عن احتمالات اكتمال “البدر” الشيعي في الصحراء السوريّة
رنكين شــرو
تحت غطاء عمامة الخامنئي كمرجعيّة، واستغلال المذهب الشيعي، تمَّ الإعلان عن الهدف الايراني الجديد: “جعل الهلال الشيعي المنشود بدراً بصوت ولاية الفقيه”. هذه الإعلان، يؤكد الإصرار على ربط طهران بالجنوب اللبناني عبر سوريا والعراق، والحفاظ على موطئ القدم الايراني على ساحل المتوسط. وهذا ليس بجديد على المتابع للتّطورات في المنطقة. فجذور المحاولات الايرانية بهذا الصدد، تعود الى تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً؛ فترة الصِّراع الكردي الكردي في كردستان العراق، من خلال دعم كل من “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”حزب العمّال الكردستاني” للسَّيطرة على الكوريدور الواصل بين إيران وسوريا مروراً بالعراق، وإبعاد “الحزب الديمقراطي الكردستاني” باعتباره العائق أمام تحقيق ذلك.
مشروع الهلال الشّيعي قاده هاشمي رفسنجاني حين كان رئيساً لإيران، تمّ عرقلته بالتعاون بين أمريكا في عهد إدارة بيل كلينون، وتركيا حين كان يرأسها سليمان داميريل. مع أنّ التدخُل كان متاخراً، ولم يؤدّي إلى إخفاء هذا الهلال أو المشروع في النَّتيجة آنذاك.
إيران لا تيأسْ. فهي قوّة عسكريّة، اقتصاديّة، مرجعيّة موحّدة، ولاياتْ وأحلامْ امبراطوريّة، نجحت في استغلال نوم باراك أوباما لتقوية دعامات ما تفكِّر به، بالتَّوجُّه إلى مداوات الجّروح التي أصيبت بها في مسيرتها لتحقيق الحُلُمْ. وانطلاقاً من الانقلاب الشيعي في إيران، وعلى طول مسيرتها في رسم الهلال الشيعي، إلى أن جاء الحزب الجمهوري الأميريكي برئاسة ترامب للسلطة، والذي تقمص شخصيّة القويْ والمتهوِّر، في نفسِ الوقت، بهدف ترك انطباع وخلق صورة عن نفسه على انه؛ رجلٌ يفعلُ كلَّ شيء، ولم يرسم لادارته خطوط حمراء. ولم تكن النّتائح عكسيّة بالنِّسبة له، حتّى وإن أخاف الأمريكيين إلى حدٍّ ما، إلا أنّه بهذه الشّخصية تمكّنَ من الفوز في الانتخابات. وإخافة الرّوس والإيرانيين، دفع بذلك الرّوس إلى إعادة بعض الحسابات بشأن سوريا وأوكرانيا وانفتاحها على الحلْ، بشكلٍ اكثر جديَّة، في ما يخصُّ الجزءْ السُّوري من مشاكل. كما دفع الولي الفقيه إلى الحفاظ على الخط “المعتدل”، و قرَّر امتصاص الصَّدمة وتجنُّب المواجهة، بإعادة انتخاب إيران روحاني رئيساً لدورة أخرى، وتمهُّلت في مدّ العمامة السّوداء على الطّريق البرّي.
كان من الواجب إعادة القيمة إلى توقيع القلم الرئاسي في البيت الأبيض، فقام ترامب بإيصال الرسائل المراد بها إلى الأنظمة المشتركة في هذا الزفاف (روسيا، سوريا، وإيران) وأفرزت النتيجة مواقف غير موحّدة من هذه الدول لاختبار ردَّة فعل الإدارة الأمريكيّة. ويؤكّد مقرّبون من الإدارة الامريكيّة أن الرُّوس هم من دفعوا النّظام السُّوري لاستخدام الكيماوي في “خان شيخون” فردّ ترامب بالتّوماهوك في “الشعيرات”. واختارت إيران تجربة أو اختبار جدّية الأمريكيين، واتَّجهت إلى عمق البادية، فجاء التوماهوك في طليعة القافلة مما حذى بها بالعودة مسرعة.
مدرعات كاديلاك على البَّر وصواريخ توماهوك في الجَّو ورئاسة بلا خطوط حمراء، وترامب يوقِّع على الاوامر بكلمتي “مع الموافقة”.
استفاد الإيرانيون من وقف زحفهم إلى محور التّنف؛ نقطة تقاطع حدود بين سوريا، العراق والأردن. استفادوا من تجنُّب الصِّدام المباشر المعروف نتائجه، ففتحت طهران جبهة أخرى تبعد عن التَّنف بأكثر من 500 كم من الشَّمال، من خلال جلب الحشد الشّعبي إلى الحدود السوريّة، واجتيازهم لها الى عمق 10 كم، حسب التَّقارير الإعلاميّة.
بالعودة إلى الخارطة العسكرية على جانبي الحدود، يتضح جليَّاً، بشكل لا لَبْسَ فيه، أن الضَّغط الإيراني الّذي مارسه على “الحشد” للوصل الى الحدود السُّورية كان كبيراً. فبعد كل ذاك الجهد، لم يتمكَّن حتَّى الآن، إلا من السّيطرة على ما يقارب العشرين كيلومتراً من الحدود السُّوريَّة، بممر ضيق يصل في بعض جوانبه الى ستَّة كيلومترات فقط، بتكلفة وجهد لا يعادل اهميَّة المُسَيْطَرْ عليه. وبالتالي، طهران ما تزال تسير بموجب الخطّة، مع مرونة إجراء تغييرات، تجنُّباً التُّوماهوك.
تأمين المَّمر البرّي من طهران إلى بغداد إلى دمشق يجعل من إيران لاعب أساسي إقليمي في منطقة حيويًّة ومتوتِّرة. هذا الحضور، إن تم، يجعل من ايران قوَّة إقليميَّة لا يمكن تجاوزها، في كلّ ما يتعلّق بالمنطقة، وخاصَّة العراق وسوريا ولبنان. فكلَّما أصرَّتْ القوة الدُّوليَّة على رفض إيران كلاعب في الحوارات حول الدُّول الثلاث المذكورة، سعت إيران إلى فرض نفسها بالقوّة، وكأمْرٍ واقع.
ربطت ايران عاصمتها ببغداد، عقب سقوط الاخيرة، بفضل الانكفاء الاسلامي العربي في تلك المرحلة. أما الآن فالظُّروف مختلفة. وبالتّناسب الطَّردي مع الظُّروف والعوائق، تصعد إيران وتُصِرُّ على الجزء الثاني من مشروعها، حيث أنّ بإتمامه يصبح بإمكان إيران إمداد النِّظام السُّوري بجميع أنواع المُّساعدات العسكريَّة بشكلٍ أسهل وأسرع. بالإضافة إلى استثمارها للغاز والنفط في دير الزور وشرقها، بالإضافة الى الفائدة الكبرى من وصلوها إلى المتوسط، وهي تصدير الغاز الى أوروبا بشكل مباشر.
المشهد السِّياسي في المنطقة وخاصَّة عندما يُذْكَرُ إسم إيران، لا يكتمل بدون النَّظر الى الخليج. فالزِّيارة الأمريكيَّة الى الرياض، والتي وصفت بالتَّاريخيَّة من قبل المملكة العربيّة السعوديّة، ستكون لها نتائج عمليّة على الأرض تباعاً، أوَّلها؛ كان تعين المسؤول عن اغتيال القائد العسكري في “حزب الله” عماد مغنية، مسؤولاً للملف الإيراني في وكالة الاستخبارات المركزية. وإبلاغ الإيرانيين عبر الوسيط الروسي؛ أنَّ أمريكا ستستهدف عمق بلادهم إن تجرأت وتحرّشت بالقوّات الأمريكيَّة المتواجدة في سوريا.
التَّصرفات الايرانيَّة في سوريا، على وجه التَّحديد، من قبيل زيادة عدد الحرس الثَّوري والميليشيات التَّابعة لها بشكل “منقطع النَّظير”، ستدفع دول إقليميَّة إلى دعم محور مقاومة لهم. مما سيدفع الأمور إلى مزيد من التَّعقيد، ويهدِّد جهود مكافحة الارهاب. فحتَّى إن تمَّ القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، ستولَد جماعات مستنسخة مماثلة، وربَّما أشدُّ إجراماً من “التنظيم”. والصِّراع هنا لن ينتهي إلى أن يتمَّ إعادة ترتيب المَّنطقة على أساس حسن الجِّوار.
السِّباق الأمريكي الإيراني في السَّيطرة على البادية السُّورية سيحدِّد ملامح القوَّة والهيبة في الفترة القادمة. أمريكا تحثُّ الخُّطى للسَّيطرة على الحدود وربط مناطق انتشارها في الجنوب بمناطق نفوذها في الشمال وكردستان سوريا. يقابل هذا السباق، استعجال إيراني بربط الحشد الشَّعبي العراقي بميليشياتها في الجانب السُّوري. حتَّى وإن نجحت، لا أعتقد أنها ستستطيع الحفاظ عليه. في أسوأ الاحتمالات، ستتكرَّر التَّجربة الأخيرة في تسعينيات القرن الماضي، وسيتدخَّل الأتراك والأمريكيون لقطع الطّريق والحيلولة دون ربط بغداد بدمشق. فالصّحراء هو هدف الجّانبين، ونقطة الفصل بين الطّرفين. أي أنه بالنسبة لطهران، لن يكتمل بدرها الشيعي إلا بالسيطرة على الصحراء السوريّة. في حين أن هدف واشنطن هو الحوؤل دون هذا الاكتمال، عبر بسط النفوذ على الصحراء. المرحلة القادمة توحي بالمزيد من الغرق الدموي في الرمال السورية.
المركز الكردي السويدي للدراسات
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media