سجون النظام…. مقابر جماعية
قهرمان مرعان آغا
أيها السجين, إشعاع نور عينيك في ظلمة المنفردة يضيئ ليل جلاّدَك و أساور معصميك تلمع في عتمة الدجى وأنت في صحوة العقل تنتفض لتكسر قيود سجّانَك, للسجون في سوريا حكايات وشجون, تعذيب و تحقير وقتل وإرهاب, مرفق بابتزاز وفساد, بيئة مغلقة لنشر الرذيلة وفعل الاغتصاب ومكان للتنكيل والترويع والممنوعات . للسجون أهمية خاصة منذ انقلاب حافظ أسد وخلال حكمه بالتخلص والتغييب من منافسيه الأصدقاء وخصومه الأعداء, وهي مصنفة بين سجون مدنية مركزية, تتبع مراكز العاصمة والمحافظات , بموجب القوانين واللوائح الناظمة لعمل وإدارة السجون, شكلاً وعسكرية وأمنية متعددة الأوجه, توسعت باطراد مع تصاعد الدكتاتورية والحكم الفردي والمنظومة الأمنية الإجرامية للبعث الأسدي قبل الثورة , في حين أصبحت السجون في سنوات الثورة تشمل المعتقلات والسجون السرية وسجون الأفرع الأمنية وأصبحت منتشرة في مناطق نفوذ النظام وخاصة في المطارات (مطار مزة) والمدينة الرياضية ومستودعات المرفأ في اللاذقية ( حسب التقارير الحقوقية ) وفي المعسكرات, وجميع هذه الأمكنة, مهيأة للتصفية الجسدية لآلاف المعتقلين وقد حدث ذلك بالفعل, بحيث أضحت بحق مقابر جماعية.
ويعتبر إرسال لوائح أسماء الشهداء المعتقلين إلى دوائر النفوس, اعتراف ضمني من قبل النظام المجرم بارتكاب فعل القتل الجماعي بحق المعتقلين, دون محاكمة ويتجلى ذلك من خلال بيان سبب الوفاة في (وثيقة) شهادة الوفاة, وهي تندرج تحت بند جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية, سواء ما يتعلق بالذين حملوا السلاح أو المتظاهرين المدنيين السلميين. السجناء في مواجهة الموت : هنا أود التذكير بأن إرادة الإنسان طالب الحرية لا تُقهر , حتى أصبحت إرادة السجناء الفولاذية أقوى من أغلال جلاديهم في سوريا وباتوا يشكلون هاجساً كبيراً للنظام الأسدي, لهذا أصبح يتخلص منهم بالجملة وبأسوأ الأساليب إجراماً في تاريخ البشرية, ليس الآن حيث حاضر الثورة و التمرد في مواجهة غاصبي حرية الشعب بل في الماضي أيضاً, حيث كان النظام يواجه الرافضين لسياساته بالعنف المُفرط ومن يحالفه الحظ بالإفلات من سطوته حيناً, ينتظره السجن و الاعتقال في وقت لاحق و لم يعد السجن مكان مغلق, سالب للحرية فقط , بل أصبح مَرفقاً بابتزاز مادي, يَدُر تجارةً وانتفاعاً لعناصر النظام المتنفذين ,أكثر من الأسواق البائسة في المدن المنسية , بدءاً من شراء السرير في ( القاووش) أو مساحة لمد البساط بدل القرفصاء , انتهاءً بتعاطي الممنوعات وتسهيل ارتكاب الموبقات لتهيئة بيئة الرذيلة بدل الإصلاح و الـتأهيل وبخاصة للمجرمين وخلطهم بالأسوياء من النزلاء لإفساد الأجواء بالكامل, بحيث لا يترك مجال للحركة المقيدة بالأساس دون المرور بـ ميكانيزم الفساد الذي أصبح يطور آلياته وعِدته لحساب جيوب القائمين على إدارة السجن.
قبل الثورة, تمادى النظام في ارتكاب أبشع الممارسات في حق المعتقلين وتفنن في تعذيبهم وإهدار كرامتهم وآدميتهم وبخاصة السجناء السياسيين وسجناء الرأي حيث يتم اختلاطهم في المهاجع مع المجرمين وأصحاب السوابق, و كانت مجرد الشبهة أو التلفيق, بناء على تقارير المخبرين, الذين باتوا يشكلون جيشاً رديفاً للمخابرات , كافية للاتهام والاستجواب من قبل الجهات الأمنية التي توسّعت و تغوَّلت في عهد الدكتاتور حافظ أسد ومن بعده وريثه, ابنه بشار, حيث أصبح لكل مواطن سوري حر, ظل يرافقه أينما حل, حتى خارج بلده.
ولعل رواية ( القوقعة ) لكاتبها السوري مصطفى خليفة, تشكل واقعة حقيقية غير مفترضة ولو بنسبة أقل مما كان يحدث حقيقةً في سجون الأب والابن المُجرمَين . في بداية الثمانينات من القرن الماضي وبخاصة في مواجهاته الدموية مع حركة الإخوان المسلمين في معظم المدن السورية والتي تم على إثرها تدمير مدينة حماة في 1982 من خلال التطويق والإبادة , ومجازر النظام في مواجهة السجناء العُزّل لا تَعُد ولا تُحصى, و لعل أحداث سجن تدمر الصحراوي لم تزل تختزل أهوالها في ذاكرة السوريين لمجرد ذكر الاسم, حيث نُسَف السجن من قبل (داعش) في 2015 وبترتيب من النظام لإخفاء بيئة جُرمية كاملة الأوصاف يمارس فيها إرهاب دولة, منظم وكيدي, على مدى أربعة عقود من عمر جيلين من السوريين.
كما كان لأحداث سجن الحسكة في 24/3/1993 من خلال إشعال الحريق وغلق الأبواب , في يوم عطلة , بتآمر من إدارة السجن , بحق النزلاء المسالمين الكورد و المسجونين لأسباب وخلافات مدنية اجتماعية , أكبر الأثر في الذاكرة الكوردية المثقلة بالألم . في حين إن أحداث سجن صيدنايا في عام 2008 و ( التي كانت تسمى بمستودع النظام, تضم معتقلين برسم الأمانة لصالح مخابرات دول أخرى أو استخدامهم لمهمات مُقبلة , لما تحويه من أشباه جهاديين من مختلف التيارات الإسلامية من الذين سهّل لهم النظام دخول العراق لمحاربة المشروع الأمريكي وعند عودتهم , كافأهم بالاعتقال للمساومة عليهم لاحقاً ) حيث بدأت انتفاضة السجناء بوجه الجلادين و الاستيلاء على أسلحتهم و استمرت المواجهات المتقطعة لعدة أشهر, حيث سقط العشرات من الشهداء ومن بينهم الشهيد تحسين خيري ممو من منظمة حلب لحزب يكيتي الكوردي في سوريا, حيث شكلت أنباءها حافز و دفع معنوي لرفع عزيمة الأحرار الطلقاء من أبناء سوريا, بضرورة مواجهة الاستبداد, بكافة صوره و أشكاله.
خلال الثورة تجاوز عدد الشهداء الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب وواجهوا جلاديهم بالموت قتلاً أو جوعاً في سجون ومعتقلات وأماكن الاحتجاز في مختلف الفروع الأمنية , الـ مئة ألف من مختلف الأعمار , حسب تقارير التقصي و المتابعة للمراكز السورية والعالمية التي تنشط في هذا المجال و الخافي أعظم . وما حدث في 2/5/2016 في سجن حماة المركزي من تمرد واستعصاء في مواجهة النظام وبفضل وعي المعتقلين وشجاعتهم وتنظيمهم تحولت قضيتهم باهتمام الإعلام إلى قضية سياسية وحازت على التضامن من مختلف الدول والهيئات المناصرة للثورة السورية وحقوق الإنسان بعد نقل الصور الحية بمساعدة النشطاء في الخارج و المتابعة وكانت من جملة مطالبيهم مع لجنة التفاوض من جانب النظام التمسك بكافة النبود الإنسانية الواردة في القرار الأممي /2254/ وخاصة المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين, قبل بدء مباحثات جنيف كأولوية لم يتقّيد بها النظام , حدث ذلك بفضل توفر أدوات الاتصال و التواصل من خلال نقل الصورة و الحدث اللحظي إلى الخارج وهي من جملة نتائج استشراء الفساد و الارتزاق في كافة مفاصل و إدارات النظام الذي لم يعد قادر على الضبط بسبب بنيته العفنة العصية على الإصلاح و التي في طريقها إلى الزوال بغير رجعة, عاجلاً أم آجلاً . وما حدث في أغسطس/آب 2016 في سجن السويداء المحافظة الجنوبية ذات الغالبية الدرزية من عصيان, له أكبر الأثر في تنامي روح التمرد ووحدة الإرادة لدى النزلاء لإرغام النظام على تلبية مطالبهم بمحاكمات عادلة وظروف عيش إنسانية تحفظ آدميتهم ووقف تنفيذ الأحكام الجائرة بحقهم من خلال تلفيقات الأمن الجنائي والسياسي, لابتزاز أهاليهم , حيث أغلبيتهم من خارج أبناء المحافظة على اعتبارها محايدة أو موالية للنظام باستثناء بعض الرموز الثورية والتي واجهها النظام بالاغتيال, لهذا قامت الداخلية بحشد أكبر عدد من القوات لاقتحام السجن مساء يوم 5/8/2016, خوفاً من تكرار تجربة سجن حماة المركزي بعد إصابة العشرات بين قتيل وجريح . إن ظاهرة التمرد الجماعي في سجون النظام , في ظل سنوات الثورة وما قبلها, تدل بأن إرادة الشعب السوري سواء كانت منطلقة أو مقيّدة, لن تنال منها سياسات النظام وإجرامه وسيظل متشبساً بـ مطلبه بانتزاع حريته سواء في سجنه الضيق أو الواسع وبالرغم من أنف حلفاء النظام الصغار والكبار منهم وكذلك العالم الذي سهيى نفسه عن قضيته التي باتت سلعة للمساومة وهو يعلم جيداً , بأنه أصبح وحيداً وإن السبيل القويم للخروج من هذه الدوامة و بالتالي الانتصار هي وحدة الإرادة و وحدة المصير في ظل سوريا اتحادية ,لامركزية يضمن حقوق الشعب الكوردي مع بقية المكونات في الحرية والعدالة والعيش المشترك .
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 254