آراء

سقط الأسد ولم تنجح الثورة!!!

فرحان مرعي

الثورة السلمية التي نشدها السوريون في آذار 2011، والتي نادت بالحرية والكرامة، لم تدم طويلاً. بقيت الفكرة والحلم، وتشتّتت الرؤية، وحلّ الصراع والحرب والدمار لمدة عقد من الزمان، خلّفت الويلات والآلام والجراح، التي لم تلتئم بعد.

سقط النظام بعد خمس عشرة سنة من الانتظار، وهُزم في ليلة ظلماء، تاركًا وراءه إرثًا ثقيلًا، من الفكر والآيديولوجيا الصفراء، والدمار، والقتل، والانهيار، حتى أصبح البناء مهمة صعبة لكل سلطة قادمة، كما هو أكثر صعوبة تحرير التراكمات الفكرية الشمولية، حيث ترعرع “أسد صغير” في كل ذهن، ونصف قرن من الاستبداد المقيت.

الثورات الكبيرة لا تنجح دفعة واحدة، بل تمرّ بمراحل وفترات من الفشل والهزيمة والمنعطفات الخطرة.

وهنا يبرز سؤال مهم: لماذا لم ينجح السوريون في إيجاد البديل الديمقراطي بعد هذه السنين من الصراع والأزمة والحرب الداخلية؟

بدايةً، تأثر الحراك الثوري السوري باندلاع الثورات، أو ما أُطلق عليه ثورات الربيع العربي، في تونس ومصر وليبيا وغيرها، وبالظروف الموضوعية التي كانت ناضجة ومناسبة في سوريا لأي حراك سلمي وثوري؛ ظروف الاستبداد، والقمع، والنهب، والفساد التي كانت العناوين الأساسية لفترة حكم آل الأسد. ولكن لم يدرك السوريون أنّ الجائعين لا يقومون بالثورات، بل يموتون بصمت؟! كما لم يدركوا أنّ الثورة هي تراكم معرفي، ونضوج الوعي الثوري بالواقع، وقادة ثوريين، ومفكرين، ومثقفين، وظروف دولية مناسبة.

ولكن في ظروف سوريا، وللأسف، استلمت دفة الحراك الثوري قوى الإسلام السياسي، وانطلقوا أولًا من الجامع الأموي، ثم من الجوامع الأخرى، بدلًا من الكليات والجامعات والساحات.

والمؤسف أنّ هؤلاء (قوى الإسلام السياسي) عادوا بعد خمس عشرة سنة إلى الجامع الأموي الكبير في دمشق ، ليعلنوا منه عن إحياء العاصمة الأموية الإسلامية؟!

والتَفّوا على الثورة من الباب السلفي والأصولي، لتتحوّل فرحة السوريين ليلة السقوط، في يوم 8 من شهر كانون الأول عام 2024، إلى غصّة في القلب ودهشة، لم يستيقظوا منها بعد !!!!

ومع هذا التيار الإسلاموي، تناغمت القوى الدولية الكبرى والإقليمية، واستلمت إدارة الأزمة والصراع على سوريا بأدوات محلية، من الذين ادّعوا الثورة، بينما الذين حلموا بنجاح الثورة سلميًا وديمقراطيًا، إما قُتلوا، أو نزحوا، أو هاجروا وما عادوا، عندما وجدوا في شوارع دمشق رجالًا لا يشبهون السوريين، يحملون السيوف، كما لو كانوا يشاهدون مسلسلًا سوريًا دراماتيكيًا!!!!

تفاجأ الناس باستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة – المصنّف دوليًا في لائحة الإرهاب!!!! – وسقوط الأسد.

ولكن سياق الأحداث في سوريا، منذ أن أخذت الثورة مسار التسلّح والأسلمة، والتدخل الدولي والإقليمي، لم يكن متوقعًا أكثر من ذلك – “كيفما تكونوا يُولَّى عليكم” كما يقولون – لأنه من المستحيل أن يُنتج واقع مسلح، وطائفي وديني، مولودًا ديمقراطيًا، مدنيًا، وفي غياب قوى وطنية وديمقراطية، أو مشتتة ومتباعدة، فتحولت سوريا إلى ساحة صراع بين قوى الاستبداد، وقوى مسلحة دينية، متطرفة، مرتزقة، وميليشيات عابرة للحدود، وأصبحت سوريا تُدار من قبل سلطات أمر واقع، ومناطق نفوذ دولية، حتى النظام أصبح سلطة أمر واقع.

إذًا، السوريون أمام مرحلة جديدة، تتطلّب أولًا، منع الحرب والإقتتال الداخلي، والانتقام، وتعزيز العدالة الانتقالية ولذلك، فإنّ ما تحتاجه سوريا اليوم ليس حواراً حول من يمثّل الله أو الحاكم، بل مَن يمثّل الإنسان السوري التائه بين الرماد والرجاء ، فالسوريون بأنفسهم قادرون على حلّ مشاكلهم وبناء بلدهم، وهم في هذا الوقت ليسوا بحاجةٍ إلى مَن يعلّمهم أمور الدين الإسلامي، ولا الفقه الإسلامي، فالدين للموعظة وضبط الأخلاق – بل بحاجة إلى مَن يساعدهم في إعادة إعمار ما تهدّم جرّاء الحرب، وتحرير الفكر والثقافة من سطوة الآيديولوجيا البعثية، والقومية المتطرفة، والاستبداد قبل كل شيء.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “332”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى