شرق الفرات بين الباتريوت والـ S400
مروان عيدي
بعد إعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و قوات سوريا الديمقراطية QSD النصر على تنظيم داعش الإرهابي من حقل العمر في ديرالزور بعد هزيمة الأخير في آخر معاقل إرهابه التي طالت سوريا والعراق منذ سنواتٍ , لم يعلن التحالف مغادرته للمنطقة برمّتها بل أعلن أكثر من مرة وعلى لسان مسؤوليه الرسميين عن دواعي استمرار وجوده ليس لمحاربة الإرهاب وإنهاء وجوده عسكرياً وحسب, بل لضمان عدم عودته مجدّداً وتجلّى ذلك في تأكيدات جيمس جيفري في أكثر من محفلٍ بأنّ الاستراتيجية التي تتبنّاها أمريكا هي ضمان عدم عودة النظام للمنطقة والتي تتمثّل بعودة إيران وميليشياتها.
الأمر الذي يمنح تطمينات لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD وقوات سوريا الديمقراطية باستمرارية نفوذها وسيطرتها العسكرية الأمر الذي يدفع بهذه القوات إلى الاستمرار في تجاوزاتها وكبتها للحريات وممارسة النشاط السياسي وتشديد قبضتها على عموم الشعب الكُردي وسوق أبنائه إلى معسكراتها بحجة التجنيد الإجباري والاستمرار في اعتقال المناضلين ونفي آخرين استكمالاً لممارساتهم منذ سنواتٍ.
من جهةٍ أخرى تأخُّر أمريكا والتحالف الدولي في فرض مشروع المنطقة الآمنة على الحدود بين كُردستان سوريا وتركيا وبعمق 32 كم كما صرّحت بذلك مراراً نتيجة لتعثّر المفاوضات بين تركيا وأمريكا بخصوص إدارة هذه المنطقة والأطراف المشاركة فيها والإدارة المدنية المزمع إنشاؤها والقوة العسكرية التي ستديرها كذلك الدول التي ستشرف عليها تشجّع الاتحاد الديمقراطي على تكريس ممارساتها والاستمرار بها.
فالمنطقة المزمع إنشاءها تريدها تركيا حسب مقاساتها وتطلعاتها وبإدارتها بحكم الجغرافيا ودورها في الملف السوري وحمايةً لأمنها القومي, من جانبها أمريكا لا تستطيع تجاهل مخاوف الشعب الكُردي وحركته السياسية وكذلك مخاوف بعض القوى الإقليمية من الطموح التركي وتريدها بإدارةٍ دوليةٍ وتسعى لمشاركة كلٍّ من فرنسا و بريطانيا وأستراليا.
تأخُّر إنشاء المنطقة الآمنة بمجمله يرتبط بخلافاتٍ أعمق ممّا سبق وجوهر الخلاف يتجلّى في محاولات أمريكا وحلفائها في حلف الناتو بإقناع تركيا بالعدول عن شراء صفقة صواريخ S400 من روسيا وإقناعها بشراء منظومة الباتريوت الأمريكية وإنّ الاستمرار في التعنت التركي سيضعف احتمال شراء تركيا لمقاتلات F35 من لوكهيد مارتن الأمريكية وقد يؤدّي إلى عقوباتٍ من جانب واشنطن.
كلُّ ما سبق يوحي بأنّ مصير منطقة شرق الفرات وإمكانية فرض المنطقة الآمنة مرهون بالتوافق الأمريكي التركي والحلول السياسية المنوطة باتفاقاتهم, لذا يُرى أنّ ممارسات سلطة الوكالة بين مد وجزر تشتدّ وطأتها حيناً وتخبو أخرى كونها ذات مرجعية سياسية وعسكرية براغماتية وتتجنّب طموحات وتوجّهات الشعب الكُردي القومية.
إذا تخلّت تركيا عن صفقة الصواريخ إرضاءً لأمريكا وحلفائها فسيكون لها الدور الأساس في هذه المنطقة وبالتالي ربما المنطقة الآمنة تكون بإدارتها أيضاً . حينها لن تتخلّى سلطة الاتحاد الديمقراطي بسهولةٍ عن مكاسبها وقد احتاطت لهذا الأمر بحيث ستجعل من عموم شعبنا في هذه الجغرافيا كدروعٍ بشريةٍ كونها قامت بحفر الخنادق والأنفاق الأمر الذي سيؤدّي إلى كارثةٍ بشريةٍ وبنيويةٍ فيما لو كان خيارهم الحرب حينها ولن يكون للشعب الكُردي سوى ملاجئ ومخيّمات اللجوء في جنوب وشمال كُردستان.
وإن لم ترضخ تركيا لمطالب التحالف الدولي احتراماً لسيادتها ولغرور سلطانها حينها ستخسر أمريكا حليفاً في سعيها لفرض عقوبات وحصار اقتصادي وعسكري على إيران وتحجيمها في المنطقة حينها قد تلجأ أمريكا إلى تشكيل إدارةٍ جديدةٍ وإعادة تأهيل حزب الاتحاد الديمقراطي سياسياً وعسكرياً ودعم حزب العمال الكردستاني أيضاً لاستمرار الضغط على تركيا بعكس ما صرّح به منذ أيامٍ مبعوث الرئيس الأمريكي جيمس جيفري بأنّ المنطقة الآمنة سنقوم بفرضها واستبعاد قوات الحماية الشعبية منها.
كلّ هذه الملفات والصراعات لابدّ أن تدفع بالمجلس الوطني الكُردي إلى التحرك بديناميكيةٍ أكبر لإظهار حقيقة الأمر, لأنها إن لم تكن قوة سياسية وعسكرية ذات فاعلية فلن تكون جزءً أساسياً من تلك الحلول التي يتمّ تداولها في إطار الحل السياسي النهائي في سوريا على الرغم من وجودها في موقعها الطبيعي في المحافل الدولية والمحطات التي يتمّ فيها مناقشة الدستور والحل النهائي في سوريا.