آراء

سموم نظرية الأمة الديمقراطية.. دحرٌ للأوطان

دوران ملكي

الجدلية القائمة بين الوطن والمواطن تعتمد على المنفعة المتبادلة، فالوطن يمنح المواطن خيراته، ويمنح المواطن للوطن سبل الحفاظ عليه والدفاع عنه في وجه الغزاة والطامعين؛وإن سقطت هذه الجدلية سقط الوطن والمواطن .

إنّ الشعب الكُردي حتى يومنا هذا لم يستطع إدارة وطنه بالكامل بشكلٍ ذاتي وإنما يُدار في أغلبه من قبل أمم محتلة، تنهب خيراته، وتستغلّ شعبه، وتحاول على الدوام كسر العلاقة بين الوطن والمواطن كالتقليل من دور الوطن حديثاً، وكأنّ زمن حقّ الشعوب في تقرير مصيرها قد ولّى، وإنّ خريطة العالم قد أصبحت مقدّسة، ولا يجوز المساس بها ولتثبيت هذه الأفكار يلجؤون إلى افتعال أزماتٍ اقتصادية حادة وربما وبائية أو كونية ليشعر المواطن أنّ نهاية الكون قد اقتربت، ويجب عليه تأدية واجباته الدنيوية البسيطة والتفرّغ لآخرته.

هذا ما كانت تفعله الأنظمة الغاصبة في جميع أجزاء كُردستان وخاصةً بتعريض مناطق تواجده إلى الإهمال المتعمّد كي لا يتجذّر في مناطقه ذات الأغلبية، ويضطر إلى الذهاب إلى المدن الكبيرة وعواصم هذه الدول حيث يكون فيها أقليةٌ مهمَلةٌ، ممّا دفع بالتيارات القومية والوطنية إلى الدفاع عن الوطن عبر الثورات المتكرّرة في جميع أجزاء كُردستان بجميع الوسائل المتاحة، وبذلك ازداد ارتباط الشعب وتمسّكه بالأرض التي ضحّى من أجلها، ممّا دفع بالأنظمة إلى العدول عن سياساتها ووضع بدائل عن المواجهة المباشرة التي تكلّف الكثير وتولّد الأزمات الاقتصادية، وذلك عن طريق بثّ السموم في الوسط الكُردي كبدائل عن التوجُّه القومي وتحرير الوطن فاستعانت بالدين عن طريق دعم الفصائل الدينية المتطرّفة التي تعادي بالدرجة الأولى التوجّهات الوطنية والقومية، وما هجوم داعش على العراق ابتداءً من كُردستان لخيرُ دليلٍ ، ومن طرفٍ آخر كانت الدوائر الاستعمارية في هذه الأنظمة تبحث بشكلٍ جماعي وفردي عن سموم ونظريات تشغل بها الشعب الكُردي وتبعده عن أهدافه الوطنية والتحررية، كالنظريات التي تؤدّي إلى تشكيل دول كبيرة على حساب الشعوب والقوميات الصغيرة وتشكيل أممٍ جديدة تسودها الديمقراطية وبذلك تكون الغلبة لهم بحكم الأكثرية .
مانراه من نظرية الأمة الديمقراطية والتي تناقض الفكر القومي عند الشعب الكُردي والتي تصبُّ في المصبّ نفسه يولّد الشكّ وخاصةً أنّ هذه النظرية وأصحابها يحظون بدعمٍ من قبل جميع الأنظمة الغاصبة لكُردستان ودون استثناء.

جميع الممارسات التي يقوم بها أنصار الأمة الديمقراطية في الجزء الغربي من كُردستان تؤدّي إلى تدهورٍ في الواقع وضعفٍ مستمرٍّ في العلاقة الجدلية بين الوطن والمواطن، وهنا سأسرد بعض الأعمال التي يقومون بها والتي تؤكّد تصوّري:
أولاً: الاعتماد على العنف المفرط والمنظّم ودون أيّ اعتبارٍ للمشاعر القومية والتفرّد بالقرارات المصيرية عن طريق إقصاء الآخر بشكلٍ كلّي وعدم القبول بأفكاره حتى يتسنّى لها الاستفراد في القرار وتخوين المعارض ذي الأفكار الوطنية والقومية عن طريق إنهائه بسلاحه.

عندما نشأت هذه النظرية نادى دعاتها بالاستقلال لجميع أجزاء كُردستان باعتبارها كتلة جغرافية متكاملة وما دونها إصلاحية ثم انعطفت إلى السلم ومن ثم إلى حقوق المواطنة واللغة والآن إلى الحماية عن طريق الديمقراطية مستخدمين جميع الوسائل من براغماتية إلى ميكافيلية وإعلامية هائلة لتحقيق هذا الغرض.
ثانياً: الاعتماد بالدرجة الأولى على الفئات البسيطة في المجتمع ليتمّ تسويقهم بسهولةٍ والابتعاد قدر الإمكان عن الانتلجنسيا وعن الفئات المثقفة والمنظّمة وهذه الفئات بعضاً منها كانت مقهورة في مجتمعاتنا الكُردية بحكم الصراع الطبقي أو بحكم التباين الاجتماعي الموروث منذ القدم ليتمّ استغلالهم وتعبئتهم وتنمية روح الكراهية لديهم واستغلال النعرات الدينية والأثينية والاجتماعية فكانت ردّات فعل هؤلاء قويةً جداً لدرجة أنه يستطيع ممارسة العنف بأعتى وجوهه في وقتٍ نحن بأمسِّ الحاجة فيه إلى تجاوز وتلافي هذه النعرات وتقوية الروابط الاجتماعية والقومية وعلى سبيل المثال: تحريض المكوّن الأيزيدي الكُردي الأصيل عن الانفصال عن أمّته الكُردية وتحريضهم على حكومة إقليم كُردستان بالتعاون مع العملاء السابقين لنظام صدام حسين والذين كانوا يدّعون أنّ الأيزيديين هم قوميةٌ مختلفة عن القومية الكُردية.

ثالثاً: التجويع المنظّم للشعب عن طريق ضرب مرتكزاته الاقتصادية وخاصةً القطاع الزراعي الذي يُعتبر الأساس في تمركز المجتمعات البشرية وقيام التشكيلات الإنسانية فما نلاحظه في مناطق الإدارة الذاتية أنّ الزراعة أصبحت وبالاً على المواطن فلا يستطيع تركها ولا التخطيط لها ولا التحكّم في موارده لأنه تمّ رفع الدعم عنها، وعدم حماية الفلاحين والملّاكين وحماية محاصيلهم الزراعية وتسويها، ووضع الأسعار المناسبة لها بل تُرِكت عرضة للقدر والنار والتلف في حين يستطيعون زجّ المئات في السجون فقط لأنهم يفكّرون في النقيض منهم، وتشجيع التجارة الاستهلاكية البحتة والتهريب عبر الحدود والتلاعب بالعملات وتبييض الأموال وفرض الضرائب الجمركية على المواد الغذائية الواردة إلى المناطق التي تحت سيطرتهم دون الاكتراث بهموم المواطنين، وبذلك يضطر المواطن إلى البحث عن لقمة عيشه بشتى الوسائل حتى يتوصّل إلى قول (هاييم للاجئين خيرٌ من وطنٍ جائع) وليقتل مرة أخرى بسلاحه أنتم (عملاء-خنتم الوطن – هاجرتم -بعتم أوطانكم-الخ).

رابعاً: حماية المشاريع العنصرية التي طُبِّقت بحقّ الشعب الكُردي من قبل النظام البعثي الشوفيني لكي تبقى ثغرة في وجه الطموح الكُردي كما خطّطت لها الأنظمة الغاصبة وخاصةً حماية المستوطنين العرب في الجزء الغربي من كُردستان، والتحالف مع الحشد الشيعي العراقي الذي استهدف إقليم كُردستان بالتعاون مع ايران.

خامساً:ً فرض الحلّ الشمولي لجميع أجزاء كُردستان وعدم تجزئة الصراع حسب ظروف كلّ جزء وخلط الحابل بالنابل ليصطدم الحلم الكُردي في كُردستان الغربية بالعداء التركي بسبب سيطرة حزب العمال “الكُردستاني ” وأنصاره على الواقع الكُردي ، وبذلك تحوّلت المناطق الكُردية إلى لقمةٍ سائغة للطورانيين ومرتزقتهم من الفصائل المسلّحة السورية، وليلقوا باللوم على المجلس الوطني الكُردي الذي هو عضو في الإئتلاف الوطني السوري، وليبعدوه عن المعارضه السورية كممثّلٍ للكُرد في هذا الجزء الذي يعبّر عن طموحات الشعب الكُردي في المحافل الدولية.

سادساً: تثقيل كاهل الشعب بالضرائب ونقل الأموال إلى أماكن غير معروفة وبذلك بقيت المنطقة دون خدماتٍ وهو ما يؤكّده الواقع.
سابعاً: القضاء بشكلٍ نهائي على التعليم الذي كان يعتزّ به المواطن الكُردي إذ كان يضحّي بقوته مقابل تعليم أولاده، وذلك بذريعة التعليم باللغة الكُردية قبل الاعتراف باللغة الكُردية في دستور البلاد، ومتى كان للعلم لغة؟ فجميع المثقفين الكُرد الذين تخرّجوا من الجامعات السورية والعراقية والتركية والإيرانية هم اليوم كوادر ومفكرين يدافعون عن حقوق أمتهم.

من حقّ أيّ شعبٍ أن يتعلّم بلغته الأم، ولكن حتى يتسنّى له الظروف الموضوعية والقانونية والشرعية، لا أن يُحرَم الشعب من حقّ التعليم وهذا ما دفع بالكثير من الناس إلى الهجرة بدافع تعليم أولادها.

مثل هذه النظريات لا يمكن ان تحقّق الحلم الكُردي، ولا تخدم قضيتنا الوطنية والقومية، وهي الآن سلطة الأمر الواقع في الجزء الغربي من كُردستان، والظروف تحتّم على الجميع بضرورة الاتفاق والوحدة شاؤوا أم أبوا للاستفادة من الظروف الحالية، ولا يوجد شيء مستحيل طالما يتطلّب ذلك مصالح القوى الفاعلة على الساحة فهي التي ستجبر الأطراف على التفاوض وتقديم التنازلات رغم الهوة الشاسعة بين الأفعال والأقوال للأطراف المتصارعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى