آراء

سوريا.. بوادر انتفاضة ثانية تلوح في الأفق

فرحان مرعي

الثورات لا تسير دائماً على طرق مستقيمة، بل غالبا ما، تكون البدايات ، عفوية، ارتجالية، عاطفية، تعترضها العقبات، وتتخلّلها هزائم ، وانكسارات، وفشل وخسائر، ولكن تعود الثورة إلى سكّتها، ومساراتها الطبيعية، بعد حين، مستفيدةً من أخطائها، وعثراتها،وضبط ايقاعاتها، كما، حصلت في الثورات الروسية والفرنسية وغيرها، هكذا الثورة السورية أيضاً، بعد اثنتي عشرة سنة، من الحرب والدمار، يعود الناس، الذين صمدوا وصبروا، على الألم ، والجيل الجديد الذي نما وكبر في ظروف القمع والمعاناة، إلى مراجعة حساباته، والأخطاء التي وقع فيها سلفه، وتجاوزها – وخاصةً في الاستقواء بالخارج، وتلقي المال والسلاح، منه- والاعتماد على القوى الوطنية، بعيداً عن التأدلج والتأسلم، و القوى الشعبية الواعية، صاحبة المصلحة الحقيقية في بناء الدولة الوطنية، التي تستوعب الجميع دون تمييز.

وفي هذه المرة، الأزمة الإقتصادية، وتدني مستويات المعيشة، هي الحامل الأساسي للانطلاقة الجديدة ، حيث يشير الواقع المعيشي، إلى أنّ الدخل الشهري للفرد، في سوريا ، لا يتجاوز خمسة عشر دولاراً، مسجلاً أدنى دخل في العالم – لا يكفي للعيش مدة يومين، أو لا يكفي لشراء حاجتين أساسيتين، من ضرورات الحياة اليومية، كالماء والخبز، نتيجة تدهور قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي ، مع هذا الانهيار الإقتصادي، بدأت الأصوات، تخرج، تدعو إلى الإحتجاج والاعتصام، والعصيان المدني، والتظاهر السلمي، في معظم البلاد، – تدعو إلى تحسين الوضع المعيشي، ومحاسبة الفاسدين والناهببن للثروات البلاد، وإنهاء الاحتلالات المختلفة على الأرض السورية سواءً من الدول أو الميليشيات،.. ، وبدأت شراراتها الأولى تندلع، في الجنوب والوسط، والجزيرة، ولسان حال الناس، يقول، الوضع لم يعد يحتمل، ولم يعد هنا ما نخسره، في الدفاع عن حياتنا، سوى القيود، والعبودية، فإما الحياة أو الموت.

بالتزامن مع، هذه الأوضاع الاقتصادية، المتردية المستفحلة يوماً بعد يوم، بدأت طبول الحرب تقرع، القواعد الأمريكية، تستنفر ، في سوريا والعراق ، يتدفّق السلاح، والجنود ، وحوامل الطائرات إلى البر والبحر، تحت مسمى مواجهة إيران، وقطع الطرق أمامها، حتى لا تصل إلى المياه الدافئة ، من الحدود الشرقية مع العراق، إلى الحدود الجنوبية مع الأردن، حيث منابع النفط والغاز، والثروات المعدنية الثمينة، التي يسيل لها اللعاب. ولكن ما يشغل الذهن، هو السؤال: لماذا هذا التسخين العسكري الأمريكي في هذا الوقت بالذات، والوضع الاقتصادي السوري منهار، والتذمر الشعبي يصل إلى درجة الغليان؟

هل هي محاولة أمريكية- وغير أمريكية -ثانية، لإنقاذ النظام، على قرع طبول الحرب، وإعطاء ذريعة للنظام والحليف الإيراني لضرب أي تحرك شعبي، ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية وبحجة مواجهة الاحتلال الأمريكي؟؟

في المشهد السياسي الدولي لا يظهر، ولا يوجد أية نية دولية- حالياً- لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وتنفيذ القرار الأممي ٢٢٥٤، هذا يعني أنّ الأمر(التسخين العسكري الأمريكي ) لا يتجاوز حد، تنبيه إيران بعدم تجاوز الحدود المرسومة لها، وليس إنهاء وجودها في سوريا، وهي التي تركت يد ايران، تتغلغل في المنطقة، إضافة إلى مواجهة روسيا في سوريا ومساومتها، ومقايضتها على قضايا وأزمات أخرى، الأزمة الروسية، الأوكرانية نموذجاً، وتحقيق انتصارات سياسية، قبل الانتخابات الأمريكية القادمة، ولن نستبق الأحداث، فيما لو أنّ أمريكا لديها مشاريع تقسيمية، علماً أنّ أصواتاً من داخل المطبخ السياسي الأمريكي، تخرج، عن احتمال انسحاب أمريكي من سوريا قبل الإنتخابات ٢٠٢٤.

تجربة إثنتي عشرة سنة، خبّرت الشعب السوري، وعجنته ، من أنّ الدول المتداخلة في شأن بلاده، تتحالف، وتتصارع على ثرواتها، ولا تريد خيراً له ، حتى أصبحت السيادة الوطنية في خطر ، لذلك يعيد حساباته، من جديد، ينتقد الأخطاء، يلملم ذاته، يضبط شعاراته، ويوجّه بوصلة تحركه القادم، دون الانجرار إلى وعود الدول العربية، والإقليمية والدولية البعيدة.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “311”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى