عودة اللاجئين.. أم إعادة الإعمار والتأهيل؟
هيئة التحرير
تم اختيار توقيت عقد مؤتمر عودة اللاجئين السوريين في 11 و 12 من تشرين الثاني من العام الجاري، بعناية ،حيث تزامن مع التحضير للانتخابات الرئاسية السورية بعد نحو عام ، في وقت كان الكل منهمكا بسباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
إن الطرح الروسي للمؤتمر جاء بهدف إثارة نقاش دولي، حول مسألة عودة اللاجئين السوريين، ومن الجدير بالذكر
أن وزارة الدفاع الروسية كانت قد دعت إلى عقد مؤتمر “للاجئين السوريين” برعاية روسية، لأول مرة ،في عام 2018، حيث وضعت موسكو مقترحات
للمؤتمر قدمتها للولايات المتحدة، خلال قمة “هلسنكي” في 21 تموز 2018، بين الرئيسين الأمريكي والروسي، ، ذلك حول تنظيم العمل لعودة اللاجئين السوريين، و عندئذ التقت المجموعة المصغرة للدول السبع ، و أصدرت بياناً
يؤكد على أنه لا يوجد حل في سوريا قبل إيجاد حل سياسي دائم، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254″.وعليه لم ينعقد المؤتمر حينذاك.
أما الذي دفع الروس هذه المرة لعقده ثانية فهو السعي لتجديد النقاش حول موضوع اللاجئين، تمهيدا للدعوة
ل “إعادة الإعمار”.. لأنه من دون وجود بنى تحتية، وتأهيل قطاعات واسعة، لا يمكن الحديث عن عودة جماعية للاجئين.
لذلك تزامن الدعوة لعقد المؤتمر مع إعلان وزارة الدفاع الروسية تخصيص مليار دولار لدعم بعض قطاعات البنى التحتية والصناعية، بالتزامن مع طرح إيران تأسيس صندوق دولي لعودة اللاجئين.
الروس يريدون أن يعيدوا المهجرين لأسباب سياسية، تتمثل بإعادة تأهيل النظام ، خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في العام المقبل، وإذا ظل عدد السوريين، خارج سوريا، كبيرا ، فمهما كانت نسبة مشاركة السكان في مناطق سيطرة النظام، لن تكتسب “الانتخابات” الشرعية من الناحية التمثيلية، أما إذا أعيد المهجرون فهذا يسهل على روسيا مهمة تعويم النظام، وإعادة تدويره و نسج رواية فوزه بالإغلبية الكافية.
لكن مسيرة إعادة المهجرين مرتبطة بعملية إعادة الإعمار التي تقدرها الأمم المتحدة بـ 400 مليار دولار، وإذا لم تقدم دول مانحة دعما سخيا، فلن تكفي إعادة المهجرين لإعمار سوريا، خاصة مع استمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية.
رغم الجهود المبذولة كان غياب الدول التي تستضيف اللاجئين عن المشاركة في المؤتمر، من أبرز العوامل التي أفقدت المؤتمر أهميته، و باستثناء لبنان والعراق، فإن معظم الدول التي شاركت، لا تستضيف لاجئين سوريين، بل إن أغلبها من الدول المصدرة للاجئين، مثل الصومال وفنزويلا والبرازيل وباكستان والفلبين والجزائر وإيران والهند وكوريا الشمالية.
إضافة إلى أن معظم الدول التي شاركت هي غير فاعلة بالملف السوري، كالأرجنتين وكولومبيا و كوبا.
فإن الاتحاد الأوروبي الذي يستقبل مئات آلاف اللاجئين السوريين، والذي يلعب دورًا فاعلًا في الملف السوري رفض المشاركة في المؤتمر، ، و أكد وزير خارجيته، جوزيب بوريل، على أن “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”.
حيث استمرار“التجنيد الإجباري والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري”.
و من جانبها دعت الولايات المتحدة إلى مقاطعة دولية للمؤتمر الروسي، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي جرى عبر الإنترنت، في 27 من تشرين الأول الماضي.
وجاء في بيان الخارجية الأمريكية، في 13 من تشرين الثاني الحالي ” إن المؤتمر لم يكن محاولة صادقة لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى سوريا، ويظهر عدم وجود دعم لهذا المؤتمر خارج المجموعة الضيقة من حلفاء النظام، ما يشير إلى أنه كان مجرد “عروض مسرحية”.
و كذلك اكدت كندا بأنها لن تحضر مؤتمر “اللاجئين” الذي تستضيفه كل من روسيا وسوريا في دمشق.
وتتطابق الرؤية الغربية الرسمية مع مواقف منظمات حقوقية بارزة، تحذّر من أن توقّف المعارك في مناطق عدة لا يعني أن سوريا باتت مهيأة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية، والانتهاكات الحقوقية الصارخة التي تشهدها البلاد.
و من المفارقات الملفتة بأنه بالتزامن مع عقد المؤتمر في قصر المؤتمرات،كان يقف مئات السوريين على طوابير أمام أفران الخبز، ومحطات الوقود، وغيرها من المواد الأساسية التي ارتفع سعرها مع انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، دون زيادة في الرواتب والأجور.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “280”