من الصحافة العالمية

رياض حجاب: الصعود والدور

عهد الهندي

كانت التجربة الأولى للانتفاضة السورية، في ما يخص القيادة، مع بروز الدكتور برهان غليون. فهو، على رغم مواقفه الفكرية قبل ٢٠١١ والمعادية للتيار الديني السياسي، استطاع تحقيق شعبية جيدة، وساعدته في هذا جذوره الحمصية، لما شكلته حمص من مركز ثقل مهم للحراك الثوري السوري. لكنْ على رغم الزخم القوي الدافع لتصدّره، لم يتمكن غليون من من تشكيل حالة قيادية مرتبطة بمؤسسة تمثل الحراك الثوري، بل كان حالة إعلامية أقرب للأكاديمية. بعد غليون، جاء معاذ الخطيب، والذي صور كـ «دلاي لاما» سوري، يمثل الخط المسلم الشامي المعتدل والمنفتح على العالم، إلا أن «الخطيب الشيخ» كان طاغياً على «الخطيب السياسي»، كون إرث المشيخة كل ما يملكه الخطيب. فالأخلاق السياسية التي حملها، ترى العالم من ثنائية الخير والشر، ما ساهم في عدم إنجاحه كسياسي واقعي تحتاجه الثورة. وكلنا يذكر محاضرة الخطيب الشهيرة التي تحدث بها أمام قادة وزعماء عرب كشيخ يحاضر في تلاميذه قائلاً لهم: «اتقوا الله في شعوبكم».
بعد الخطيب، عُين المناضل السوري ومعتقل الرأي السابق جورج صبرة، إلا أن سيرته النضالية اختصرتها هويته الإرثية كمسيحي سوري. وعلى رغم رفضه الكامل تقديم هذا التعريف على التعريف السوري النضالي، فملامح الأسلمة في الشارع السوري المنتفض كانت قد تبلورت، مما جعل من الصعب على الشارع السوري والدول الداعمة تصديق رواية تقول أن شخصاً يحمل اسم جورج سيكون قادراً على قيادة الحراك الثوري، في وقت بات معه شعار «قائدنا للأبد، سيدنا محمد» شعاراً جذاباً في عموم البلاد السورية.
وبعد صبرا، جاء أحمد الجربا، والذي على رغم افتقاره للقدرة الخطابية والسياسية التي تمتع بها أسلافه من «القادة»، فإنه بعث بعض الأمل، بخاصة أن صعوده ارتبط بدعم سعودي جاد مكنه من لقاء الرئيس الأميركي أوباما، ودعم مالي سخي مكنه من مأسسة العمل المعارض، كما أن خلفيته العشائرية المشيخية وما تعنيه من علاقات واسعة على الأرض، عززت هذا الأمل وإن لم تعزز قيادته. فالجربا لم يختلف عن غيره سوى بتأسيس أتباع حوله، ولم يكن إدارياً ناجحاً يستخدم المال لتفعيل الموارد السورية الكامنة وتأسيس بديل حقيقي.
ولم تكن حال هادي البحرة، الذي جاء كخليفة للجربا، مختلفة، على رغم تمتعه بخبرات إدارية مِن خلال عمله في العديد مِن الشركات، إلا أن غياب المال والعلاقات على الأرض حال دون تمكينه. والأمر ذاته ينطبق على خالد الخوجا الذي لعبت، بلا شك، خلفيته كشخص يحمل جنسية أجنبية (التركية) على الانتقاص من سوريته، فبدا للكثيرين وكأنه سفير تركيا عند المعارضة، بينما هو يشغل منصب رئيس ائتلاف سوري بديل عن الأسد.
وقد يكون مِن الإنصاف توجيه اللوم للظروف الموضوعية التي أحاطت بهؤلاء القادة وبالثورة نفسها أكثر مِن توجيهه لشخوصهم، لكن الحالة الثورية السورية بقيت في المحصلة من دون مؤسّسة أو مأسسة.
إن المشكلة الأهم التي عانت منها المعارضة هي غياب القيادات الحقيقية، غياب الشخص الذي يجمع بين الحضور الكاريزمي والعمل المؤسساتي والخبرة التنفيذية والدعم الدولي والعلاقات على الأرض. فلم تنفع كل الجهود المبذولة واللحظات التاريخية لتصدير هؤلاء الأشخاص كقادة للثورة.
واليوم يبدو أن أمل السوريين المعارضين يتركز على شخصية رياض حجاب، وهو أمل يعتمد على وقائع مطمئنة لما يحمله الرجل من خلفية تنفيذية لا تملكها المعارضة، من خلال عمله السابق كمحافظ ووزير ورئيس لمجلس الوزراء. وهي خبرة بالتأكيد لا يملكها أي من السوريين.
كما أنه، وعلى خلاف بقية قيادات المعارضة، يميل إلى العمل الهادئ ويبتعد عن الإعلام المكرر، إضافة إلى أنه يشكل توافقاً سعودياً قطرياً إماراتياً وتركياً. هذا فوق خلفيته المحافظة المعتدلة، والتي تجعله شخصية مقبولة عند الدول المؤثرة في سورية وعند الشعب السوري. كما أن قدومه من منطقة دير الزور، وأهمية المنطقة، لما تمثله من موارد طبيعية، قد يلعبان دوراً مهماً في تشكيل سيادة سورية معارِضة تعمل على تمويل ذاتها ولو في شكل جزئي في المستقبل.
فعلى أفراد المعارضة، إذاً، الدفع لتطوير مهمة حجاب كمنسق عام للهيئة العليا للتفاوض، فلا تنحصر بتقنية التفاوض. فبعد الهدنة، صارت للهيئة شرعية دولية في تمثيل المناطق المحررة، ويمكنها اليوم العمل على تحريرها من «داعش» و «النصرة»، لتثبيت جسد مؤسساتي يدير هذه المناطق التي تحتاج دعماً تنموياً واقتصادياً كبيراً، لا يبدو أن أيّاً من المعارضين الحاليين يمتلك المؤهلات لتأمينه أكثر مما يمتلكها حجاب. كما ينبغي على المعارضة وقف حديثها عن التمثيل و «الكوتات» (الحصص) وتشكيل الأحزاب والتيارات، فكل ما يحتاجه السوريون اليوم هيئة تنفيذية تعمل على تهيئة الظروف لطرح بديل مقنع عن نظام الأسد، والذي لم يعد مفلساً على المستوى الأخلاقي وحسب بل هو مفلس اقتصادياً أيضاً.
 
الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى