سبب شحوب وجه الرئيس بعد سنوات عجاف
حازم الأمين
السنوات الثمان التي تفصلنا عن انطلاق الاحتجاجات السورية في وجه النظام، حملت ما لا يحصى من الدلالات. حملت ثورة، لا بل ثورات، وحملت أيضا هزائم مدوية لثورات. وها هي اليوم ترسو عند حقيقة ثقيلة. الثورة تم وأدها على يد نظام بدأ يحتضر بدوره. فلندقق في وجه الرئيس جيدا! ثمة موت ما في هذا الوجه، وثمة نهاية! لكن الاستعصاء السوري غير مولد لاحتمالات تعقبه، فمعاينة هزيمة الثورات السورية لا تساعد على تحديد هوية المنتصر.
في سوريا اليوم خمسة جيوش غير سورية، ومثلها من الميليشيات المُستقدَمة من الخارج لمؤازرة النظام. وعلى رغم ذلك باشرت وسائل إعلام “إقليمية” حملة ترويج لوهم اسمه “نجاة النظام!”.
إنها التقنية نفسها التي استعملت لترويج الانتصارات في لبنان، إلا أن الحقائق السورية أثقل من أن تعوم فوق ادعاء ركيك إلى هذا الحد.
في السنة الثامنة هُزم النظام. في السنة التي سبقتها هُزمت “داعش”، وقبلها هُزمت النصرة والجيش الحر، وقبل هؤلاء كلهم كانت الثورة قد هزمت.
يجب أن نبحث إذا عن منتصر. المهمة ليست سهلة، فالموت أصاب الجميع. لا يبدو أن إيران منتصرة، فها هي على أبواب اختناق اقتصادي، ولا يبدو أن بإمكانها تصريف هذا “الاستثمار” الدموي الكبير الذي ارتكبته في سوريا. ليس بمقدورها الاقتراب من الحدود مع إسرائيل، ومهمة شق جسر مذهبي من حدودها مع العراق إلى حدود الأخير مع سوريا وحدود الأخيرة مع لبنان، أنجز جزء كبير منها وأريقت أنهار من الدماء على ضفافها، لكن يبقى السؤال هنا عن وظيفة هذا الجسر؟ فطائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار يمكن أن تعيق عمل هذا “الجهد الجبار” الذي أنجزه قاسم سليماني.
وبعد ثماني سنوات على مسلسل الثورات والحروب في سوريا يصعب القول أيضا إن روسيا انتصرت، وأصعب أكثر القول إن تركيا انتصرت، لكن الصعوبة الكبرى، لا بل الاستحالة، تكمن في ادعاء النظام أنه انتصر. فلا شيء اليوم لدى هذا المنتصر سوى المدن المدمرة لكي يتوج انتصاره فيها.
وهو إذ أعلن نفسه منتصرا ولم يلبث أن صدق قوله قادة الخليج والسودان وموريتانيا، حتى باشر بمواجهة حقائق هذا “النصر” وأثمانه. لا سيادة ولا اقتصاد ولا كرامة ولا خطاب. وقف الرئيس الشاحب أمام هذا المشهد وتداعى الانتصار أمام ناظريه، وفجأة قررت الخطوط الجوية الإماراتية أن تعيد النظر بقرارها معاودة رحلاتها إلى مطار دمشق، وقررت دول أوروبية مضاعفة عقوباتها على النظام وقررت واشنطن تأجيل انسحابها من شمال سوريا، وعلى ضفاف السنة الثامنة أيضا وقف الأمين العام لحزب الله ليعلن بدء زمن التقشف.
من توهم نصرا عاجلته الهزيمة، هذا هو أهم مؤشر حملته الذكرى الثامنة لمباشرة السوريين انتفاضتهم على نظامهم. الثوار كانوا أول من هُزموا ثم الإسلاميين وتركيا واليوم نشهد تتويج مهزوم جديد. وخلال تعاقب الهزائم صار صعبا العثور على منتصر. ومن الصعب أكثر بلورة منطق للنصر وللهزيمة في سوريا. خطاب “النصر” الذي كان خط وجهته عبر خطب حسن نصرالله وكانت ذروته في حرب تموز 2006، سقط اليوم في سوريا. من الصعب أن يكون وراء كل هذا الشحوب نصرا، ومن المستحيل أن يعلن المنتصر إفلاسه ويفتح صناديقه للمتبرعين.
لكي يحكم بشار الأسد سوريا عليه أن يعيد شيئا إلى المدن المدمرة. بعض مبانيها وبعض أهلها. لكي يعيد المباني عليه أن يقبل بشروط الواهبين، ولكي يعيد الناس عليه أن يقبل بإشراكهم. إنها الشروط التي يعرف أنها ستفضي إلى موت نظامه، ثم أن الأخير يعاني من معضلة “إدراكية” حقيقية، ذاك أن العودة إلى درعا بعد كل ما جرى فيها تعني إليه إعادة نصب حافظ الأسد إليها، قبل إعادة إعمارها أو إعادة أهلها إليها.
إنها السلطة العارية من أي ادعاء سوى رغبتها وتحفزها إلى القتل. وأن يطمح النظام إلى معاودة حكم سوريا على هذا النحو، وهو ما كشفته وقائع درعا، فهذا يعني أنه يدرك أن الحرب هي الأفق الوحيد أمامه لكي يبقى هيكلا يستعين به رعاته في حروبهم في سوريا.
الأرجح أن هذا هو السبب الحقيقي وراء شحوب وجه الرئيس.
الحرة
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media