عودة الكُرد إلى ديارهم.. هدفٌ استراتيجي
الدكتور: عبدالحكيم بشار
لا أعتقد أنّ هناك كردياً سورياً واحداً سواءً كان له انتماء سياسي أو كان خارج الأطر الحزبية إلا ولديه رغبة وقناعة بضرورة عودة الكُرد إلى ديارهم .
في هذه المقالة، لن أتحدّث عن الأسباب الكامنة وراء خروج الكُرد من ديارهم ، ومَن المستفيد من ذلك؟ ومَن يقوم باستثمار آلامه لمصالح حزبية ضيقة بالضد من المصلحة الكُردية؟
هناك جهتان عملتا منذ أمدٍ بعيد إلى تهجير الكُرد، والعمل على خلق تغييرٍ ديموغرافي في مناطقهم، وهما السلطة الحاكمة في سوريا التي بدأت بالتغيير الديموغرافي من خلال الحزام العربي العنصري في سبعينيات القرن الماضي ،وما تلته من إجراءات شوفينية استهدفت الوجود الكُرديْ والجهة الأخرى حزب العمال الكُردستاني، وعلى لسان رئيسه عبدالله اوجلان الذي أكّد أكثر من مرةٍ أنّ “ليس هناك وجود تاريخي للكُرد في سوريا، وأنّ أكراد سوريا هم مجموعات مهاجرة من تركيا، يجب إعادتهم إليها” ،ولنترك أسباب الهجرة أو التهجير رغم أهميتها البالغة والتي قد تختلف وجهات النظر حولها من شخصيات و جهات وطنية إلى حدّ التناقض، ويحتاج الى نقاش عميق حولها، ولنتحدّث عن نتائج الهجرة أو التهجير الكُردي وفق الأرقام المتاحة، وهي:
١- هناك حوالي ربع مليون كُردي متوزّعون بين مخيم الشهباء الذي يديره حزب العمال الكُردستاني، وبين أطراف حلب والأحياء الشعبية فيها ،الواقعة تحت سيطرة حزب العمال الكُردستاني أيضاً، وجلُّهم من كُرد عفرين
٢- يوجد حوالي ربع مليون كُردي سوري في إقليم كُردستان.
٣- يوجد أكثر من 400 ألف كُردي سوري في تركيا حسب الإحصائيات.
٤- يوجد أكثر من 200 ألف كُردي في أوربا وأمريكا وكندا والدول الاسكندنافية.
والمجموع الكلّي حوالي مليون ومئة ألف كُردي سوري خرجوا من ديارهم ما عدا كُرد سري كانييه ” رأس العين” وگـري سبي ” تل أبيض” الذين يتواجد معظمهم في قامشلو والحسكة ومدن أخرى.
إنّ مقارنة هذا العدد الكبير من الكُرد بالعدد الإجمالي للكُرد في كُردستان سوريا يشكّّل ذلك نسبة كبيرة، ويؤثّر بشكلٍ سلبي جداً على مستقبل القضية الكُردية في سوريا ؛ إن لم يتمّ معالجتها في الوقت المناسب، حيث لا يوجد في الأفق القريب ما يشير إلى حل سياسي قريب في سوريا إلا إذا حصلت صفقة روسية أمريكية غير متوقعة، فإنّ كلّ المؤشّرات الحالية تفيد بأنّ الحل السياسي في سوريا لا يزال بعيداً، وإذا وجد الكُردي المهاجر في محل إقامته الجديدة استقراراً نسبياً سواءً لجهة تأمين فرص العمل التي توفّر له الحد الأدنى من المعيشة أو لجهة الاستقرار الأمني الذي يعيشه أو وجود أولاده في مدارس هي أفضل من مدارس منطقته أو هرباً من التجنيد الإجباري وغيرها من العوامل التي توفّر له الاستقرار النسبي ، فإنّ إمكانية عودته ستصبح صعبة إن طال الزمن إلا بتوفير ما هو أفضل له ولأسرته في بلده، وهذا غير متوقّع في المستقبل القريب.
إنّ ترك الأمور تسير وفق ما هو سائد الآن فإنّ كلّ عائلة كُردية سورية لديها مشروع هجرة إلا ما ندر أو على الأقل الجيل الشاب، ولنتصوّر الوضع معاً بعد عشر سنوات وإمكانية استمرار نزيف الهجرة الكُردية.
إزاء هذا الواقع يجب أن تكون أحد أهم الأهداف الاستراتيجية هي العمل الممنهَج لإعادة الكُرد أو القسم الأكبر منهم إلى ديارهم ،وفق برنامج عملٍ حقيقي بعيداً عن الشعارات الرنّانة أو الأوهام.
إنّ رمي الكرة في مرمى المجتمع الدولي على أنه سيتخذ قراراً بإعادة الكُرد، وسيضع برنامجاً لتنفيذه حتى لو اقتضى التدخُّل العسكري فإننا نعيش حالة وهم حقيقي، أو نتهرّب من المسؤولية تجاه شعبنا، ولنأخذ الوضع الفلسطيني عبرةً ومثالاً.
يجب أن نبحث عن خطط عملية لإعادة الكُرد إلى ديارهم، كيف يمكن إعادة كُرد عفرين إلى مناطقهم؟ كيف يمكن إعادة كُرد سري كانييه، وكذلك كُرد گـري سبي إلى منازلهم؟ كيف يمكن إعادة كُرد الجزيرة إلى مدنهم وقراهم التي هُجِّروا منها؟
هذه الأسئلة يجب أن نطرحها على أنفسنا، ونبحث عن إجاباتٍ واقعية لها وتحويل تلك الإجابات إلى برامج عمل تعيد أهلنا أو قسماً منهم إلى ديارهم.
فلنعمل معاً على إعادة أهلنا إلى ديارهم، ونحيّي صمود أهلنا في الداخل رغم كلّ المحن.