آراء

ضرورة التكامل بين صناعة السلام وتحقيق سيادة الشعوب

 سميرة مبيض

وسط ما تعيشه شعوب منطقة الشرق الأوسط اليوم من اضطرابات وضعف على الصعد السياسية والاجتماعية وغيرها وفي ظل ثورات عربية شابة ومتجددة مطالبة بحقوقها المباشرة المغيبة منذ عقود وساعية للتغيير ولبناء حركة نهوض شاملة، يأتي اتفاق السلام الذي عقدته دولة الإمارات العربية المتحدة مع دولة إسرائيل والمعلن عنه في بيان ثلاثي مشترك مع إسرائيل والولايات المتحدة الاميركية كجزء من ديناميكية المشهد السائد على كافة الصعد والذي يتطلب رفداً بالمواقف والتعمق بالمسارات المفتوحة للمستقبل للدفع نحو ما يصب في تحقيق مصالح الشعوب بشكل رئيسي.

في هذا السياق يجدر بداية التذكير والتأكيد أن ما ساد لعقود من ادعاءات الممانعة والمقاومة، والتي تم استخدامها كأدوات لتجميد تطور الشعوب واستنزافها وبشكل رئيسي من قبل نظام الأسد وسُخرت كبوابة لدخول وتدخل النظام الإيراني في كافة مفاصل وشؤون الدول في المنطقة العربية، كما كُرّست لنشر مفاهيم متشددة ومتطرفة، تُدعم وتُفرض، ويتم لصقها بالثقافة العربية ووسمها بصفاتها دون وجه حق، كل هذه الادعاءات هي شعارات بعيدة بمجملها عما تحمله الشعوب الحية في وجدانها من بوصلة واضحة ووعي وإدراك تجاه حقوقها وقضاياها المشروعة والمهدورة بآن معاً. حيث بقيت هذه الشعارات وستبقى بعيدة عن هدف تحقيق سيادة الشعب، السيادة المعنية ليس من منطلق الملكية ذات العوامل الفيزيائية بل بكونها مفهوم ينشأ عن وجود عقد اجتماعي ينظم الحياة بين الأفراد وفق الاهتمام والالتزام بالمصلحة العامة بحسب تعريف ووصف الباحث روسّو.

ونظرًا لأن المصلحة العامة غابت عن مفاهيم معظم بلدان المنطقة، وذلك لعقود من الزمن، فقد سادت وطغت في أغلب الأحيان المصالح الفئوية السياسية، الاقتصادية، أو حتى المصالح الخاصة فأصبحت سيادة الشعب بدورها شعارات مؤدلجة نادراً ما ترسم السياسات بل هي تدخل تحت بند الأدوات السياسية وستبقى كذلك ما لم يتم التأسيس أولا لمفهوم المصلحة العامة في عموم هذه البلدان، أي ما لم يصبح هذا الهدف هو المُسيّر لعمل المؤسسات العامة وطرق الحوكمة والإدارة ومسيّراً لصناع السلام.

على اعتبار اختلال أي نقطة ارتكاز في شبكات التوازن هو عامل خلل عام فبغياب مفهوم السيادة، بجوهره في تحقيق المصلحة العامة الجامعة، تغيب معه حقوق الشعوب بالمنطقة المعنية بهذه الصراعات. في الحين ذاته تعتبر هذه الحقوق موضع إجماع دولي وموضوع قرارات دولية للحفاظ عليها لتفادي التقهقر ولتجنب المزيد من الصراعات والتصعيدات في منطقة الشرق الأوسط بخصوصيتها كمنطقة تنوع متعدد المحاور، القومية والدينية والأثنية الموجودة ضمنها، ومن منطلق كونها نقطة ارتكاز لتوازنات اقتصادية واستراتيجية وسياسية دولية ينعكس صداها على المستوى المحلي، الإقليمي والعالمي بشكل سريع ومباشر.

من منطلق هذا التكامل المطلوب بين سيادة الشعوب ونيلها حقوقها وفق تحقيق المصلحة العامة، فان قضية الصراع العربي الاسرائيلي لا تتطلب اتفاقيات سلام ثنائية وجانبية برعاية دولية بقدر ما تتطلب اعادة قراءة شاملة لهذه القضية انطلاقاً من مرتكزات المطالب الشعبية المحلية وبمواكبة للتغيرات المجتمعية، السياسية والاقتصادية في مختلف البلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط.

فعلى سعة وأهمية المسار المطلوب اليوم وبعد التدهور الكبير الذي ألمّ بالمنطقة والذي يحمل جزء كبير منه على هذه الصراعات فلن تستطيع أي اتفاقيات الإيفاء باستحقاقاته واحتواء كافة جوانبه وعمقه المتعلق بالحقوق الشعبية المُغيبة بل يتطلب الأمر تحقيقها من منظور إقليمي كامل ليكون مصدراً حقيقياً وقاعدة صلبة للاستقرار والتقدم وتحقيق الازدهار والعدالة وهي الرؤية التي لا يزال العمل عليها غير كاف، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مثل هذا المنظور يتطلب أيضاً تفعيل دور لجامعة الدول العربية، كمنظمة إقليمية عليها مسؤوليات ومهام حيوية تغيبت عن الضلوع بها طويلاً وركنت لحالة من العطالة والانحياز لمواقف تبتعد عن هدف تحقيق مصالح الشعوب ولمواقف نحت بعيداً عن ايفاء التعددية الموجودة ضمن هذه المنطقة حقّها وأهميتها وسعة أبعادها، تلك القراءات بمجملها يفترض ان تتم أيضاً ضمن اطار من التناغم الضروري مع التغيرات العالمية التي تتسم ملامحها بمنعطفات قائمة على صعود أسهم التقانات الحديثة والتكنولوجية وطفرة المعلوماتية وإعادة ترتيب أولويات البشرية ما بعد الجائحة الوبائية كورونا.

فهذه الديناميكيات، وعلى كافة محاورها، هي نِتاج حراك انساني طبيعي يسم كل النظم الحية، وإعادة قراءة قضية الصراع العربي الاسرائيلي من هذا المنظور تضمن تقويم المسار من انحرافات متراكمة لا تخفى على عاقل وتتفادى أي توجهات لإعادة استخدامها كشعارات أو كأداة لأنماط مستجدة من الجمود او من التجاوزات، وتضمن التزامها بمصالح الشعوب، التزام يتطلب بدوره انتهاء حالة التغوّل على كافة الصعد ويتطلب إخماد أي نازع عنصري أو طائفي ويتطلب بناء وتبنّي سياسات حيادية تعنى بالجوهر ليتسم المسار حينها بالتوازن والاستدامة وهي العوامل الرئيسية التي ستمنحه الحياة.

تبقى ضرورة الإشارة ختاماً الى أن شعوباً نجت من حكومات قمع وشمولية بمن حفظ وجه الانسنة ضمنها بمواجهة وجه الهمجية، وبمن حفظ اضاءات تضمن وضوح الطريق للنهضة والتقدم، هي شعوب ستعبر بحضاراتها وثقافاتها للمستقبل ولن تندثر بل ستمنح مستقبل الإنسانية خير ما امتلكت طالما سيكون للإبداع فيها فضاء حر ولم يعد شاغل الانسان تحصيل انسانيته بل التقدم بها ورفدها بالأفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى