آراء

عفرين أو النهر المتمرد بإزميله الحاد

ازاد عنز

جغرافية حُبلى بالجبال، وجبالٌ تنتظر ميلادها لينتصب كل جبل على كتف الوادي فيحمل الوادي عبء الجبل وعبء أكراد الجبل، جغرافية لم يبخل الله عليها بفائض كرمه، وكأن الله أجهد نفسه بصنعها فلم يخلقها على عجل، بل تريث إلى الساعة السابعة صباحاً من اليوم السابع في حسابات الله والكون، بعدها أزال الله الستار  ليعلن عن بداية الكون.

جغرافية تتوارى خلف حراسها الجبال، كل جهة من جهاتها يحرسها جبل يقظ لا ينام، ويتربص بعينيه الجاحظتين المحيط الواقع تحت سلطة فراغه، مدينة تستقبلك جبالها وترحب بك أحفادها، أشجار الزيتون المرمية على جانبي الطريق، ففي أقصى الشمال يجلس الطُور الكهل جبل الأكرد (كُرداغ) الجالس أبداً على مؤخرته الكبيرة، الجبل العجوز بلحّيته الخضراء سلف الجبال وجدهم، وحامل خيبات الكرد وأجسادهم المُشردة، وبالقرب منه نزولاً تسمع صراخ قضبان الحديد في (ميدان أكبس) وهي تحمل على ظهرها ثقل القطار المليء بالتبغ المُهرب من سوريا إلى الرئات التركية. أما في الجهة المقابلة للجبل الكهل فتتعثر بدون انتباه بحفيده الشقي جبل ليلون (شيراوا) حارس بوابة الجنوب.

ولكن ما أن سكنت في الجبل قلعة القديس (سمعان) الهاربة، وأقامت على كتفه قام القديس بنحر ليلون وشيراوا، وألحق الجبل باسمه فسمي بجبل (سمعان) الجار اللطيف لِتّلّ (عين داره) الأبله الذي يصطاد الشمس من مشرقها، وقبل ذهابها غرباً باتجاه النهر المتمرد، المرتفع الحامل على عاتقه عبء المعبَد المسترخي على ظهر التّلّ لأخذ قيلولة نصف النهار فينام المعبد عميقاً متجاوزاً الراحة ويبدأ بشخيرٍ بدون انقطاع فلا تنام أشجار الزيتون ولا ينام التّلّ جار جبل (ليلون) الحفيد الشقيّ لكُرداغ، الذي يصطاد الطيور على كفّهِ الأيمن بفخاخه الرطبة المتوارية عن الأنظار خلف شقائق النعمان ولكن الطيور تكون أعقل من فخاخه لتهاجر هاربةً إلى الشمال، حيث تنتظرها بحيرة (ميدانكي) البحيرة المحاصِرة لنهر عفرين النحيل ليستسلم نصف النهر ويُعتقل ماؤه في البحيرة كي لا يموت النهر عطشاً، النهر الذي لا يترك الكرد وشأنهم، نهرٌ يجرُّ خلفه من أعلى الشمال إلى أسفل الجنوب، أفراح الكُرد فلا يترك لهم إلّا الأحزان، النهر العنيد والمتمرد على الجغرافية ليشُقّ طريقه بإزميله الحاد لينتصر ويفرض نفسه أباً للجغرافية وما بعد الجغرافية فسميت المدينة (آفرين ـ عفرين) نسبة إلى أبيه العنيد النهر، النهر المشاغب أبداً والذاهب جنوباً في جريانه حيث منفاه.

النهر الكريم بطبعه في إرواء ظمأ الوافدين فكان للنبي (هوري) المخنوق عطشاً حصة من الإرواء، النبي الوافد إلى النهر ليروي ظمأه ويعود أدراجه إلى قلعته الضاربة بجذورها في باطن الفراغ المركونة في شمال شرق عفرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى