غزة والأزمة الفلسطينية المستفحلة
فؤاد عليكو
في السابع من هذا الشهر، اقدمت منظمة حماس على عملية عسكرية كبيرة داخل الحدود الإسرائيلية؛ سيطرت بموجبها على أكثر من ٢٥ قرية ومستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ٥٥ ألف نسمة، حسب المصادر الإسرائيلية، وبنتيجتها وقع العديد من القتلى و الجرحى والأسرى، وهذه سابقة تاريخية لم تحدث في تاريخ الدولة الإسرائيلية منذ تأسيسها ١٩٤٨، والتي كسرت بموجبها أسطورة (الجيش الإسرائيلي الذي لايُقهر)، وعليه، فقد وضعت إسرائيل في موقفٍ لاتحسد عليه أمام شعبها؛ في حال لم تتمكّن من استعادة هذه الثقة مجدداً، وهذا غير ممكن ، إلا اذا قامت إسرائيل بعملٍ نوعي ؛ يزيد كثيراً عما قامت به حماس، ومن هنا، فقد أعلنت اسرائيل، وعلى لسان رئيس الحكومة نتنياهو، على ضرورة اجتثاث حماس كلياً في غزة، وهذا ليس بالأمر السهل ، ولن يتحقّق ؛ مالم تقم إسرائيل باجتياح غزة بالكامل، والقيام بعملية عسكرية ضخمة قد تمتد لشهور عدة، إضافةً إلى الآلاف من الضحايا، المدنيين والعسكريين ، وتهجير مئآت الآلاف، وهذا ما لا تقبل به جميع الدول العربية وكذلك المجتمع الدولي،إضافةً إلى حلفاء إسرائيل أيضاً، وخاصةً أمريكا، التي لاترغب في ذلك أيضاً ؛ خشية أن تتوسّع رقعة الحرب ، لتشمل كلّ الشرق الأوسط،و لايستطيع أحد حينها توقّع مداها ومدتها، ومع أنّ الغارات الجوية الكثيفة، للجيش الإسرائيلي على غزة ، منواصلة منذ اليوم الأول ، وتخلّف المزيد من الضحايا، إلا أنّ الاحتياج البري للقطاع لم يبدأ بعد، والعالم يحبس أنفاسه إزاء التدخل البري المحتمل.
من جانبٍ آخر، فإنّ منظمة حماس تعتبر حلقة من حلقات المحور الإيراني بامتياز ، والذين يسمون أنفسهم ب(محور المقاومة)، والذي يضمّ كلاً من حزب الله اللبناني والنظام السوري والمليشيات الشيعية العراقية والحوثيين في اليمن ، والذين يعملون جميعاً تحت أمرة القيادة الايرانية، ويهدّدون إسرائيل باستمرار، بأنّ التدخل البري في غزة يعتبر من الخطوط الحمراء بالنسبة لهم، وهذا يفسّر بأنهم سيدخلون الحرب في حال حصول ذلك.
وبهذا الصدد نستطيع القول بأننا أمام أربع سيناريوهات محتملة في المرحلة المقبلة.
الاحتمال الاول:
– أن تنفّذ إسرائيل تهديدها ويحصل الاجتياح ، وتبقى إيران متفرجاً ومكتفياً بالمظاهرات والخطابات الإعلامية الرنّانة ، وهذا هو المرجح، خاصةً بعد تصريح مندوبها في الأمم المتحدة بأنهم (لن يدخلوا الحرب وإنّ إيران تهتمّ بمصالح شعبها) ، وهذا يفسّر بأنّ إيران تركت حماسها لمصيرها وحدها، أو بيعت لأمريكا واسرائيل مقابل مسائل أخرى بين الطرفين، وحينها ستسقط ورقة التوت الأخيرة لما يسمّى ب(محور المقاومة) وكشفت زيف دعم إيران للشعب الفلسطيني الذي يتغنّى به ، منذ تأسيس نظام الملالي في إيران ١٩٧٩.
الاحتمال الثاني : أن لايحصل التدخل البري الإسرائيلي تحت ضغط المجتمع الدولي والأمريكي، وهذا يعني انتصار حماس ومحورها في الشرق الأوسط ، مهما كانت الخسائر البشرية الناجمة عن الغارات الجوية، ويترتّب على ذلك امران :
– الأول :فقدان الشعب الإسرائيلي الثقة بجيشه في عدم قدرته على حمايتهم من هجمات حماس مستقبلاً، وهذا ما يدفعهم إلى الابتعاد عن المستوطنات القريبة من غزة والضفة الغربية ، وهذا يعني إسقاط المشروع الاستيطاني كلياً، إضافةً الى أنّ قسماً كبيراً من الاسرائليين سيفكّرون بترك إسرائيل نهائياً والهجرة.
– الثاني: خروج إيران وحلفائها منتصرين من الحرب، وحينها ستتحوّل إسرائيل من قوةٍ، يحتمي بها الآخرون ،الى دولةٍ تعيش تحت رحمةإيران وصواريخ حلفاء إيران، وهذا ما لاتقبل إسرائيل حدوثه قطعاً.
اذاً :المعركة بالنسبة لإسرائيل حياة أو موت الدولة الإسرائيلية ؛ لذلك أرجّح احتمال العمل العسكري البري .
الاحتمال الثالث : وهو دخول إيران وحلفائها الحرب، بعد الاجتياح، وهذا يفضي إلى أن يتحوّل الشرق الاوسط بكامله إلى كتلةٍ من النار، تشترك فيه دول عدة، ويفضي في النهاية الى تغيير خارطة الشرق الأوسط السياسية ، وهذا ما أشار إليه نتنياهو في أول خطاب له بعيد الأزمة .
الاحتمال الرابع : أن تتفق جميع دول المنطقة، بمافيها إيران والغرب ، على انهاء حماس سياسياً وعسكرياً في الداخل والخارج، وتكليف السلطة الفلسطينية على فرض السلطة في القطاع ، من خلال دعمها عسكرياً من قبل مصر والأردن واجتثاث حماس من كل الأراضي الفلسطينية، ومن ثم الدخول في مفاوضاتٍ جدية على أساس حلّ الدولتين ، كما هو متفق بين العرب وأمريكا ، وعلى الرغم من ضعف فرص نجاح هذا الاحتمال، إلا أنه ليس مستحيلاً ؛ اذا ماحصل توافق دولي إقليمي.
في الخلاصة علينا أن ننتظر قليلاً ، وستتوضّح معالم الصراع قريباً.