عـن استقلال كــردستان وإسـرائيل وأشياء أخـرى
هـوشنك أوسـي
حين هاجمت إسرائيل ثلاث دول عربيّة في حزيران (يونيو) 1967، وهزمت جيوشها، أعلن الزعيم الكردي الملا مصطفى بازراني وقف إطلاق النار، من جانب واحد، ضد الحكومة العراقيّة. ولم يقبل أن يكون مع إسرائيل ضد العراق والعرب. كذلك حين شاب التوتر الاتفاق المبرم بين نظام أحمد حسن البكر – صدام حسين وبارزاني سنة 1971 وبدا على وشك الانفجار، أبرق بارزاني الأب إلى بغداد قائلاً ما معناه: إذا كنتم تودون المشاركة في حرب 1973، فاطمئنوا. لن نهاجمكم من الخلف. فردّ النظام العراقي السابق على موقف بارزاني بتوقيع الاتفاق مع شاه إيران، (حليف إسرائيل وأميركا)، سنة 1975 في الجزائر، بوساطة أميركيّة (وربما إسرائيليّة أيضاً)، وسحق الاتفاق الكردي – العراقي المبرم سنة 1971!
هذا الموقف الأخلاقي – السياسي الكردي الصادر عن بارزاني الأب، لا تذكره أو تتذكره نخب عربيّة كثيرة، حين تتناول بكثير من الغبن والظلم حق الكرد في تقرير مصيرهم وقيام دولتهم. ومع ذلك، فالموقف الكردي، على المستوى الشعبي والسياسي والثقافي، المؤيد والمساند للقضية الفلسطينيّة وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه التاريخيّة، مختوم بدماء مئات الشهداء الكرد من سورية والعراق وتركيا ضمن الفصائل الفلسطينيّة. ولم يتغيّر الموقف الكردي من هذه القضيّة العادلة، حتى بعد صدور تصريحات مشينة ومهينة من قيادات سياسيّة فلسطينيّة بارزة، حاولت تبرير الإبادة الجماعيّة التي مارسها صدام حسين بحق كرد العراق سنة 1988، حين قُصفت حلبجة بالكيماوي الصدّامي – البعثي (المساند للقضية الفلسطينيّة). وقتذاك، قال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قولته السوداء المشهورة، الجارحة للوجدان الكردي، والمؤذية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني أيضاً: «وهل تريديون من صدّام أن يقصف الكرد بالورد؟!».
هذا الكلام، وتصريحات أخرى منسوبة لقيادات حركة «حماس» تدافع عن إرهاب الدولة التركيّة والبعثيّة – الأسديّة بحق الكرد، كل ذلك لم يدفع النخب الكرديّة إلى التراجع عن دعم وتأييد الحق الفلسطيني العادل والمشروع في إقامة دولته. فما فعله الكرد وقدموه للقضيّة الفلسطينيّة هو أضعاف أضعاف ما قدّمه الفلسطينيون للكرد والقضيّة الكرديّة. ولو كان هنالك حقاً دعم إسرائيلي حقيقي وجدّي لقيام دولة كرديّة، لكان اللوبي اليهودي مستنفراً في الغرب وعواصم القرار الدولي لمصلحة هذه الدولة، ولربما كانت كردستان مستقلة منذ السبعينات.
مناسبة هذا الكلام هي حالة التحشيد والتأليب والنفخ في جمر الأحقاد والكراهية ضد الكرد، في بعض الأوساط العربيّة، ووصف الكرد بأشنع النعوت، لمجرّد أنه صدر تصرّف فردي وطائش من شخص أو اثنين أو عشرة…، بحمل العلم الإسرائيلي في مناسبة كرديّة بألمانيا. والحق أن هذا الانزلاق نحو العدوانيّة والتعاطي العنصري والتخويني مع الكرد وحقوقهم وعدالة قضيتهم ومطالبهم، هذا السلوك قديم – جديد، وفي حاجة إلى «نكشة» حتى يعيد الإفصاح عن نفسه بشراسة، «يفترض» أن تكون ضد إسرائيل، وليس ضدّ الكرد!
ومع الأسف، ينزلق بعض الكرد أيضاً إلى ردود فعل طائشة، لا تراعي حساسيّة العرب والمسلمين والفلسطينيين تجاه دولة عنصريّة، تمارس الإرهاب المنظّم ضد الفلسطينيين، وتهضم حقوقهم وترتكب بحقهم الجرائم. ولأنها أفعال طائشة، فهي لا تدرك أنها بهذه الطريقة تسيء إلى القضيّة الكرديّة والسعي الاستقلالي لإقليم كردستان العراق. فلو كان العلم الإسرائيلي علم دولة ديموقراطيّة، لا تضطهد شعباً، أو لو كان علم حركة تحرر وطنيّة، أو علم دولة مظلومة محاصرة، لقلنا إن الكرد يتضامنون مع هذه الدولة المحاصرة الضعيفة المستضعفة أو هذه الحركة التحررية، لكن الأمر خلاف ذلك تماماً. فإسرائيل، وفق تقارير منظمات دوليّة حقوقيّة دوليّة، دولة مدانة. وهنالك قرارات كثيرة صادرة عن الأسرة الدوليّة، ترفض إسرائيل تطبيقها. ويكفي فقط إدخال عبارة: «القرارات الدولية التي لم تطبقها إسرائيل» في محرك البحث غوغل، حتى يتعرّف المرء الى عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة، ومؤسسات دوليّة أخرى، من هذا النوع!
معطوفاً على ما سبق، فاتفاق السلام الذي وقّعته إسرائيل مع الفلسطينيين في أوسلو، لم تلتزم به تل أبيب. فما الذي يغري بعض الكرد إذاً برفع العلم الإسرائيلي في نشاط كردي؟!
ما هو في حكم المؤكّد أن هذا السلوك الاعتباطي الذي يصدر عن بعض الكرد، سواء الذين يرفعون العلم، أو المدافعين عن ذلك، أو الذين يحاولون لفلفة الأمر وتجاهله…، هؤلاء، قاسمهم المشترك هو ردّ الفعل على الكثير من المواقف العربيّة، الشعبيّة والرسميّة، المتشنّجة والعنصريّة (إلا ما ندر ورحم ربّك) من المطالب والحقوق الكرديّة. فالشارع العربي – السنّي، يدافع عن تركيا ويتبنّى مواقفها وسياساتها القمعيّة والإرهابيّة ضد الشعب الكردي ومطالبه في تركيا. والشارع العربي – الشيعي، يساند إيران في كل ممارساتها وسياساتها بحق الكرد، بل بحق مجمل منطقة الشرق الأوسط. وهذا مع وجود استثناءات قليلة في الجانبين.
وعليه، لا يمكن إنكار وجود ما يشبه «الإجماع» العربي على مناهضة الحقوق الكرديّة، ومن الطبيعي أن يخلق هذا ردّات فعل كالتي نراها هنا أو هناك، بخصوص إسرائيل، من أن الأخيرة لم تعتدِ على الكرد، وأنها تساند قيام الدولة الكرديّة، ولا حرج بالتالي من رفع علمها!
مع ذلك، فالمزاج السياسي والثقافي الكردي العام يقف مع حقوق الشعب الفلسطيني، وبالضد من الممارسات والسياسات التي تمارسها تل ابيب بحق الفلسطينيين، ودانها المجتمع الدولي.
إن هذه الأسطر سيعتبرها بعضهم من الجانب الكردي ضرباً من محاولات «إرضاء العرب» أو أنها «تقمّص لشخصيّة الفلسطيني أكثر مما يفعل الفلسطينيون أنفسهم» الخ… كذلك سيعتبرها بعضهم من الجانب العربي «تبريراً لرفع العلم الإسرائيلي، ومحاولة مسك العصا من الوسط» الخ…! وخلاصات واستنتاجات وأحكام قيمة كهذه لا تصدر إلا أثناء انعدام الحجّة ومنازلة الفكرة بالفكرة. وأيّاً يكن من أمر، فكردستان تسير نحو الاستقلال، وكل هذه السجالات من أعراض هذه المرحلة الانتقاليّة، وسوف يطويها الماضي.
alhayat