آراء

غابات الربيع والأسد السوري

صبري حاجي
يقال بان الأسد ملك الغابة وسيدها ,بقوته وشراسته وأنيابه البارزة وسرعته وخفته في القبض على فريسته قبل النطق والتفوه من الحنجرة ,الربيع العربي أوجد أسوداً متنوعة باختلاف الغابات,الرحمة والشفقة صفة تلازمهم ,لا يأخذون من النوم والأكل إلا قليلا كونهم أصلاء ,والأصيل إذا أكل لا يشبع ,حرصاً منهم على شعوبهم ,كي لا يراهم جائعين خائفين خانعين جاهلين ,ليبعد عنهم الألم والمعاناة والفسق والفساد ,السلطة بالنسبة لهم خدمة المواطن والوطن ,يملكون من الحكمة حتى سقراط وأرسطوا لم يكونا قد علما بها ,عثروا عليها بعد الدراسة المستفيضة والبحث العميق ,من التراث الشعبي المليئ بالثقافة الأرثية العريقة ,مأخوذة من قصة أحد ملوك حمير في اليمن ,يقولون { جوع كلبك يتبعك } مثال حي وصادق ,فيه ما يشير الى ان كل شيء عندهم جميل وثمين وشريف ,لكن اثمنه واجمله واشرفه على الاطلاق هو الشعب ,الذي أوصلهم الى سدة الحكم ,وافسح لهم المجال ليملكوا من الثروة لا تعد ولا تحصى ,تقدر بالمليارات الدولارات ,كلها مهربة الى خارج الوطن ,في مصارف وبنوك أمريكية وأوربية ,لإنسانيتهم الزائدة ,وقيمهم النبيلة ,وعظمة اخلاقهم .
الضمير لديهم فوق كل الاعتبارات ,لا يريدون ان يثقلواعلى أبناءجلدتهم الذين هم من لحمهم ودمهم اكثر مما هم قادرين على حملها , لأنهم يعلمون بأنهم غير قادرين على حمل كل هذه الأطنان من الأوراق النقدية والذهب ,هل من رحمة اكثر من هذا ؟ نعم ,علي عبدالله الصالح الرئيس اليمني السابق لديه ما يقدر باكثر من ثمانين ملياراً من الدولار الأمريكي , استطاع بها شراء أرواح الفقراء والمحتاجين الذين يدفعهم أعبائهم العائلية الثقيلة الى الموت مقابل الحصول على أقساط زهيدة من المال الذي يملكه لإعانة أسرهم , صالح تحالف مع الحوثيين ,القوة الميليشياوية الملتوية والمتمردة على الشرعية ,أداة لتنفيذ أجندات إيران ,لتعيد امجادها التاريخية واطماعها التوسعية وازدياد نفوذها جنوباً نحو مضيق باب المندب والطنبين الكبرى والصغرى وجزيرة ابو موسى الى قلب الخليج ,حيث الذهب الأسود .
عراق صدام حسين ونوري المالكي لم يكن بأقل من يمن الصالح ,قال المالكي : لن ادعكم يا اهل السنة ,سأحشد عليكم اهلي ,شيعة الحسين بن علي بن ابي طالب ,اجمعكم في الفلوجة وتكريت والأنبار ,اغلق عليكم الباب , والمفتاح سيبقى في جيب ولاية الفقيه في قم ,حيث آية الله علي خامنئي ,ولينا ووليكم وولي الأجمعين ,يا كفرة البعث الصدامي المجرم ,سنظل نلاحقكم الى ان تتيمنوا للصلوات وتصلحوا انفسكم من الطلح والبغيضة ,لتتعلموا منا الوفاء والأخلاص ,سيبقى الجوع والجهل والقتل والتشرد من نصيبكم حتى تعرفوا قيمة اسيادكم .
سمعت مصر الآذان ,فهرع الناس أفواجاً وهم يرددون التغيير التغيير , لمشاهدة مسرحية بطلها عبدالفتاح السيسي ,وهو يلقي القبض على مريدي الاخوان ومرشدهم والرئيس المنتخب محمد مرسي , حرصاً منه على المصلحة العامة وأمن الوطن والمواطن , لكن من يدفع الضريبة ؟ يدفعها الجماهير الغفيرة المزدحمة في شوارع وساحات القاهرة والأسكندرية واسوان ,الدم يجري والطلقات النارية تدوي ,بنيت خيام الفرح ,الفنانون قدموا اجمل الرقصات الشرقية والغناء الشعبي بالزيطات والزغاريد ,لم تفارقهم الابتسامة ,ولم تمضي اشهر معدودة حتى كشف الناس ما كان يخفيه ويخطط له السيسي لتنفيذ أجندات خارجية .
الليبيون ترحموا بالضابط العقيد حفتر ,البلد إتجه نحو المناطقية والقبلية استعداداً للثأر ,الحالة الميدانية ترثى لها ,الخراب والدمار والقتل من بنغازي الى طرابلس .
لقد تحول دول ما يسمى بالربيع العربي الى غابات باختلاف أسودها حجماً وطولاً ,قوة ودراية ,وأسد دمشق سيدهم ,ففي بداية الثورة قال الأسد : سورية ليست كغيرها من البلدان العربية التي قامت فيها الثورات ,استطاع بالتدخل الإيراني ومساعدة الروس عسكرياً ان يحول الثورة من مسارها السلمي الى التسلح والعسكرة ,تأسست عشرات من التنظيمات والكتائب والألوية الارهابية ,تجهروا السلاح على بعضهم البعض في وضح النهار ,داعش وجبهة النصرة اكثرهم قوة ونفوذاً ,دمر المدن بأكملها بالبراميل المتفجرة ,اضحى الوطن خراباً لا يسكنها سوى طائر البوم ,قتل اكثر من ربع مليون شخص ,هجر وشرد ما يزيد على عشرة ملايين بمختلف الفئات والأعمار ,حتى طبقت المقولة التي كانت تتردد في المسيرات الحكومية { الأسد أو حرق البلد } فعلاً أحرق الأخضر قبل اليابس .
ادخل البلد أزمة مسفحلة وكارثة انسانية لا مثيل لهما, على مر تاريخه القديم والمعاصر ,متجاوزاً كل خطوط الحمر ,فلم يترك سلاحاً إلا واستخدمه حتى وصل الأمر بالكيمياوي ,المحرم دولياً ,مما نال اعجاب المكوك الأمريكي كيري ,فلم يستبعد الاتصال به للعمل سوياً ضد الارهاب المتمثل بداعش ومثيلاتها من التنظيمات والعناصر الارهابية ,الذين أوجدتهم الأجندات والمصالح الاستراتيجية الدولية عبرالأختراق الإستخباراتي ,في الوقت الذي يصفه فيه بأنه فاقد للشرعية وعليه ان يرحل ,وعاصفة الحزم يدفع السوريين بعزيمة الى جنيف على مائدة عشاء الديمستوري اللذيذة بطعم البارود عبر ضغوطات قوية تمارس على النظام ,جنوباً وفي ادلب وجسر شغور تنتصر المعارضة ,تمهيداً لترتيبات جديدة تتساوى فيها النظام والمعارضة ,تحسباً لأي لاستراتيجية طارئة قد تحدث في المستقبل بعد الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى