آراء

ضرورة التغيير الثقافي – الحالة الاجتماعية والسياسية الكردية السورية نموذجاً

محمد ليلي

يبدو واضحاً أن حالة الشتات والخصام والصراع الحاصلة والمفروضة على الوضع الكردي في كردستان سوريا سياسياً وبالتالي انعكاس ذلك اجتماعياً، أدت وتؤدي إلى صعوبة تمكن المجتمع الكردي السوري وبالتالي قواه السياسية الوطنية على مواكبة الأحداث والمتغيرات والمستجدات السياسية.

ولذلك كان لا بد من التركيز والتحريض على ضرورة وكيفية إحداث تغيير اجتماعي وثقافي بما يتناسب مع المتغيرات والمستجدات الحاصلة، فالكثير من المفاهيم الثقافية والاجتماعية الخاطئة والسائدة ساهمت بفعالية في إنجاح ما كانت ولا تزال تصبوا إليها الأنظمة المقتسمة المعادية والممانعة لتطلعات الشعب الكردي في نيل حقوقه، وبالتالي في فرض هذه الحالة من الشتات على الوضع الكردي السوري.

ومن بعض تلك المفاهيم العامة والخاصة الخاطئة التي فرضت نفسها على الوضع السياسي الكردي سلباً هي:

1- ثقافة تفضيل الولاء العشائري: فالأعراف والتقاليد و السطوة العشائرية شبه المطلقة, جعلت من الفرد شبه مقيد غير متحرر، فهو في كثير من الأحيان يتبنى مواقف سياسية لا تتوافق مع مواقفه وقناعاته واجتهاداته الشخصية بقدر ما تتوافق مع توجهاته العشائرية، ومع ذلك فهو يستسلم لتلك القيود، لأنه لم يجد محرضاً يحرضه للقيام بتغيير ما هو سائد من ثقافة، وبالتالي فهو غير مهيأ لخوض صراع فكري مع محيطه في سبيل التغيير والارتقاء بمجتمعه إلى ما هو أفضل أسوةً بمجتمعات العالم المتحضر، لذلك نلاحظ كيف أن مثل هذه الولاءات العشائرية تتحكم بشكل كبير في بنية الأحزاب السياسية الكردية و يتعداها إلى المشهد السياسي بكل أبعاده وتعقيداته. في حين أنه لا ضيرَ في ذلك إذا اقتصر الأمر على الجوانب الاجتماعية، أما بما يتعلق بالأمور السياسية فينبغي أن يكون الفرد محرراً من القيود وبالتالي يُعبر عن رأيه السياسي بما يصب في خدمة القضية بكل استقلالية.

2- ثقافة الولاء الشخصي: من الملاحظ أيضاً وجود حالات من الانقياد الأعمى وراء بعض الشخصيات المؤثرة، بسبب الأرضية الثقافية المهيئة لتجاوز مثل هذه الحالات لدى الشارع الكردي، و نتيجة التأثر السريع بكارزمية هكذا شخصيات وتغليب العاطفة على المنطق، بغض النظر عن كينونة الشخصية، نجد بكثرة أن هناك من ينقادون وراء بعض الشخصيات السياسية حتى وإن كانت تلك الشخصيات تعمل بالضد من مصلحة القضية، كبعض سكرتارية الأحزاب الذين يبررون مواقفهم ومواقف أحزابهم تحت بند الرؤية والاجتهادات الخاصة في الآراء السياسية.

وأيضاً هناك من ينقادون بطريقة عمياء وراء بعض الشخصيات السياسية التي لها تاريخها النضالي، لأنهم يرون فيها مثلهم الأعلى، فحتى عندما يكتشفون بأن تلك الشخصيات قد طغت عليها الحزبية الضيقة وبالتالي يجدونه يقع في أخطاء كارثية، كتفضيله للأنا الحزبية وجعلها فوق كل شيء حتى فوق القضية التي من المفروض أن الحزب بالأساس أنشئ لخدمتها، نجدهم يقومون بتبرير أخطائه، كما حالة المريد مع الشيخ. وبذلك يصبح جوهر القضية موضوعاً ثانوياً، فبدل أن يقوم أولئك بمحاولة تصحيح الأخطاء يقومون بتبريرها وبذلك يقومون بتشجيع أولئك الأشخاص للإصرار عليها والمضي قدماً بها، فقط لأن مثلهم الأعلى يتوافق مع ميولهم الثقافي والعشائري والطبقي ومعتقداتهم الدينية وإلخ… الأمر الذي يتناقض مع كل طموحات التحول نحو مأسسة الأحزاب السياسية وقانونيتها.

3- ثقافة الأنا: يقول علماء النفس: إن الإنسان السوي يحبّ ذاته، وفي نفس الوقت يحبّ ويحترم ذات الآخرين ولا يبخل في إرادة الخير لهم، لأنّه لا يرى في الآخر غيراً وندّاً مزاحماً له، بل يرى في الآخر غيراً ومكملاً له.

وفي هذا السياق يمكننا القول أن المتغيرات الاجتماعية والحياتية والسياسية والأمنية والنفسية التي زادت وطرأت على سوريا ككل وعلى مناطقنا الكردية بشكل خاص بعد الثورة كانت لها وقعاً سلبياً على الجميع، ولكن باعتبار ان وضعنا الكردي خاص ولا نملك دولة ولازلنا في طور النضال من أجل انتزاع حقوقنا كباقي شعوب العالم، فكان لا بد لنا أن نكون أكثر حرصاً ووعياً وتضحية في سبيل الهدف الأسمى, وأن نعمل بكل طاقتنا للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية (الثورة السورية) لتحصيل وانتزاع ما يمكن انتزاعه من حقوق قومية مشروعها وفق رؤية استراتيجية تتناسب مع المرحلة والمتغيرات الحاصلة، وأن نكون أكثر حرصاً لكي لا نفقد توازننا بسبب المتغيرات التي أفرزتها الثورة وأن لا ننجر وراء المغريات الذاتية وأن نقف دائماً وقفة مع الذات لكي لا نسمح للمتغيرات التي طرأت أن تسيرنا دون إرادة منا، نظراً لخصوصية وضعنا، ولكن للأسف الشديد فالغالبية العظمى منا لم يستطيعوا الوقوف هذه الوقفة مع الذات، لأسباب كثيرة ومنها أن الثقافات الخاطئة والسائدة كانت هي سيدة الموقف، في حين لم تكن هناك نخب سياسية وثقافية ومؤسسات اجتماعية تقوم بالدور المنوط بها بالقدر الكافي بالتوعية المطلوبة وتحريض الناس لكي يقوموا بتغيير هذه الثقافات الخاطئة و التضحية بمصالحهم الشخصية في سبيل الهدف الأسمى، وبالمقابل نجحت القوى المعادية والممانعة لتطلعات الشعب الكردي من نيل حقوقه من خلال إمكاناتها الهائلة ومن خلال أدواتهم من قلب المعادلة لصالحهم وتفويت هذه الفرصة على الشعب الكردي في كردستان سوريا، وتم تهجير الكرد من مناطقهم وإدخال الكرد في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وهدم التعليم والأسرة وإلخ… كل ذلك حدث ويحدث على مرأى ومسمع من المجتمع الكردي السوري وحركته السياسية والنخب الثقافية… بل أن قسماً كبيراً منهم انخرطوا في هذه العملية الهدامة بإدراك من بعضهم ودون إدراك من بعضهم الآخر، وبقي المجتمع غارقاً في الانقسام والتشتت، فقد استطاعت الأنظمة المعادية من خلال أدواتها على استمالة وتحييد قسم كبير من المجتمع الكردي وقواه السياسية من خلال إغراءات ذاتية ومالية ومناصب آنية وتظليلات إعلامية… وبذلك نجحت تلك الأنظمة من تحييد قسم من الحركة السياسية الكردية لضمان عدم انخراطها في العملية السياسية التي جرت وستجري تحت الإشراف الأممي.

فبالتأكيد كل هذا الواقع وهذه الأحداث تحتاج إلى مراجعة نقدية وموضوعية من قبل الحركة السياسية الكردية ومن قبل النخب الثقافية والسياسية الكرية وتحتاج إلى جهد كبير لتغيير تلك الثقافات الخاطئة والسائدة بين مجتمعنا الكردي.

 

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد “264”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى