آراء

صراع الأقطاب على الشرق الأوسط انتهت بإزاحة القطب الروسي مجدداً عن المسرح

فؤاد عليكو

من المتعارف عليه أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد جاء إلى سدة الرئاسة الأمريكية في عام 2008 بالهجوم على سياسة الجمهوريين الخارجية مستغلاً الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها الكبيرة على الاقتصاد الأمريكي محملاً إدارة الرئيس السابق جورج بوش مسؤولية هدره لطاقات الاقتصاد الأمريكي في حروب خارجية لا طائل منها على حساب رفاه الشعب الأمريكي، معرباً عن أمله في حال فوزه أن يعيد النظر بهذه السياسة ويسحب الجيش الأمريكي من العراق ويهيئ المناخ الإيجابي لعلاقات دولية أكثر مرونةً وانفتاحاً وتعاوناً بين الشعوب، وقد تحقق له ذلك ونال جائزة نوبل للسلام عام 2009 مقابل هذه السياسة الجديدة، إضافة إلى سحبه للجيش الأمريكي من العراق.

لكن في الجهة المقابلة كان الدب الروسي الجريح ورئيسه بوتين رابضاً يراقب هذه السياسة الأمريكية الجديدة عن كثب ويتحين الفرصة لاستعادة هيبة روسيا التي فقدها بعد انهيار معسكره المسمى بالمعسكر الاشتراكي في تسعينيات القرن الماضي، حيث تحولت روسيا إلى دولة هامشية في المعادلة الدولية ومنهكة اقتصادياً، إلا أن بوتين طامح لإحياء دور روسيا في المحافل الدولية كقطب رئيس في المعادلة الدولية إلى جانب أمريكا نداً لند.

واستغلت روسيا الخلافات الإيرانية مع الغرب وأمريكا بشأن الملف النووي ونسجت علاقات قوية معها وساعدتها في بناء المفاعل النووي في ميناء بوشهر الإيراني على الخليج العربي وزودتها باليورانيوم، وكذلك ساهمت إلى حد بعيد في تطوير المراكز النووية الإيرانية الأخرى التي تعمل على تخصيب اليورانيوم المنضد وكذلك ساعدت على بناء منظومة إيران الصاروخية وتطوير صناعتها العسكرية، كل ذلك دون أي اكتراث باحتجاجات الغرب يقيناً منها بأن إيران القوية وواسعة النفوذ في الشرق الأوسط ستمكنها من تحقيق حلمها المفقود في استعادة دورها الدولي.

ثم تلا بعد ذلك قيام الثورة الشعبية السورية ضد طغيان النظام الأسدي في بداية عام 2011 والحليف التقليدي لروسيا في الشرق الأوسط منذ 1963 وحليف إيران الاستراتيجي بنفس الوقت فوقفت روسيا إلى جانب النظام بكل إمكاناتها السياسية والعسكرية منعاً لسقوطه من قبل الثوار إضافة إلى استخدامها 3 مرات حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يدين النظام السوري بالتنسيق مع حليفتها الًصين التي ندمت على موافقتها السابقة على قرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا والتي أطاحت بموجبها نظام القذافي المقبور، وبذلك تصدرت روسيا المشهد السياسي الدولي من البوابة السورية دون أي اكتراث بما يمارسه النظام من قمع وتنكيل وتدمير باستخدام الصواريخ والطائرات الروسية بحق الشعب السوري الأعزل، مستغلاً بنفس الوقت ضعف وتردد وتراجع أوباما، (أو لنقل كلاماً أخف)، انسجاماً مع سياسته التي أتى بها إلى كرسي الرئاسة الأمريكية، أي ممارسة سياسة النأي بالنفس في التدخل في الصراعات العسكرية الدولية منفرداً دون موافقة المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى لا تستوي عنده المعادلة فكيف يقوم بسحب قواته العسكرية من العراق في عام 2011 ومن ثم يعيدها إلى سورية في عام 2012؟. إنه موقف محرج حقاً لذلك لجأ أوباما عدة مرات إلى مجلس الأمن لانتزاع قرار منه بشأن التدخل العسكري في سورية بغطاء دولي لكن دون جدوى.

كذلك فشل مرتين متتاليتين في حل الأزمة السورية سياسياً على غرار ما حصل في اليمن وبالتنسيق مع مجلس الأمن والجامعة العربية وروسيا في جنيف1 وجنيف،2 وبالاعتماد على أكثر الدبلوماسيين الدوليين كفاءة ككوفي عنان والأخضر الإبراهيمي نتيجة دعم روسيا للنظام السوري في عدم قبول رأس النظام بالتنحي سبيلاً لمعالجة الأزمة. وهكذا أصبحت روسيا اللاعب الأبرز في السياسة الدولية في الشرق الأوسط طيلة الثلاث سنوات المنصرمة، وأصبحت موسكو قبلة الزوار والوفود الدولية للبحث عن مخرج للأزمة السورية المستعصية.

إلى أن برز تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش) الجناح الأكثر تطرفاً للقاعدة كقوة عسكرية إرهابية مخيفة تهدد باجتياح دول المنطقة بكاملها خاصة بعد احتلال الموصل وتكريت وسيطرتها على مساحة جغرافية واسعة في سورية والعراق بما فيها من منابع النفط الهامة في دير الزور والموصل وكذلك وصولها إلى مشارف بغداد في أيام معدودة، عندها توحدت المواقف الإقليمية والدولية، كل من منظاره الخاص، لاستصدار قرار من مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب، حيث صدر القرار رقم 1270 تاريخ 17/8/2014 من مجلس الأمن تحت عنوان عريض مكافحة الإرهاب وتحت البند السابع، ورحبت سورية وروسيا وإيران بالقرار وأعربوا عن دعمهم ومساندتهم القوية لتنفيذه على الأرض وأعلن بشار الجعفري ومعلمه وليد المعلم بأن القرار جاء تأكيداً لرؤية النظام من أن ما يحدث في سورية ليست ثورة كما يدعي بعضهم وإنما إرهاب بكل معنى الكلمة، وإنهم على استعداد للتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحته، وهذا ما كانت تخطط له مخابرات النظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين، فلا يمكن للنظام العودة إلى المجتمع الدولي وتأهيله مجدداً إلا من بوابة محاربة الإرهاب.

لكن وكما يقول المثل الشعبي “حساب الحقل لم يطابق مع حساب البيدر”، فما إن اعتزمت أمريكا وحلفاؤها على تشكيل قوة التحالف الدولية ضد الإرهاب حتى أعلنت صراحة بأن النظام السوري لن يكون جزءاً من قوة التحالف الدولية هذه، وبذلك وجهت أمريكا ضربة قاسمة للمخطط الروسي الإيراني ورافقت ذلك بضربة أخرى لاقتصاد الدولتين حين أقدمت على تخفيض أسعار النفط من 105 دولار للبرميل الواحد إلى 85 دولار خاصة إذا علمنا أن الدولتين تعتمدان إلى حد كبير على النفط في ميزانيتهما السنوية بالإضافة إلى إنهاك روسيا في الصراع الأوكراني، وبذاك اتسعت دائرة الضغط الأوربي/ الأمريكي على روسيا اقتصادياً فانزوت على نفسها وأزيحت مجدداً عن المسرح السياسي في الشرق الأوسط، وهذا ما سيرغم إيران على التجاوب مع الغرب بتقديم بعض التنازلات في مجال الملف النووي وسورية مقابل التفاهم مع أمريكا في قضايا أخرى، وهناك إشارات قوية بأن إيران سوف تضحي بالأسد. ويدل على ذلك ما قاله نعيم قاسم نائب رئيس حزب الله مؤخراً (بأننا مقبلون على تنازلات مؤلمة بشأن الحل السياسي في سورية) ونعيم قاسم هذا رقم متواضع في اللعبة الإيرانية ولا يتجرأ على قول مثل هذا الكلام إذا لم تسمح له في إيران بذلك، لذلك قد نجد في المرحلة القادمة تحركاً دبلوماسياً أمريكياً /أوروبياً قوياً في اتجاه جنيف3 بالتزامن مع أزيز المدافع والصواريخ والطائرات في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى