آراء

عجرفة الآخر وعجز الأنا.. موضوع للمناقشة الهادئة

جان دوست

أعود مرة أخرى إلى ما جرى معي في رحلتي الجميلة إلى فلسطين. وإنني إذ أضرب المثل بهذا أو ذاك أقصد الذهنية الخطأ ولا أتهم شعباً أو جمهوراً أو شخصاً بعينه.

في محاضرة طولكرم حول كتابة الرواية عن الوطن من المنفى نهض رجل عرف أنني كردي القومية فقال بما معناه: (من يريد الحرية يريدها لكن ليس على حساب الآخرين. الإسرائيليون لهم علاقات من تحت الطاولة مع الكرد في إقليم كردستان).

بطبيعة الحال لم أستطع السكوت على هذا القياس اللامنطقي. فقلت في ردي إن الإسرائيليين لم يرتكبوا مجزرة حلبجة بل فعلها صدام. وإن الأولى بقطع العلاقات مع إسرائيل وعدم التطبيع معها هم أصحاب القضية العرب وليس الكرد. مع اعتباري دولة إسرائيل دولة غاصبة ظالمة يحق للفلسطيني مقاومة ظلمها بالشكل الذي يراه مناسباً.

لكن الموضوع الذي أود مناقشته مع إخواننا وجيراننا العرب حول قضية العلاقات مع إسرائيل هو التالي:

نحن الكرد عانينا من حكم البعث في سوريا والعراق والحكم القوموي الفاشي التركي في تركيا وحكم العهدين الشاهنشاهي و”الآياتللاهي” في إيران أضعاف ما يعانيه الفلسطينيون على يد إسرائيل. تذكرون مجازر إسرائيل وأكبرها صبرا وشاتيلا فنستنكرها ونقول: حلبجة أكبر منها وأقسى. تقولون الاستيطان فنقول وفي سوريا مارس حزب البعث نفس الأسلوب فقام بمحاصرة القرى الكردية ببناء مستوطنات للعرب الذي غمرتهم مياه الفرات (مع ملاحظة أن المستوطنات الإسرائيليىة أقسى بكثير من مستوطنات الغمر). تقولون هدم المنازل فنقول تركيا مسحت قرى كاملة عن وجه الأرض، عراق صدام دمر الأرياف الكردية وسمم الآبار. النظام الإيراني فعل بنا الأفاعيل كذلك. فعندما تطالبني أيها الأخ العربي بمقاطعة إسرائيل أنظر إلى نفسك أولاً هل أنت تقاطع (إسرائيلنا)؟ هل قاطع العرب النظام التركي أم انقتحوا على تركيا وفتحوا لها الأبواب والأحضان؟ من يطالب الكردي بمقاطعة الظالم عليه أن يقاطع من يظلم الكردي أيضاً. هكذ نستطيع أن نبني أسس علاقات صريحة وقوية. وإلا ما معنى أن تجعل نفسك وصياً علي وتجبرني على النظر بمنظارك إلى ما حولي؟ هذا يعني أنك ما زلت تنظر إلي بعين العربي القديم أيام الأمويين: نحن الموالي وأنتم الأسياد.

إسرائيل ليست عدوي المباشر. عدوي المباشر هو من يهدم بيتي وقريتي ويحرقها، من يزج بأهلي وشبابي في السجون، من يمنع لغتي وهويتي من التنفس. إن لم تنصفني يا أخي كيف تطالبني بالإنصاف؟

على الإخوة العرب قبل أن يهاجموا الكرد لعلاقاتهم (غير المؤكدة) مع إسرائيل، أن يهاجموا العرب الذين ترفرف الأعلام الإسرائيلية في بلادهم في وضح النهار. عليهم أن يهاجموا الدول العربية التي تستقبل المسؤولين الإسرائيليين أمام أعين الكاميرات.

على الأقل، الكردي الذي يعقد علاقاته مع إسرائيل حسب زعمك، يعقدها في الخفاء. أي أنه ابتلي بمعصية فاستتر. فلماذا لا تصب جام غضبك على من يجاهر بالمعصية يا أخي وجاري العربي؟

جميع المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى