عودة العرب إلى سوريا
محمد صبرا
هذه المقولات وغيرها لا تكتفي بالقفز فوق المنطق والسياسة والواقع، بل أنها أيضاً تشكّل حالةً من التعمية والتضليل غير البريء بهدف تبرير إعادة تأهيل بشار الأسد، ضمن مقولة أنّ تأهيله ضرورة للتصدي للتمدّد الإيراني.
يتجاوز كُتّاب هذه المقالات ودعاة هذا الاتجاه عن جملةٍ من الحقائق، أولها أنّ العرب أصلاً لم يتركوا سوريا، والجامعة العربية منذ اندلاع الثورة السورية، عملت على محاولة تقديم حلول عاقلة وعقلانية لنظام بشار الأسد، وأهمها المبادرة العربية للحلّ التي قدمتها في نهاية عام 2011، لكنّ نظام بشار اكتفى بشتم العرب وشتم جامعتهم عبر مندوبه السابق في الجامعة يوسف الأحمد، ولجأ إلى إيران التي أمدّته بالسلاح والمقاتلين لتنفيذ خطته العسكرية بالقضاء على الثورة السورية.
لقد كان النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد وامتداده البيولوجي بشار الأسد، ينظر لإيران باعتبارها عمقه الاستراتيجي، وعلاقات هذا النظام مع إيران قديمة منذ الشاه ومنذ توقيع اتفاقية التعاون والصداقة مع الشاه في عام 1974، واستمرّ التعاون والتنسيق بين إيران وبين النظام طيلة العقود السابقة، وصولاً إلى ذروة هذا التعاون والتماهي الاستراتيجي بينهما بعد عام 2003 والذي كشف أوجهاً عميقة للتعاون بين النظامين الإيراني والسوري بعد احتلال بغداد، وما أعقبه من اندفاعة إيرانية لاستباحة المشرق العربي، تمثّلت بتعاون الطرفين بتنفيذ اغتيال الشهيد رفيق الحريري بما يمثّله من مشروعٍ عربي في لبنان.
لم يكتفِ نظام حافظ الأسد ووريثه بشار بإيذاء السوريين وقمعهم وقتلهم واعتقالهم، بل إنّ شرور وجرائم هذا النظام امتدّت لكلّ المنطقة العربية المحيطة بسوريا، فالأردنيون يذكرون جيداً محاولة اغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق مضر بدران في مطلع الثمانينات على يد عناصر من سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد، ويذكرون أيضاً التفجيرات والاغتيالات التي طالت ديبلوماسيين أردنيين في كلّ أنحاء أوروبا، واللبنانيون جميعاً يذكرون جرائم حافظ الأسد والتصفيات التي نفّذتها قواته في لبنان، والتي طالت كبار الزعماء اللبنانيين من أمثال كمال جنبلاط ورفيق الحريري وجورج حاوي وغيرهم الكثير، والعراقيون يذكرون أيضاً تفجير مبنى وزارة الخارجية العراقية في عام 2009 والتي ثبت ضلوع نظام بشار الأسد بها، ويذكرون عشرات السيارات المفخّخة التي كانت تنفجر في قلب بغداد في الثمانينات والتسعينات والتي كان يرسلها لهم النظام السوري، ولم تقف جرائم نظام حافظ الأسد وامتداده البيولوجي عند هذا الحدّ، بل طالت السعودية والكويت والتي قامت عناصر من حزب الله الإرهابي بارتكاب جرائم تفجيرٍ إرهابية فيهما، بأمرٍ ومساندةٍ ومساعدةٍ من النظام السوري وحليفه الاستراتيجي وأذرعها المرتبطة بهما من حزب الله إلى حزب الدعوة العراقي، و وصلت هذه الجرائم إلى حدّ محاولة اغتيال أمير الكويت الأسبق الشيخ جابر الصباح في عام 1985.
لم يكن النظام السوري يؤمن في أيّ يومٍ من الأيام أنّ مصيره وأمنه يرتبط بمصير محيطه العربي، بل كان دائماً يتطلّع إلى إيران بصفتها خزّانه الاستراتيجي في مواجهة دول المنطقة، وهذا الخيار كان بمثابة سياسةٍ ثابتة انتهجها النظام على مرّ عقود، وليس مجرد خيار طارئ اضطرّ النظام له لمواجهة الثورة السورية، كما يحاول البعض أن يصوّر الأمور.
إنّ عودة سوريا إلى محيطها العربي أمر ضروري وحيوي بالنسبة لنا جميعًا كسوريين، لأننا ومن خلال الثورة السورية نكون قد قدّمنا مساهمتنا الأساسية والعظيمة لحماية أمن واستقرار دول المنطقة كافةً وليس فقط للحصول على حقوقنا السياسية وبناء نظامنا الوطني الديمقراطي المنشود.
إنّ الخطوة الأولى والضرورية لعودة سوريا إلى محيطها العربي هي أن تعود إلى السوريين أولاً، بعد أن حوّلها نظام بشار الأسد إلى مجرد رهينةٍ في أيدي ملالي طهران، وهذا غير ممكن إلا بالإطاحة بنظام الإجرام في دمشق ومحاكمته ليس على جرائم الحرب التي ارتكبها بحقّ السوريين وحسب، بل على الجرائم التي ارتكبها بحقّ دول وشعوب المنطقة كلّها، وبذلك فقط يمكن القول إننا قادرون على هزم المشروع الإيراني التوسعي الظلامي المتخلف، ومشاريع الهيمنة الإقليمية الأخرى.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 285