شنگال (سنجار) Şengal من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن العشرين
علي شيخو برازي
لا يخلو كتابٌ من كُتب التاريخ الإسلامي، وغير الإسلامي, بالإضافة إلى الكتب السماوية ودواوين الشعراء, من ذكر مدينة سنجار وموقعها الحصين وجمال طبيعتها ووفرة مياهها, فكانت دائمة الحياة والنشاط العمراني والتجاري, ولهذه المزايا كانت مسرحاً لكثيرٍ من الحروب عبر التاريخ, ورغم ما لحقها من ظلم وجور وخراب, لا تزال صامدة أبية تلملم جراحها بعد كلّ محنة .
اختلف المؤرّخون على تسمية هذه المدينة التاريخية, فمنهم من نسبها لاسم بطل أسطوري, ومنهم من نسبها لشخص كان يحمل نفس الاسم, والعرب، حسب رواياتهم ، نسبوها إلى شخص من ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام, ومنهم من نسبها للآشوريين, وكلها روايات بعيدة عن العقل والمنطق, وعلى العموم، اسمها الحالي مشتق من اسمها القديم, والذي حرف وفق اللفظ العربي إلى سنجار, عرفت عند البابليين والآشوريين باسم (سنگارا, وورد اسمها في التوراة ( شنغار ) . وهناك رواية كُردية تقول : شنكار أو شنكاري, باللغة الكُردية تعني: عمل الزراعة, حيث كلمة (شنگ) تعني الجميل وكلمة (كار) تعني العمل, أي العمل الجميل, ويقصد به العمل الزراعي، وهناك رأي يقول: إنّ أصل الاسم هو من (زنگار) والتي تعني باللغة الكُردية الزنجار، نسبةً إلى جبلها الذي يتلألأ عندما تشرق الشمس عليه, لوجود الكثير من المعادن في الجبل, وخاصةً مادة الحديد.
وأخرى تقول : إنّ اسم سنجار اسم محرف من الكلمة المركبة (شنگال)، وهي مركبة من كلمتين (شنگ) أي الجميل، و(آل) أي الجهة، وتعني الجهة الجميلة باللغة الكُردية .
وأعتقد أنّ اسمها الحالي باللغة الكٌردية ( شنگال ) هو تحريف لاسم سنگارا أو شنغار, فحرفا اللام والراء قريبين من بعضها لفظاً في اللغة الكُردية , ولعدم وجود حرف الغين بالأبجدية الكُردية تلفظ الغين ( گ ) .
شنگال كما غيرها من المناطق الكُردية في الجزيرة الفراتية, بخصوبة أرضها ووفرة مياهها كانت تشكّل أغنى أراضي بلاد الرافدين, بالإضافة لجبلها الذي يعدّ أعظم جبل في الجزيرة الفراتية ؛ لذلك كان محطّ اهتمام البلدانيين والمؤرخين, ( قيل أنّ سيدنا نوح، عليه السلام ، كان قد باركه عندما نطحت سفينته به بقوله : ليكن هذا الجبل مباركاً, كثير الشجر والماء ) (1)،
وقد كانت مسرحاً لكثير من الحروب لموقعها الاستراتيجي, ووقوعها على طريق القوافل بين الموصل وحلب وغيرها من مدن بلاد الشام, وقلعة منيعة بموقعها الجغرافي , لذلك كانت تشكّل حداً فاصلاً بين الفرس والروم قديماً, تناوبت عليها الكثير من الإمبراطوريات والدول, وهذا ما جعلها غنية بمعتقداتها ولغاتها وثقافاتها, بحكم إرثها التاريخي العريق, وكانت من أهم مدن الجزيرة الفراتية في عصر الدولة الإسلامية العربية,( فابن الأثير في معرض كلامه على امتلاك صلاح الدين الأيوبي مدن الجزيرة قال: إنّ جميع ما ملكه صلاح الدين في أرض الجزيرة استقرّت بملك سنجار ؛ لأنّ سنجار كانت على الجميع كالسور.
والسبط. ابن الجوزي كان قد أورد نصاً يستنتج منه , أنّ سنجار كانت في بعض مزاياها الطبيعية تضاهي مدينة دمشق ) . (2)
قال عنها ابن شداد ،الذي عاش في القرن السابع الهجري : ( فإنّ سنجار لم تزل مضافة إلى من يلي ديار ربيعة والموصل, فلما أن خرجت عن أيدي بني حمدان في سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة انتقلت إلى أمراء بني عقيل ملوك الموصل ) (3)
وكانت فترة حكم الحمدانيين أسوأ فترة مرّت على أهل شنگال, تدهورت فيها الأوضاع، وعمّ الخراب على المدينة وقراها, لكثرة الضرائب التي فرضت على الناس, كلّ ذلك كان نتيجة حاجة الحمدانيين لإرضاء العباسيين من جهة, ولسدّ نفقات حروبهم وبذخهم وترفهم من جهة أخرى , عدا الخراب الذي حصل نتيجة غارات القرامطة على سنجار, وعلى باقي مدن الجزيرة الفراتية أثناء حكم الحمدانيين .
ثم وقعت بأيدي العقيليين حكام الموصل, وفي نهاية الحكم العقيلي ذكر د. حسن شميساني في كتابه (مدينة سنجار) أنّ أبو سالم إبراهيم بن قريش عزم أخذ البلاد من ابن أخيه محمد بن شرف الدولة بن قريش, ( فجمع العرب والأكراد وحاربه وتغلّب عليه ) (4)
ففي فترة حكم العقيليين دُمّرت شنگال دماراً كاملاً, وسويت المدينة بالأرض, ثم كانت من أهم مدن الدولة الزنكية, وملجأ ومقراً لعماد الدين الزنكي, ومكاناً أميناً لسجلاته ودواوينه وأمواله, وبقيت بأيدي الزنكيين إلى أن أخذها صلاح الدين الأيوبي, بالاتفاق مع أمير كُردي من عشيرة الزرزارية التي كانت في شنگال, فأثناء سيطرة الدولة الأيوبية على سوريا والقسم الغربي من كُردستان, سار صلاح الدين إلى فتح الموصل, بعد قتال شديد تركها, ( فرحل عنها إلى سنجار فأنفذ (مجاهد الدين) عسكراً , فمنعه (الملك الناصر) من الوصول، وحاصر سنجار, فسلّمها إليه أمير من الأكراد الزرزارية, وكان في برج من أبراجها فسلّم إليه تلك الناحية.) (5)
وترك فيها سعد الدين بن معين الدين أنر نائباً عنه, وبقيت شنگال في إدارة الدولة الأيوبية إلى أن انهارت على يد التتار.
عند دخول المغول إلى الجزيرة الفراتية, ارتكبوا الفظائع بحق أهملها, وكان لأهل مدينة شنگال وما حولها النصيب الأكبر من هذه الجرائم, يقول ابن الأثير: ( ثم وصلوا إلى نصيبين الجزيرة, فأقاموا عليها بعض النهار، ونهبوا سوادها, وقتلوا من ظفروا به, وغلقت أبوابها, فعادوا عنها, ومضوا إلى بلد سنجار, ووصلوا إلى الجبال من أعمال سنجار, فنهبوها ودخلوا إلى الخابور, فوصلوا إلى عرابان, فنهبوا, وقتلوا, وعادوا. ) (6)
الكثير من القبائل الكُردية لا تعرف اليوم باسمها القديم, نتيجة تفرعها مع الزمن, وانتقالها إلى مناطق أخرى ؛ كونها كانت قبائل بدوية, ومن هذه القبائل: قبيلة الزرزارية الكُردية التي كانت حتى العهد الأيوبي في نواحي شنگال, هذه القبيلة التي لعبت دوراً كبيراً في حروب الدولة الأيوبية مع الصليبيين, وساندت هذه القبيلة صلاح الدين في شنگال كما أسلفنا, وشكّلت أحد أقسام الجيش الأيوبي .
ومن الرحّالة الذين زاروا الجزيرة الفراتيةو أشاروا إلى وجود الكُرد فيها, الرحّالة المغربي ابن بطوطة، الذي زار مدينة شنگال وشبّهها بدمشق من حيث البساتين والأنهار: ( مدينة سنجار, وهي مدينة كبيرة كثيرة الفواكه والأشجار والعيون المطردة والأنهار , مبنية في سفح جبل , تشبه دمشق في كثرة أنهارها وبساتينها , ومسجدها الجامع مشهور البركة, يذكر أنّ الدعاء به مستجاب, ويدور به نهر ماء ويشقّه . وأهل سنجار أكراد, ولهم شجاعة وكرم, وممن لقيته بها الصالح العابد الزاهد عبد الله الكُردي أحد المشايخ الكبار صاحب كرامات ) (7)
أما الرحّالة التركي أوليا چلبي فقد وصف قلعة شنگال وأهلها على النحو الآتي: ( إنّ البنّاء الذي بنى هذه القلعة, بناها على شكل قلعة معرّة النعمان, فهي قلعة قوية ومحكمة على جبل عالٍ من غير خنادق . والقلعة ذات أضلاع خمس ولها منفذ واحد, ومحيطها يبلغ (7000) خطوة, وفي داخليها يوجد ثلاثمائة بيت من الطين فحسب, وسكانها من الكُرد والأعراب, وهي مركز قضاء تابع لديار بكر, ولها آمر الفوج ورئيس الانكشارية وقائد وآمر القلعة مع مائة من الجند, ويأخذون الأوامر من (بگ) ماردين, وفيها كمية كافية من العتاد والمدافع الصغيرة, وليس فيها غير مسجد واحد. وفي أراضيها الوعرة المليئة بالحجارة, توجد بساتين جيدة تنتج فواكه لذيذة تعادل فواكه (عنتاب) , مثل العنب الحلو والطري.
وتقع قلعتها وسط صحراء واسعة, تسميها القبائل العربية ببلاد ربيعة, تسكنها قبائل: (گيسي) و (طي) العربية, وفي هذه الصحراء لا توجد أراضي أعلى من قلعتها. ويصنع سكانها الخبز من الذرة, وفيها العسل الأبيض اللذيذ, تقع هذه القلعة جنوب قلعة (نصيبين), ومن هنا إلى الموصل, تبلغ المسافة مرحلتين سريعتين أو ثلاث مراحل مريحة, وينبع من تحت صخور هذا الجبل وسفوحه, حوالي 70 – 80 ينبوعاً من الماء, تتجه بعد إرواء (بلاد ربيعة) إلى الغرب, حتى تصبّ في نهر الفرات . ويتابع : كان (مصطفى باشا فراري) مع جيشه قد نصب خيامه على أحد جوانب قلعة سنجار, دون أن يعيره أحد من 45 ألفا من الكُرد الأيزيدية والبابيرية, أي اهتمام ودون أن يخجلوا أو يخافوا منه, ولم يرسلوا له حتى هدية بسيطة, وكان الباشا قد غضب بسبب ذلك كثيراً, وقال لي ( لقد علمت يا أوليا چلبي, بأنّ ملك أحمد باشا () أيضاً عندما قدم إلى هنا في إحدى المرّات لم يهتم به هؤلاء . ) (😎 ويقول الچلبي عن شجاعة كُرد شنگال : ( أما الناس هنا فهم قصار القامة على الأكثر, ورؤوسهم مدورة وأعناقهم قصيرة, وكأنّ رؤوسهم خارجة من بين أكتافهم, وأكتافهم عريضة, أما صدورهم المليئة بالحقد فهي واسعة (), خصورهم رفيعة, أما زنودهم وأفخاذهم فهي ثخينة وما بين أرجلهم منفرجة, أنهم شجعان جداً ) (9)
وربما ما جاء في القاموس الفارسي عن معنى كلمة (سَنجَر) : طير جارح . هو أقرب تشبيه لصفات أهل شنگال . (10) , ويعتقد بعض كُرد شنگال أنّ كلمة سنجار كلمة فارسية ، وهو اسم طير من الطيور الجارحة (الصقر) وهذا الطير قوي ويحدث صوتاً عندما ينقضّ على فريسته , وأهل شنگال لديهم صفات الشجاعة ويمتلكون بنية قوية تميّزهم عن باقي سكان الجزيرة الفراتية , ويعتقد أنّ التسمية آتية من اسم هذا الطير الجارح.
والكُردي الأيزيدي الذي يشكّل الغالبية في منطقة شنگال, عاش في إمارته شبه المستقلة طوال تاريخه في شنگال, منذ إعلان عقيدته حتى نهاية العهد العثماني, وخلق الكثير من المشاكل والمتاعب للسلاطين والحكام ؛ نتيجة تمرّده وعصيانه في منطقته الجبلية المنيعة, وأثّر على محيطه من عرب وسريان وغيرهم, من الناحيتين اللغوية والعقائدية, ( ومع مرور الزمن استطاع أن يفرض ما هو عليه من معتقدات وتقاليد , وينجح بالتالي في إضفاء الصبغة الكُردية على غالبية السكان, مع الإبقاء على أقلية ضئيلة من العرب الأصليين , استطاعت أن تحافظ على عنصريتها ، ولم تختلط بهم أو بغيرهم، وإن أصبحت توصف في كثير من الأحيان بالكُردية ) (11) فهناك عدد غير قليل من العشائر المسلمة, كُردية وعربية تأثّرت بعقيدتهم وأصبحوا على عقيدة الأيزيدية اليوم, كالعشائر التي يقال أنها من أصول عربية مثل : الشهوان وهبابات وعمرا .
أما عن العشائر الكُردية المسلمة في شنگال فيقول الدملوجي : ( بعد أن طغت اليزيدية على جبل سنجار، واكتسحت الديانتين النصرانية والإسلامية, بقي للإسلام أثر ضئيل جداً وهؤلاء لم يحافظوا على بقائهم بقوة السيف, بل بانضوائهم إلى العشائر اليزيدية الوافدة ودخولهم تحت حمايتهم, (الباباوات) في البلد وفي بعض القرى المجاورة له . وعشيرة كلب علي وعبد علي وبيت ناصو والهلالية, الذين ظلّوا عائشين مع عشيرة ( الموسقورة) واستسلموا لهم وشاركوهم في سرائهم وضرائهم, ويحتمل أن قد بقي في الجبل غير هذه العشائر ، واندمجوا في اليزيدية وضاع أثرهم .) (12) .
قبائل منطقة سنجار:
قبائل وعشائر منطقة شنگال لهم تاريخ عريق في ديارهم, ففي العهد العباسي كانت القبائل الكُردية موجودة في نواحي الموصل وشنگال, يقول خاشع المعاضيدي في كتابه “دولة بني عقيل في الموصل” : ( من بين القبائل الكُردية التي سكنت بجوار الموصل في القرنين الرابع والخامس بعد الهجرة, الحميدية, والهذبانية, والرواذية, والمروانية ) (13) وذكر أوليا ﭽلبي قبيلة الباپيرية في النصف الأول من القرن السابع عشر كما مرّ معنا, ومع مرور الزمن تغيّرت أسماء هذه القبائل بحكم تفرعها وتوسعها في الجزيرة الفراتية, حيث امتداد قسم من عشائر شنگال إلى الحسيچه (الحسكة) غرباً والقامشلي في الشمال الغربي , وأغلبهم من الطائفة الأيزيدية, وذكر كارستن نيبور خلال رحلته من الموصل إلى ماردين عام 1764م, قبائل جبل شنگال: ( أهم قبائل أو عائلات جبل سنجار : الگابارية, شنانية, جنوية, حركية, وذنيدي *), وتتبع أولى العائلتين الديانة الإسلامية . ) (14) والگابارية تسكن اليوم في منطقتي: ديريك وعامودا.
وذكر العشائر الكُردية المسلمة والأيزيدية له أهمية تاريخية, كون هذه العشائر تعيش اليوم على جانبي الحدود العراقية السورية, والتركية السورية . على سبيل المثال ( داسكان : عشيرة يزيدية قوية تسكن جبل داسكان قريباً من نصيبين, يتزعّمها أناس من عشيرة ” الجلكا ” ويوجد منهم جماعة كبيرة في قرية ” مرگفتي ” و ” تلبسبي “* في قضاء القامشلي في سوريا ومنهم في سنجار. ) (15)
وعشيرة ” جلكا ” تعتبر من العشائر العريقة في مناطق : جزيرة بوتان وماردين وطور عابدين, ذكرها شرف خان البدليسي ضمن سكان ناحيتي طور وهيثم : ( وأكثر سكانها من الأرمن والنصارى, وترد منها جلّ حاصلات وغلال لحكام الجزيرة, وتقطنها قبيلة ” جلكا ” أيضاً. ) (16) وفي موضع آخر ذكرها ضمن عمدة قبائل أمارة ” حسن كيف ” (17) وعشيرة چيلكان في برية ماردين, فروعها: داسكان, كلكان, ماملان.
العشائر الكُردية كانت رحالة أو نصف رحالة قبل القرن العشرين, ولهذا تجد أنّ لكل عشيرة فرع أو أكثر في المناطق الكُردية الأخرى .
بالإضافة إلى وجودهم داخل الحدود التركية والسورية والعراقية السورية , سواءً العشائر المسلمة أو الأيزيدية . فالعشائر الأيزيدية في منطقة شنگال ترى لها فروع في رأس العين ضمن الاتحاد المللي مثل : شرقيان – دنان – خالدان – مروان وقوبان (18) .
وهناك وجود للعشائر الأيزيدية, مثل : دنان ورشوان في منطقة كوباني بين البرازية, وفي منطقة عفرين, وكذلك لقبيلة الرشوان الكبيرة وجود في الكثير من قرى مناطق: الجزيرة , كوباني, عفرين , بالإضافة لوجودهم في أغلب المحافظات السورية .
ومن العشائر الكُردية المسلم في شنگال والتي لها فروع في الجانب السوري : ( الباباوات – كلب علي – عبد علي – ناسو – الهلالية – الموسقوره والخاتونية ) . (19) بعد ذكر القبائل الكُردية من الطائفتين الأيزيدية والمسلمة, وكون الكُرد يشكّلون الغالبية في منطقة شنگال, فلا بدّ لنا أن نذكر أهم مشاهير الكُرد في شنگال, الذين كان لهم دوراً كبيراً في تاريخ بلاد الشام من الناحيتين: الدينية والسياسية والثقافية .
أشهر الشخصيات الكُردية في تاريخ منطقة شنگال :
1 – الشيخ أبو البركات شيخ الأكراد
قال السخاوي بعد أن تفرّق أولاد صخر بن مسافر: (أقبل إليهم العباد فنزل منهم بالموصل, الشيخ شمس الدين الحسن بن أبى المفاخر, عدى بن أبى البركات بن صخر أخو عدى بن مسافر الملقب بتاج العارفين أبى محمد شيخ الأكراد, وجده هو أخو عدى بن مسافر, كان من رجال العلم دهاء ورأيا وحزما, وله فضل وأدب وله أتباع ومريدون يبالغون فيه, توفى شهيداً في سنة أربع وأربعين وستمائة وله من العمر ثلاث وخمسون سنة, قتله صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ, وقد نزل الشيخ أبو البركات ابن صخر أبو هذه الذرية عند عمه عدى بن مسافر بالمكان المعروف بلالش في جبل الهكارية من أعمال الموصل . (20)
2 – شيخ مشايخ الإسلام زين الدين أبى المحاسن
ذكر نور الدين علي بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي الحنفي , في كتابه تحفة الأحباب وبغيت الطلاب , عن الشيخ زين الدين أبي المحاسن : ( وفى قبلي هذه التربة والرباط تربة الشيخ الصالح العارف المحقق الرباني شيخ مشايخ الإسلام, زين الدين أبى المحاسن يوسف ابن الشيخ شرف الدين محمد بن الحسن بن الشيخ أبى البركات بن صخر بن مسافر ابن إسماعيل بن موسى بن الحسن بن مروان بن الحسن بن مروان بن الحكم ابن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي الأموي نزيل القاهرة ., توفى سنة سبع وتسعين وستمائة, وبناء هذه التربة والقبة التي على ضريحه, من أعاجيب البناء ووافق الفراغ من العمارة في ربيع الأول سنة خمس عشرة وسبعمائة, ( وقد حكى ) الأزهري : أنه كان له بداية ونهاية وسياحة وتجريد وتحقيق وتدقيق ومعرفة تامة, في طريق القوم وكان من كبار الصالحين في عصره, وقيل إنه يعرف بصاحب الحورية أيضاً, وقد تقدّم ذكر صاحب الحورية من أولاد السيد الشريف ابن طباطبا البصري .) (21)
3 – الشيخ عز الدين بن الشيخ زين الدين أبو المحاسن يوسف
( قدم الشيخ زين الدين أبو المحاسن يوسف, إلى بلاد الشام فأكرم وأنعم عليه بأمرة, ثم تركها وانقطع على هيئة الملوك من اقتناء الخيول المسومة والمماليك والجوارى والملابس والغلمان, وعمل الأسمطة الفاخرة, فخاف على نفسه فترك ولده الشيخ عز الدين هناك, ودخل إلى القاهرة وأقام بها فأكرم بها, ثم أنّ ولده عز الدين اتسعت عليه النعمة, فافتتنت به بعض نساء الطائفة القيمرية وبالغت فى تعظيمه, وبذلت له الأموال الكثيرة وصار جماعتها يلومونها فيه فلا تصغي إلى قولهم بل تزداد فيه اعتقاداً.
فلما كان في بعض الأيام أتاه الأمير الكبير علم الدين سنجر الدوادار ومعه الشهاب محمود, فإذا هو كالملك في قلعته للتجمل الظاهر والحشمة لزائدة والفرش الأطلس والآنية الذهب والفضة والصيني, وغير ذلك من الأطعمة الملونة والأشربة المختلفة, ولما دخل عليه الأمير سنجر المذكور قبل يده وهو جالس لم يعبأ به, وصار قائماً هو والشهاب محمود بين يديه يحدثانه إلى أن أذن لهما بالجلوس, فجلسا على ركبهما متأدّبين فلما أرادا الانصراف أنعم عليهما بما يقارب الخمسة عشر ألف درهم .
ثم بعد ذلك أنعم على الشيخ عز الدين بأمرة بدمشق, ثم انتقل إلى إمرة بصفد ثم أعيد إلى دمشق, وترك الإمرة وانقطع وتردّد إليه جماعة من الأكراد من كل قطر, وحملوا إليه الأموال ثم أنه أراد أن يخرج على السلطان بمن معه من الأكراد, واشتروا العدد والسلاح والخيول ووعد رجاله بنيابات البلاد, ونزل بأرض الجون فبلغ ذلك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون, فكتب إلى الأمير تنكز نائب الشام, فكشف أخبارهم وأمسك السلطان من بهذه الزاوية من الفقراء العدوية, واختلفت الأخبار في خروجهم, فقيل يريدون سلطنة مصر وقيل يريدون اليمن, وحصل للسلطان من ذلك قلق عظيم ثم جاءه الخبر بعد أيام بأنّ الأمير تنكز نائب الشام قبض على عز الدين المذكور, وسجنه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة إلى أن مات.
وتفرّقت الأكراد, وهذه الواقعة كانت بعد موت الشيخ زين الدين يوسف المدفون بهذه التربة بأربعين سنة فقد .
ظهر بهذه الحكاية أنّ الشيخ عدى بن مسافر لم يكن بمصر ولا بالقرافة بل هذه الذرية من أولاد أخيه صخر, والشيخ عدى يعرف بالأعزب (وبهذه التربة) قبر بايوان شرقى باب القبة, به الشيخ الصالح العارف بهاء الدين أبو الفتح محمد بن أحمد العدوى, أحد خلفاء الشيخ الصالح زين الدين أبى المحاسن يوسف, توفى في ثالث عشر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.) (22)
4 – عز الدين بن يوسف الكُردي العدوي
أمير لواء أكراد حلب في أواخر الدولة الجركسية, وأوائل الدولة العثمانية.
كان من طائفة ينتسبون إلى الشيخ عدي بن مسافر, رضي الله عنه, ويعرفون ببيت الشيخ مند, الذي كان يأتيه من لدغته الحيّة, فيطعمه من خبز رقى عليه ونفث فيه, فيأكله فيبرأ بإذن الله تعالى .
كان الأمير عز الدين شهيراً بهذه الخاصية بين الأكراد, مع إدمانه على شرب الخمر, وقتل النفوس سياسة, وكان لهم غلو زائد فيه حتى يلقبونه بالشيخ عز الدين, وربما قيل للواحد منهم : أنت من أكراد ربنا أو أكراد عز الدين ؟ فيقول : بل أنا من أكراد عز الدين .
وكان شيخاً معمراً يصبغ لحيته بالسواد وله شامة, ووصلة أكيدة بخير بك كافل حلب في آخر الدولة الجركسية .
وفي أيامه كان صلب الأمير حبيب بن عربو تحت قلعة حلب, وذلك أنه كان بين الأمير عز الدين وبيت عربو, وهم طائفة معتبرة من أمراء قصير, عداوة بيّنة من جهة الدنيا, وكذلك من جهة الدين, لأنّ ابن عربو كان من أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم, وبيت الشيخ مندو كانوا يزيدية, فكان يغدر بهم حتى سعى في قتل جماعة منهم كالأمير حبيب وأخيه الأمير قاسم, وكان قتله بالباب العالي السليماني, عن عرض عرضه أحمد باشا المشهور بقراجا باشا أول من كان باشا بحلب, في الدولة العثمانية السليمية, وذكر فيه أنه جمع بين تسعة نسوة في زمن واحد بمكر الأمير عز الدين به عنده .
وهذا الحوض الكبير الكائن داخل باب آغيول (*) من إنشاء الأمير عز الدين , وكان يزعم أنه عمّره من حلال مال والده, توفي الأمير عز الدين سنة 940 للهجرة (23) .
بدر الدين الزراري
بدر الدين الزراري, يوسف بن الحسن بن علي أبو المحاسن : قيل أنه كان رئيساً جليلاً ممدوحاً موصوفاً بالكرم والرياسة لا ينازع في ذلك . وأنّ الأحوال تنقل به فكان أول أمره بسنجار والبلاد الشرقية في الجزيرة الفراتية . كانت له خطوة ووجاهة عند الملك الأشرف موسى بن العادل الأيوبي . قيل أنّ الأشرف ولّاه القضاء في بعلبك ونواحيها, فكان القضاة هناك نوابه . وكان يكنّى في كتاباته ورسائله بأبي العز, له مماليك وحاشية . كما كانت له أبهة الوزراء الكبار لهيبته وحسن زيه .
علماً أنه لعب دوراً في أحداث سنجار في زمنه, فحفظها من عبث الخوارزمية .
كما استطاع جلب هؤلاء إلى صف الملك الصالح نجم الدين أيوب ضد خصمه صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ, نعته الذهبي في تاريخه بالوزير الكامل قاضي القضاة , وقال : إنه مات في سنة 663 هـ بمصر.
وأفاد ابن الكثير في تاريخه في حوادث سنة 663 هـ قال : قال أبو شامة : أن سيرة بدر الدين كانت معروفة في أخذ الرشا من قضاة الأطراف والمتحاكمين إليه, إلا أنه كان كريماً وجواداً صودر هو وأهله .
ونوّه ابن شداد وأفاد أنّ القاضي بدر الدين اشتغل مدرساً في بعض أوقاته, ودرّس في عدة مدارس في بلاد مختلفة وكان من بينها مدرسة الأمينية بدمشق . (24)
برهان الدين الزراري
هو الخضر بن الحسن بن علي قاضي قضاة الوزير , أخو بدر الدين السالف الذكر, ولد في عام 1229 م / 626 هـ . قيل أنه ولي قضاء مصر أيام الملك الظاهر بيبرس . ذكره السكبي وقال : أنه عمل عليه عند الظاهر حتى عزله وحبسه وأهانه , وبقي معزولاً فقيراً . كان قد ولّي الوزارة أيام الملك السعيد في مصر, عندما خلف بهاء الدين بن حنا في عام 1279 م .
عرف عنه أنه كان يحسن إلى من يسيء إليه وكانت له مكانة ومروءة تامة . يقال أنه مات مسموماً وذلك عام 1287 م . (25)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – مدينة سنجار من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني, د. حسن شميساني, ص 20 , دار الآفاق الجديدة, بيروت – لبنان, الطبعة الأولى ب1983 م .
2 – نفس المصدر , ص 22
3 – الأعلاق الخطيرة, ابن شداد, الجزء الثالث, ص 160, منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي, دمشق 1978
4 – مدينة سنجار من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني, د. حسن شميساني, ص 97 .
5 – زبدة الحلب من تاريخ حلب, ص 389
6 – الكامل في التاريخ, ابن الأثير ص 12/ 500, بيت الأفكار الدولية, عمان – الأردن. دون سنة الطبع .
7 – رحلة ابن بطوطة, تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار, ص 246
* – قام ملك أحمد باشا والي ديار بكر عام 1640 م, بحملة تألفت من 40 ألف جندي على شنگال ( سنجار) حسب رواية الچلبي قتل في هذه الحرب 700 جندي من الأتراك, و3000 من كورد شنگال.
8 – رحلة أوليا چلبي في كوردستان 1655, ص 85-86, ترجمة رشيد فندي, الطبعة الأولى مطبعة خاني, كوردستان – دهوك 2008 .
* – يبدو أن الچلبي يتبنى موقف حكام الأتراك من أهل سنجار ! .
9 – نفس المصدر, ص 90
10 – قاموس فارسي عربي, ص 302, فارس كسرائي, الدار العربية للموسوعات, الطبعة الأولى 2014 بيروت – لبنان .
11 – مدينة سنجار من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني, د. حسن شميساني, ص 249 .
12 – اليزيدية, صديق الدملوجي, الموصل – العراق , مطبعة الاتحاد 1949 . ص 238
13 – دولة بني عقيل في الموصل, ص 184, خاشع المعاضيدي, مطبعة شفيق بغداد 1968
* – ذنيدي, المقصود بها هي عشيرة دناي الأيزيدية .
14 – رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وبلاد أخرى , ص 299
15 – اليزيدية, صديق الدملوجي, ص 246
* – هي قرية : بلدة تربه سپي التي تقع شرق مدينة القامشلي على طريق ديريك .
16 – شرف نامه , شرف خان البدليسي, الجزء الأول , دار الزمان, دمشق – سوريا, الطبعة الثانية 2006, ص 144
17 – نفس المصدر, ص 171
18 – عشائر الشام, أحمد وصفي زكريا, دار الفكر, دمشق سوريا , الطبعة الثانية. ص 664 .
19 – مدينة سنجار من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني, د. حسن شميساني, ص 265 .
20 – تحفة الأحباب وبغيت الطلاب, نور الدين علي بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي الحنفي, الناشر مكتبة الكليات الأزهرية, الطبعة الثانية , القاهرة 1986 م . ص 168 .
21 – نفس المصدر . ص 167 .
22 – نفس المصدر . ص 169 .
23 – درر الحبب في تاريخ أعيان حلب, ابن الحنبلي, منشورات وزارة الثقافة, دمشق 1972 , ص 890 ج 1 .
* – أحدى محلات مدينة حلب.
24 – مدينة سنجار من الفتح العربي الإسلامي حتى الفتح العثماني, د. حسن شميساني, ص 299 .
25 – نفس المصدر, ص 300.