آراء

رفع العقوبات عن سوريا: تحديات داخلية وخارجية في طريق التعافي والإعمار

المحامي : أكرم شمو

عقب التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن نيته رفع العقوبات عن سوريا، لاقى ذلك ارتياحاً واسعاً في الأوساط السورية، وترافق ذلك مع خروج احتفالات جماهيرية في عدد من المدن السورية، حيث اعتبر العديد أنّ هذه الخطوة قد تفتح الآفاق أمام مرحلة جديدة من التعافي والإعمار،

إلا أنّ هذا التفاؤل يظلّ مشروطاً بعددٍ من التحديات الداخلية والخارجية التي يجب التغلب عليها، وبالخصوص في إطار الشروط المعقدة التي سترافق عملية رفع العقوبات.

بالإضافة إلى الدور المحوري الذي لعبته المملكة العربية السعودية في حثّ الإدارة الأمريكية على إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا، ساهمت دول إقليمية أخرى مثل الإمارات وقطر والأردن وتركيا في دعم هذا التوجه.

هذه الجهود الدبلوماسية تأتي ضمن إطار مساعي مشتركة لإستعادة الاستقرار في سوريا ، وإعادة دمجها في محيطها العربي والدولي، بما يهيئ الأرضية اللازمة لإعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي والأمني.

مع ذلك، فإنّ رفع العقوبات يشكّل خطوة أولى في مسار طويل من التحديات. فالمجتمع الدولي لن يتوانى عن فرض شروطه لتفعيل هذا القرار، ولن يكون الطريق ممهّداً إلا إذا تمّ التعامل مع قضايا داخلية متعددة، تتراوح بين الاعتراف بالتعددية الثقافية والقومية في سوريا، وهذا يتطلّب إعادة النظر بالإعلان الدستوري ذي اللون والتوجه الواحد، إلى تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي، مروراً بمسائل العدالة الانتقالية.

إنّ من أبرز التحديات الداخلية التي يجب معالجتها هي الإعتراف بالتعددية والتنوع الثقافي والديني والقومي، فمن الضروري أن تعترف الحكومة السورية بأنّ الشعب السوري ليس مجتمعاً متجانساً، بل هو مكوّن من العديد من الطوائف الدينية والمجموعات الإثنية، ويجب قبول هذا الواقع دون فرض لونٍ واحد أو إنكار حقوق الأقليات والطوائف.

ويجب أن يتفهّم الجميع أنّ “المواطنة” لا تعني مجرد المساواة في الحقوق المدنية، بل تستلزم احترام التنوع الثقافي والديني والطائفي الذي يشكّّل جزءاً أصيلاً من الهوية السورية.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاوز المسائل الأمنية التي ما زالت تعرقل استقرار البلاد. فوجود تجاوزات وتهديدات طائفية، كما حدث مع عددٍ من الطلاب (الدروز) من محافظة السويداء الذين اضطرّوا لترك جامعاتهم تحت وطأة الضغط والترهيب ، إضافةً إلى ما جرى في مناطق كجرمانا وصحنايا، وأحداث دامية أخرى شهدتها مناطق الساحل ضد (العلويين)، يسلّط الضوء على العجز المستمر للأجهزة الأمنية عن ضبط الأوضاع ومنع الانتهاكات، ويؤكّد الحاجة إلى معالجة جذرية تعيد الثقة بالمؤسسات وتحمي السلم الأهلي.

إلى جانب ذلك، يعدّ تطبيق العدالة الانتقالية أمراً أساسياً لضمان استقرار سوريا على المدى الطويل. فإلى جانب محاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت خلال الشهور الماضية، يجب العمل على طيّّ صفحة الماضي من خلال المصالحة الوطنية، والتأكيد على العدالة بدلاً من الانتقام.

هذا سيخلق بيئة مواتية لإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري.

من جهة أخرى، إنّ رفع العقوبات مقدمة لخلق أجواء مستقرة وآمنة تسمح بعودة الاستثمارات الخارجية ورؤوس الأموال التي تحتاجها سوريا لإعادة بناء اقتصادها المدمّر، كما يدفع بالملايين من السوريين إلى العودة إلى وطنهم ومناطقهم. فتوفير بيئة آمنة ومهيّأة لعمل الشركات الدولية، وإزالة الحواجز التي فرضتها العقوبات، سيسهم في تدفق الأموال اللازمة لإعادة الإعمار. وبالتالي، فإنّ رفع العقوبات يعدّ خطوة أساسية، لكنها ليست كافية لوحدها، بل يجب أن تترافق مع إجراءات داخلية واضحة تدلّ على أنّ سوريا مستعدة لاستقبال هذا الانفتاح الاقتصادي.

في الختام، بينما تبقى تصريحات الرئيس ترامب خطوة إيجابية نحو رفع العقوبات، فإنّ الطريق أمام سوريا لا يزال طويلاً ومعقداً. فرفع العقوبات لا يعني نهاية التحديات، بل بداية مرحلة جديدة من المسؤوليات.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “332”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى