آراء

عزيزي حضرة الفاشي في النظام والمعارضة السوريين

هوشنك اوسي

هل يمكنك أن تأخذ نفساً عميقاً. هدّئ من روعك قليلاً. لا تقلق. لن أحاول أظهارك على أنّك مخطئ في حقّ نفسك، قبل أن تخطئ في حقّ الآخرين. اطمئن، ستبقى ديك مزبلتك، الذي يوقظ المرضى على المزيد من الأمراض. لن أفقدك ثقة الحشد المهلل لك. فقط اصبر عليّ قليلاً. لن آخذ من وقت الكثير. يعجبني فيك جهدك الحثيث في الاشتغال على محاولات تأكيد سرديّة نظام البعث – الأسد في ما يتعلّق بنفي وجود الكرد. ذلك أن الوعي الديمقراطي يملي عليك الاعتراف بأشياء كثيرة، يُتبنى عليها مقتضيات قانونيّة، وطنيّة ودوليّة أكثر. وعليه، استمر على الوعي العنصري الفاشستي الطارد لاستحقاقات الاختلاف والتنوّع. سواء أكنتَ في صفّ النظام الأسدي، أو كنت مشتقّاً منه، وجالساً على مقاعد معارضة النظام، فالديمقراطيّة الوطنيّة الحقّة، مفسدة، ستطيح بتركة البعث المتراكمة في الوعي الإسلامي، العلمانيّ لدى النظام و”معارضته”، على مدى عقود. واصل نفيك وجود الكرد في سوريا.

ويمكنني مساعدتك بالمزيد من الحجج التي تلوكها وتثرثر بها، هنا وهناك، على هذا المنبر أو ذاك. يسرّني أن تكون حججك مفحمة ومقنعة ورصينة ومتوازنة، حتّى ولو كانت باطلة، ويُراد بها باطل. يؤسفني ويحزني أنك تتعب نفسك كثيراً. يمكنك حصاد هياج أكثر للكراهية لدى الكرد والعرب، بجهد أقلّ. الفاشيّة التي تحاول تأصيلها بين العرب، وتمنّي النفس بردّة فعل، تماثلها في الشدّة وتعاكسها في الاتجاه، تلك الفاشية، لن تأتي أكلها. ليس لأن الوعي الوطني لدينا، كرداً وعرباً، من القوّة والكياسة واللباقة التي من شأنها طرد أمثالك ولفظهم بعيداً، بل لأن أوراقك وحججك بحاجة إلى المزيد من الترتيب الوجيه والمتزن. حتّى الفاشيّة والوعي والنزوع الفاشي، يلزمهما مهندسون بارعون، وكتبة مهرة.

أحياناً، حججك نفسها، تضربك في مقتل. على سبيل الذكر لا الحصر: لا يستقيم أن تنتقد أوجلان وحزبه، وتثرثر عن انتهاكات هذا الحزب في حق كرد سوريا، على أنك محامي دفاع عن الكرد، ضد الحزب الأوجلاني! ومن جهة أخرى، تستشهد بمقولة تافهة لأوجلان، ينفي فيها الوجود التاريخي للكرد في سوريا، وتعتبرها قرينة ضدّ كرد سوريا! إذا كان أوجلان ومقولاته مضرب المثل والاحتجاج لديك ضد كرد سوريا، فلما هذا الهجوم عليه وحزبه إذاً؟ على العكس تماماً، عليك ومن معك وخلفك، دعمُ حزب أوجلان، لأنه ينقذكم من مشكلة عويصة مزمنة اسمها القضيّة الكرديّة في سوريا. يساعدكم حزب أوجلان على تهجير الكرد من الجنوب (سوريا) إلى الشمال (تركيا). وهذا ما لم تكن أنت ونظامك ومعارضتك تحلمون به! إذاً وحالتك البائسة تلك، مشكلتك ليست مع حزب العمال الكردستاني، بل مع الوجود الكردي في سوريا، وما سيترتّب على هذا الوجود، طبقاً للقانون الدولي، لاحقاً. بمعنى آخر، في ما يتعلّق بنفي الوجود الكردي والقضيّة الكرديّة في سوريا، أنت وصحبك وأوجلان في خندق واحد. و”خندق الثوّار واحد… أو يقال الكردُ زال”!
انتهاكات حزب أوجلان، نحن نعرفها، ولا ننكرها، وهي ليست حجّة على الوجود القومي للكرد في سوريا. لكنها نقطة في بحر انتهاكات نظامك ومعارضتك. فالنظام معروف بأنه يرأسه مجرم حرب، تغطي عليه دول إقليميّة. كذلك معارضتك، التي يرأسها أمراء حرب، يكفيهم عاراً وخزياً أنهم حوّلوا المقاتل السوري (الذي يفترض أنه حمل السلاح ضدّ نظام الأسد وحماية المدنيين)، إلى مرتزق يقاتل تحت إمرة التركي، ولخدمة مصالح تركيا، في ليبيا، وفي ناغورنو كراباخ، ويمكن في أماكن أخرى، لا يعلم بها أحد. يعني، في هذه المسألة، عليك أن تخرس خالص. وتحاول إعادة إنتاج هذه الحجّة، بمزيد من العناء والحنكة.
أنا، بالنسبة للعمال الكردستاني، مجردّ خائن، حقّه رصاصة، وربّما أقل. يعني، لا يمكن لأحد أن يزايد عليّ في موقفي الناقد لهذا الحزب. لكن من الغباء اتخاذ هذا الحزب دريئة لحرق شعب بأكمله، يا حضرة “الباحث” المحترم.
سأذهب أبعد منك في التقليل من الوجود الكردي في سوريا. الكرد في سوريا هم 3% في المئة من السكان. هل يرضيك ذلك؟ يعني في الجزيرة، حلب، دمشق، الساحل، ودرعا، على أبعد تقدير يمكن أن يصل عددهم إلى 300 ألف. شخص. هؤلاء، وفق القانون الدولي والمواثيق والعهود الدوليّة، هم شعب، أقليّة قوميّة، أتعلم ماذا يحقّ لهم في سوريا؟ هناك وسائل مساعدة كمحرّكات البحث على شبكة النت، وموسوعة ويكيبيديا، يمكن أن تعرّفك على تجارب الشعوب الأخرى، بهذا الخصوص. خذ بلجيكا مثلاً، المجتمع الناطق بالالمانيّة لا يصل تعداده إلى 100 ألف، لديه إقليم فيديرالي، وحكومة محليّة، ويشارك في الحكومة الفيدراليّة، ومعترف بوجوده في الدستور، ولغته رسميّة في إقليمه، وله علمه الخاص. بلجيكا، التي مساحتها أقل من مساحة ربع سوريا. كذا الحال في التجربة السويسريّة والتجارب الأخرى. أيلزمك تجارب أخرى؟ الدنيا مليئة بالتجارب الديمقراطيّة الوطنيّة المحترمة والناجزة.
دعك من هذا أيضاً. لنفترض أنه لم يكن هناك كرد واحد في سوريا. وأنك وأوجلان ونظام البعث على حق. وهؤلاء الـ300 ألف كردي، كلهم مهاجرين، أتوا من تركيا منذ عام 1925، بل منذ 1940، قبل جلاء الفرنسيين. طبعاً الحدود، لم تكن هكذا داشرة، حتّى تعبرها تلك الكتلة البشريّة. لنفترض أنهم أتوا بأنفاق من تحت الحدود. هؤلاء تسري عليهم أحكام قانون الجنسيّة المعمول به في دستور 1950، وصولاً لقانون الجنسية، طبقاً للمرسوم التشريعي رقم 276 الصادر في 24/11/1969. ولكن نظامك البعثي المحترم، في التعامل مع الوجود الكردي (الوافد) انتهك حتّى دستوره وقوانينه، ولم ينظر إليهم حتّى وكأنّهم “لقطاء”. هل هناك فاشية في العالم تماثل تلك الفاشية التي جعلت نظامك يدفع بالوجود الكردي نحو محارق الإنكار!؟ دعك من ذلك أيضاً. ألا تسأل نفسك: لماذا في غضون سنوات تكتسب الجنسية التركيّة، أو جنسيّة إحدى البلدان الأوروبيّة، وأنت لاجئ، وتعتبر الكردي الذي يعيش فيها منذ 1925 لاجئاً أجنبيّاً، ولا تحقّ له الجنسيّة السوريّة! وأنه ليس مواطن سوري؟! دعك من هذه أيضاً. انظر في قوانين الجنسيّة في البلدان الأوروبيّة، ومدد تجنيس اللاجئين والمهاجرين من العرب وغيرهم، وحاول أن تطبّق ذلك على الكرد الذين يتواجدون في سوريا، منذ 1925، وهم موجودون قبل ذلك طبعاً، وبقرون.
دعك من ذلك أيضاً، إذا كان هؤلاء لاجئيون، ولا يحقّ لهم ما يحقّ للمواطن، لماذا اضطر رئيسك، بشّار الأسد، على إعادة الجنسيّة لعشرات الألوف منهم؟ أولم يكن ذلك القرار تأكيد على السرديّة الكرديّة في ما يتعلّق بالتمييز العنصري الذي تعرّض له الكرد في سوريا منذ 1962 وحتّى اللحظة؟ إمّا بشّار كان على خطأ في إعادة الجنسيّة للكرد (المهاجرين)، أو أنه كان على صواب، وأنت وأمثالك في النظام والمعارضة، على خطأ؟
من الآخر، وكي أوفّر عليك المزيد من الوقت والجهود “البحثيّة” المضنية والفاشلة: حتّى لو كان الكرد في سوريا، 100 ألف، نزلوا من المريخ على ممتلكات أجدادك، يا حضرة الفاشي المحترم، في النظام والمعارضة السوريين، هؤلاء، بالتقادم، أصبحوا بالشراكة مع العرب والسريان، أصحاب الأرض. وأمامك حلاّن، لا ثالث لهما، لطيّ هذه المشكلة واستئصالها نهائيّاً؛ يمكنك الاستعانة إمّا بقنبلة ذريّة كي تمحوهم، أو عقد صلح مع العمال الكردستاني، والعمل معاً على تنفيذ وتطبيق مقولة أوجلان، بنقل كرد سوريا من الجنوب إلى الشمال. وكل هذه التخرّصات والثرثرات والحركات الاستعراضيّة والصبيانيّة، ورفع الصور على هذه الشاشة أو تلك، بصراحة، ليست من خصال الباحث في شيء، ولن تجدي نفعاً.

***********************
الحلقة المقبلة ستكون في الحديث مع عزيزي الفاشي الكردي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى