ضابط المخابرات «حجي بكر» عرّاب ولادة «داعش» من رحم «البعث»
يكاد حجي بكر أن يتحول إلى «أحجية»، يصعب فك طلاسمها من جانب أعتى الخبراء الأمنيين، فهو «بعثي»، أي أنه «قومي عروبي اشتراكي»، ولكنه في الآن ذاته «داعشي»، أي «جهادي متطرف»، ربما هو هذا وذاك، ولكن الرجل الذي تلاحقه أجهزة الأمن حول العالم لم تنشر له صورة.
كما لم يظهر في تسجيل مصور، على رغم وصفه بأنه «العقل المدبر» لتنظيم نبت كالفطر، واحتل مساحات شاسعة من بلدين عربيين (سورية والعراق)، وسرعان ما امتدت أذرعه إلى أقصى جنوب شرقي آسيا وصولاً إلى أستراليا، وإلى شمال أفريقيا ووسطها، وضرب ضربات موجعة في أميركا وأوروبا.
ويرى خبراء ومحللون أمنيون أن «داعش» هو نتاج «خلطة بعثية – سلفية، أنتجت تنظيماً أكثر دموية في تاريخ التنظيمات الإرهابية». فيما كشفت تقارير صحافية أن «العقل المفكر والمدبر لـ«داعش» هو ضابط مخابراتي عراقي سابق، ينتمي لحزب البعث الجمهوري، قام برسم آيديولوجيات وخطط التنظيم وصنع أسلوبها الدموي بعد مبايعته لخليفة التنظيم الحالي أبي بكر البغدادي».
وأفادت مجلة دير شبيغل الألمانية التي بثت قصة طويلة نشرت مطلع الأسبوع الجاري، بعنوان: «ملفات سرية تكشف هيكل الدولة الإسلامية»، أنها حصلت على 31 صفحة من خطط وقوائم وجداول مكتوبة بخط اليد، تصل إلى حد مخطط لإقامة دولة خلافة في سورية، والوثائق هي تخطيط رجل قالت المجلة إن اسمه «سمير عبد محمد الخليفاوي»، وعرفته بأنه «عقيد سابق في مخابرات القوات الجوية في عهد صدام». ويحمل الرجل اسماً مستعاراً هو «حجي بكر».
وقالت المجلة: «إن الملفات تشير إلى أن السيطرة على شمال سورية كان جزءاً من خطة محكمة أشرف عليها حجي بكر، باستخدام تقنيات، بينها المراقبة والتجسس والقتل والخطف، تم صقلها في عهد الجهاز الأمني لصدام». وأفادت أنباء أن حجي بكر «قتل في معركة مسلحة مع مقاتلين سوريين في كانون الثاني (يناير) 2014، لكنه كان ساعد قبلها في الاستيلاء على مناطق واسعة من سورية، ما عزز من وضع تنظيم «داعش».
حجي بكر في «داعش»
لا تتوافر الكثير من المعلومات عن حجي بكر، لكنه وبحسب معرف «ويكيليكس دولة البغدادي» في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، الذي تخصص في بث أسرار تنظيم «داعش» وكشف الكثير من الحقائق التي يُعتقد صحة معظمها، نظراً لتطابق مضمونها مع سلوكيات التنظيم، فإنه «ضابط المخابرات السابق المعروف، وكان انضم للتنظيم في زمن «دولة العراق» بقيادة أبوعمر البغدادي».
وعرض حجي بكر خدماته العسكرية وخبرته في جيش «البعث» على تنظيم البغدادي الأول. كما أظهر تمسكه وتوبته من حزب «البعث»، حتى أصبح أكبر قيادي عسكري مقرب من أمير تنظيم «دولة العراق الإسلامية» أبوعمر البغدادي، الذي قتل عام 2010، وذلك بعد أن تم قبوله بينهم بشرط أن يربطهم بقيادات ومعلومات مفيدة بالجيش، ليتم تقريبه من قيادة دولة العراق مستشاراً عسكرياً لدى أبي عمر البغدادي وأبي حفص المهاجر.
وقام حجي بكر بتزويد القيادة بمعلومات عسكرية وخطط، وربطهم عبر وسائل الاتصال بقيادات عسكرية سابقة، تابعة لفلول حزب «البعث». وبعد استهداف البغدادي الأول وأبي حفص بقذيفة ومقتلهما، أصبحت القيادات شاغرة، فبايع حجي بكر، الذي يحظى بمكانة كبيرة لدى التنظيم، أميراً جديداً لقيادة دولة العراق، وهو «أبوبكر البغدادي». زعيم تنظيم «داعش» حالياً.
وبعد بداية الثورة السورية توجهت أنظار أعضاء «دولة العراق» إلى سورية، خصوصاً غير العراقيين منهم، وبخاصة السوريين، ما أثار تخوف حجي بكر من تسرب أعضاء «دولة العراق» من الذهاب إلى سورية، ما يسبب تصدعاً وانشقاقاً في «الدولة». فنصح أبوبكر البغدادي بأن يوجه جميع القيادات بعدم التفكير بالذهاب إلى سورية، وأن أي شخص يذهب يعتبر منشقاً وخارجياً. ثم عرض عليه فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين، تذهب إلى سورية بقيادة سوري. ويتم منع أي قيادي عراقي في «الدولة» من الذهاب. ما يوفر تأميناً لـ«دولة العراق»، من الانشقاق. وتقوم القيادة الجديدة في الشام بجلب أعضاء غير عراقيين معها، واستقطاب أعضاء جدد من الخارج. حتى تم تشكيل «جبهة النصرة»، وبدأت تنمو بقيادة أبومحمد الجولاني، وبدا اسمها يكبر ويتضخم. وأصبح اسم الجولاني يرتفع عالمياً، واختلف الأخير مع حجي بكر اختلافاً كبيراًَ، بعد توافد الكثير من المقاتلين من الخليج، وتونس، وليبيا، والمغرب، والجزائر، وأوروبا، واليمن يتوافدون إلى «جبهة النصرة».
ذراع إعلامية سعودية
حجي بكر هو صاحب فكرة التخلص من الهويات وجوازات سفر المنضمين للتنظيم الإرهابي، وذلك خوفاً من هربهم، أو عودتهم. كما أنه جنّد جواسيس عراقيين في كل المجموعات الموجودة في سورية، تخبرهم بأي شخص ينوي الانشقاق لاتخاذ اللازم.
كما أمر بتشكيل لجنة إعلامية بقيادة سعوديين، لبدء المعارك الإعلامية على مواقع التواصل. وكانت رؤيته أن أخطر مكان يمكنه تشويه دولة البغدادي هو رجال دين وشباب سعوديين. وأن اللجنة الإعلامية لا بد أن تنطلق من هناك وبأسماء سعودية. وكلّف بكر أحد السعوديين في العراق بهذه المهمة، وطلب منه تشكيل اللجنة سريعاً. وتم تشكيل لجنتين، الأولى: من سعوديين داخل سورية، والثانية: لجنة تضم سعوديين داخل السعودية، وسمى هذه اللجان «أنصار المجاهدين – الجناح الإعلامي». وضع على كل لجنة رئيس، وتضم كل لجنة أعضاء يعملون على مدار الساعة.
وأعلن الثوار في ريف حلب الشمالي مطلع العام الميلادي الماضي، عن مقتل حجي بكر أو «أبوبكر العراقي». وقالت الفصائل المرابطة في الريف الشمالي: «إن العقيد ركن حجي بكر، ضابط سابق في جيش صدام البعثي. وكان انضم إلى تنظيم البغدادي».
خبيران: التقاء المصالح يجمع الأضداد.. والاختراق بات صعباً
< قال الخبير المصري في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور حسين غندور لـ«الحياة»: «عند انهيار حزب البعث عام 2003، وتدمير الدولة العراقية، عاد كوادر الحزب إلى حواضنهم الأولية، كالطائفة والعشيرة، فهي من ستوفر لهم الحماية ضمن خريطة جديدة تقوم على المحاصصة لنيل حقوقهم. ومع تدهور الوضع، انتظم كل منهم في تنظيمات مسلحة للدفاع عن طائفته وعشيرته، موظفاً ما يملكه من خبرة تنظيمية وقتالية».
وأشار غندور إلى نظرية «التقاء المصالح»، التي دفعت هؤلاء إلى الانضمام إلى «جماعات يختلفون معها آيديولوجياً، مثل «داعش». وعلى رغم الأقاويل التي كانت تطارد التنظيم منذ نشأته، بوجود عناصر سابقين من «البعث» معهم، إلا أن دخول الموصل كشف الأوراق بشكل جلي. فالتنظيم لم يدخل وحيداً، بل بمعية تنظيم «الطريقة النقشبندية» الذي يقوده القيادي البعثي عزة الدوري، وبحسب تقارير متواترة، فإنه لولا النقشبنديين لم يكن لـ«داعش» أن يضع قدمه في الموصل ويتمدد لاحقاً، عطفاً على ما يملكه تنظيم الطريقة النقشبندية من خبرة عسكرية وعلاقات متينة مع عشائر الموصل وغيرهم. واعتبر الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، انتظام البعثيين في القتال مع تنظيم «داعش» «ليس مستغرباً، بعد أن تمت محاربتهم وإقصاؤهم من المشهد السياسي، ولاحقاً تم الاعتداء على حواضنهم الاجتماعية بالتهجير والإيذاء من الحكومات المتعاقبة».
وأوضح أن «داعش» أو «القاعدة» سيظلان موجودين، وسيأخذان مواقعهما للاستقرار في أقطار عربية، وذلك ليس لتفوقهما، ولكن لوجود عوامل تساعدهما، في مقدمها انهيار دولة عربية، مثل العراق وسورية واليمن». وأكد الحاجة إلى وجود «سلطة تحل محل تلك الدولة في المناطق التي تعاني من بسط سيادتها عليها. وعلى رغم ذلك، فإن التنظيم سيواجه انحساراً في التمدد، وبخاصة في ظل وجود تحالف دولي يقصفه، ويلاحق عناصره جواًَ. هذا في الجانب العسكري، أما فكرياً، فأظن أن ما قدمه التنظيم في صورته لعموم المسلمين لن يسهم في دخولهم تحت لوائها، إلا بالإجبار والإكراه، وذلك في مناطق يتم بسط نفوذ التنظيم كاملاً عليها، وبخلاف ذلك، فالتنظيم لم يوفق في إيجاد دعاية تسوق لمشروعه». إلا أن الباحث السعودي في شؤون الجماعات الإسلامية محمد العمر اعتبر أن ما يُروّج عن أن حزب البعث هو نواة أساسية لتنظيم «داعش» خلط ولغط. وأقر بأن «أفراد من حزب البعث جمعتهم مصالح مع قادة التنظيم، لكنهم لا يشكلون تأثيراً كبيراً، كما أن أفراد حزب «البعث»، وعلى رأسهم عزة الدوري كانوا على هامش التنظيم، بل ونشبت خلافات كثيرة بينهم على مستوى القيادات والعمليات».
وذكر العمر أنه «منذ منتصف العام 2014 أصبح اختراق صفوف ومناطق «داعش» من أصعب المهمات على المخابرات الدولية، فالتنظيم أصبح أكثر حذراً، بل لا يقبل أي عضو في صفوفه، إلا بعد الحصول على تزكيات من ثقات لدى التنظيم، حتى أن بعض المخابرات عجزت عن جمع معلومات دقيقة عن تحركات وعتاد التنظيم في فترات سابقة. لكن لا يخلو ذلك من محاولات عدة، ولو على نطاق بث مخبرين وتلقي معلومات من طريق التنصت اللا سلكي وخلفه. كما أن الهزائم التي يتلقاها التنظيم في الآونة الأخيرة من الممكن أن يدعم عمليات تلك المخابرات».