنمْ تلك الليلة، كنت أنتظر عودتك بين لحظةٍ وأخرى، مضى ذلك اليوم ثقيلاً وبطيئاً ولم تأتِ، وتلاه يوم آخر وأسبوع وشهر وسنة.. مضت ست سنوات وأنا جالسة أمام الباب، وقرب النافذة، أنتظر عودتك، أو من يحمل بشرى إطلاق سراحك، ولكن بلا فائدة، ما من مرةٍ رنَّ فيها جرس الباب إلا وكنت أنا أول من يهرع لفتح الباب، وفي الطريق إلى الباب أتخيَّل أن أجدك واقفاً أمامي تبتسم وتناديني :دلالي أنا جائع. وكم من مرةٍ سألت مراقب العداد الكهربائي عنك، ظناً مني أنه رسول من الحكومة، فلم يكن يَرّد سوى بنظرة شفقةٍ أو سخريةٍ، ست سنواتٍ كاملة وأنت غائب عن أمك، حتى أخبارك انقطعت عني، لا حس ولا خبر: ماذا تأكل؟
كيف تنام؟
هل أنت بردان أم جوعان، وهل تستحم كل يوم كما كنت تفعل قبل غيابك الطويل؟
الدواء الذي كنت تتناوله ولم تتمه مازلت أحتفظ به لحين عودتك. أما زلت تشكو من تلك الأوجاع؟
اشتقت لضحكاتك التي كنت تطلقها ممازحاً إياي، لا صوت يتردَّد في أذني سوى صوتك وأنت تناديني حين تدخل البيت: دلالي. أمي الغالية. في صحوي وفي منامي.
يا ويلي. سمعت من يقول إنهم يضربون المساجين بعنفٍ ، ولا يهتمُّون لأمر من يشكو مرضاً أو يشعر بجوعٍ. هل هذا يحدث لك أيضاًً؟ وأنت الذي لم يحدث أن ضربك أحد من قبل، حتى في صغرك لم تمسسك كفي، إذ كيف أضربك وأنت الولد المؤدب والخجول. والابن الحنون؟
سأدعو على الكفِّ التي تمسُّك بالكسر، ولابدّ أن يستجيب الله لدعاء أرملةٍ وأمٍّ مفجوعةٍ.
أولادك الأربعة لا يملُّون انتظارك يا ولدي، يجلسون معي أمام باب الدار كلَّ يومٍ، ويتسابقون في طرح التوقعات: من أية جهة سيأتي بابا؟ من هذه الجهة، لا من تلك.. وماذا سيحمل لنا من فاكهة أو طعام: بسكويت أم تفاح أم.. وأنا أجاريهم، اشترك معهم وأحزر ، وفي آخر النهار ندخل إلى البيت خائبين منكسرين. لنكرِّر ذلك في اليوم التالي. وهكذا.
ابنك البكر شيرو يواظب بالمدرسة على دراسته، وهو الآن طالب في الصف الثالث الاعدادي ، حين يسأله أحدهم ماذا ستدرس في المستقبل يا شيرو؟
يرد: المحاماة، كي أدافع عن بابا، وكذلك عن زوجيَّ عمتيَّ. نعم، لقد تم اعتقال زوجيّ أختيك اللذين غابا هما أيضاً وتركا كمشة أولاد في ذمة أختيك: جيان وروشن، وجبلاً من الحزن في قلبي.
ولدي الحبيب، لم أعد أحتمل غيابك أكثر، قل لسجانك إنَّ أمي بانتظاري، قل ذلك ولا تخجل، إلى متى ستبقى تخجل مثل الفتيات، قل أنا أحبُّ أمي، وأعلم أن طول غيابي سيُعجل في دنو أجلها. وإنَّ أولادي في الشارع بانتظاري، وأخشى أن ينسوا شكلي، ينسوا والدهم، فإذا لم أعدْ إليهم قريباً فإننا سنفقد بعضنا بعضاً إلى الأبد.
قل لسجانك أمي تريد عنوانك، ستزور أمك، لو كنت أعرف عنوان أم هذا السجان لذهبت إليها واستعنت بقلبها على ولدها. وأرجو ألا يكون هذا السجان ولداً عاقاً.
أمك المشتاقة لك كثيراً
زبيدة الحسين 15/9/2018