روسيا وتركيا ومجموعة الإلبى النائمة Elbe Group
جان كورد
جيش الدولة التركية العضو في حلف النيتو يسقط طائرة روسية في وقتٍ عصيب، يمر فيه العالم بأسره، ولا أحد يهتم بالحدث الخطير بشكلٍ جاد… فأين هو صدى الهاتف الأحمر من زمن أفلام الجاسوسية، الذي يربط بين الرئيسين في كلٍ من موسكو وواشنطن، وأين هي جهود مجموعة الالبى التي كانت ساهرة على الدوام لاستمرار التواصل العسكري – الاستخباراتي على أرفع المستويات بين القوتين العسكريتين، روسيا والعالم الحر الديموقراطي؟ في حالات الشجارات السياسية بين البلدين، فهل هي نائمة هذه المجموعة التي لم تنفك تعتبر نفسها صمام الأمان الضروري عندما تدخل السياسة في نفقٍ مظلم، وكانت قد وضعت منذ نشوئها قائمة طويلة (50-100) من نقطة للتواصل مانعة لأي صدام حربي بين القوتين العظيمتين المالكتين لمختلف أنواع وأشد الأسلحة التدميرية فتكاً في تاريخ البشرية، ومنها السلاح النووي، رغم الأزمات السياسية الكبرى؟
على أثر الحرب العالمية الثانية مباشرة، التقى جنرالات روس وأمريكان في عام 1945 على جسر نهر الإلبى بالقرب من تورغاو في ألمانيا المنهزمة المدمرة، وذلك لتبادل الأفكار والخبرات بهدف التعامل مع الأوضاع الناجمة عن هزيمة الجيوش النازية وانهيار الرايخ الثالث، وتقسيم ألمانيا المغلوب شعبها على أمره إلى مقاطعات روسية وأمريكية وبريطانية وبلجيكية وفرنسية… ثم تطور العمل بين الروس والأمريكان ليأخذ شكل مجموعة من الخبراء العسكريين وكبار رجال الأمن والسياسيين العاملين في حلفي النيتو ووارسو، رغم كل الجفاء بين الإمبراطورية الشيوعية التي كان على رأسها الدكتاتور جوزيف ستالين ودول الامبريالية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تتوقف هذه المجموعة عن عملها التشاركي رغم التحولات العظيمة وتغيرات الحكومات في أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفييتي، حتى بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وانفراط الاتحاد السوفييتي وسقوط حلف وارسو، بل إن عمل المجموعة الهام قد استمر، رغم أزمة الصواريخ السوفييتية بالقرب من شواطئ كوبا، وكذلك رغم الهجوم السوفييتي المباغت على براغ التشيكوسلوفاكية في عام 1968 للقضاء على حكومة دوبشيك ولإرغام شعبه المنتفض على الخضوع للسياسة السوفيتية رغماً عنه وبقوة القمع العسكري آنذاك، إلا أن عمل المجموعة الالبية قد تراخى وضعف بانهيار الاتحاد السوفييتي، ومن ثم توقف فعلياً بعد الموقف الروسي المتعنت أثناء الحرب في جيورجيا في عام 1985م، حيث أسقط السوفييت في الوقت ذاته طائرة حربية عائدة لحلف النيتو فوق ألمانيا الشرقية، ورغم ذلك لم تنفجر الأوضاع بين موسكو وواشنطن لأن القوتين تدركان تماماً صحة ما قاله مرةً العالم الفيزيائي – الرياضي الشهير ألبرت أينشتاين، صاحب النظرية النسبية: “أنا لا أعلم بأي أسلحة ستنشب الحرب العالمية الثالثة، إلاّ أنني متأكد من أن خوض الحرب العالمية الرابعة ستكون بالقوس والرمح والنشاب.”
والآن، حيث أن تركيا لم تعتذر عن إسقاط مقاتلاتها طائرة حربية روسية بذريعة أنها اخترقت الأجواء التركية ولم ترد على تحذيرات الطائرات التركية، وروسيا تصر على أن طائرتها كانت تحلّق فوق سماء سوريا، وكلا الطرفين يتهمان بعضهما بعضاً بأشد التهم خطورةً، وحلف النيتو يدافع عن “حق” دولةٍ من دوله في حماية أجوائها، فإن حاجة وجود وسيط دولي قوي وعليم حاجة ماسة، في زمن “العجز والقلق” الذي دخلت فيه منظمة الأمم المتحدة التي فقدت بريقها وأظهرت ضعفها في عديدٍ من المشاكل العالمية الكبيرة، ومنها احتلال روسيا لجزيرة القرم ومحاولتها تفكيك جمهورية أوكرانيا، وظهور الأوضاع المتردية تماماً في سوريا، سياسيا وإنسانيا، منذ تحول نظام الأسد إلى وحشٍ كاسر مفترس لأطفال ونساء وشباب سوريا، وبعد أن تركت إدارة أوباما الحبل على الغارب وسحبت أيديها كما يبدو مما يجري في الشرق الأوسط ، وتكاثرت القوى الإرهابية المعادية للشعب السوري قبل غيره من شعوب ودول العالم.
فهل تفيق مجموعة الإلبى من سباتها وتضم إلى أعضائها ومؤسسيها دماء جديدة من ذوي الخبرات العسكرية والأمنية والسياسية كما يأمل أحد رجالها المشهورين (كيفين ريان) فتباشر إلى تحقيق تواصل إيجابي وفعال بين الجبهتين المتخاصمتين على دوائر عديدة من الجغرافيا الاستراتيجية في العالم، ليتم إطفاء جذوة النار المتقدة على الحدود التركية – السورية، التي قد تتحول إلى نار تلتهم البشرية، مثلما تسبب إطلاق النار على أمير من أمراء أوروبا وزوجته في عاصمة النمسا فيينا في عام 1914 باندلاع الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها أكثر من 25 مليون إنسان، ناهيك عن الدمار الذي لحق بالعمران والبشرية، رغم أن الأسلحة كانت في ذلك الزمن تقليدية، في حين أنها الآن أسلحة دمار شامل لا تبقي ولا تذر، ذاقت اليابان من جراء استخدامها مرتين في الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تتذكر البشرية مدينتي هيروشيما وناغازاكي فتشعر بالرعب والكآبة.
لمزيد من المعلومات عن ) مجموعة ألبى (Elbe Group
أنظر في هذا الرابط رجاء:
http://belfercenter.hks.harvard.edu/project/62/usrussia_initiative_to_prevent_nuclear_terrorism.html?page_id=398