آراء

فات كاتس الثورة السورية واقتصاد الحرب في عفرين

ﭼﻠﻨﮒ عمر

عضو جمعية الاقتصاديين الكرد – سوريا

عندما قام السوريون بثورتهم وضعوا لها شعار الحرية والكرامة عنواناً سعوا من خلاله إلى الحصول على الخبز والعدالة الاجتماعية وحريةٍ لطالما افتقدوها في ظل نظام البعث الذي استخدم التعذيب والقهر لإسكات كل صوت حر، لذا هدفت الثورة لإسقاط فاسدي السلطة ومحتكري الثروة من «الفات كاتس» أو القطط السِمان الذين انتقلوا من الفناء الخلفي لنظام البعث إلى واجهته وأصبحوا يتبوؤون الحكم ويمارسون فسادهم وقهرهم جهاراً نهاراً.
عندها لم يكن يخطر ببال السوريين أن ثورتهم ستكون وبالاً عليهم، وبأنها ستجر عليهم ويلات حرب تجعل مجرد البقاء على قيد الحياة ترفاً، وبأنها ستنجب الآلاف إن لم نقل عشرات الآلاف من أمراء الحرب والمنتفعين من حالة الصراع والساعين لأن يصبحوا قططاً سِمان على شاكلة فات كاتس البعث، هؤلاء الذين تسلقوا على الثورة السورية وقزّموها إلى صراع طائفي مقيت على السلطة يستفيدون من حالة الحرب لابتزاز الشعب واستغلال أبسط حاجاته المعيشية، هؤلاء هم من يقطع خطوط الماء والكهرباء والوقود، هم من يغلق الطرقات ويمنع دخول المواد إلى كل منطقة ترفض منطقهم التكفيري ومجالسهم وهيئاتهم الشرعية.
ففي اجتماع عقد في مدينة بازل السويسرية بمبادرة من “الوحدة الاستشارية لصنع السلام” قدم خبراء غربيون شهاداتهم عن اقتصاد الحرب في سوريا، وشارك في المؤتمر خبراء سوريون وأكاديميون غربيون يحملون تجارب مناطق نزاعات أخرى، إضافة إلى خبراء من مكتب الممثل الدولي “ستيفان دي مستورا” لإيجاد رابط بين تجميد الصراع واتفاقات وقف النار واقتصاد الحرب.
حيث يعرف اقتصاد الحرب وفقا للكاتب الكندي فيليب لوبيون بأنه «نظام إنتاجي وتعبوي يعمل على توفير الموارد الاقتصادية لضمان استمرارية حالة العنف».
واتفق أكثر من مشارك على أنه لم يعد هناك «اقتصاد سوري»، بل «اقتصادات» في سوريا، فانتهاء السيطرة الشمولية عسكرياً وسياسياً، انسحب على الاقتصاد أيضاً، إذ أنه وبحكم الحاجة والربح والجشع نشأت منظومة اقتصادية جديدة من أول مظاهرها تقليص ومن ثم غياب دور المؤسسات الاقتصادية الحكومية والخاصة في مقابل ظهور اقتصاد القتال والمعارك بين أمراء الحرب واللاعبين غير الحكوميين واقتصاد الظل ونشاطاته.
حيث انتقل الثقل الاقتصادي الداخلي من حلب إلى الساحل السوري وقدم النظام تسهيلات اقتصادية لتأسيس مشاريع في مدن ساحلية أو نقل مصانع من الداخل إلى الساحل الذي يتمتع بانتعاش وأمان وإعمار غير موجود في باقي مناطق البلاد. وصار هناك اقتصادان: واحد في منطقة الساحل، واقتصاد في مناطق الداخل.
فاقتصاد حلب والرقة وإدلب بات مرتبطاً بالاقتصاد التركي ومصالح أهالي درعا وحوران في الجنوب متشابكة مع اقتصاد الأردن، واقتصاد الشرق فهو مرتبط بداعش وعابر للحدود إلى شمال غربي العراق، ودمشق تترقب اللحظة التي ستميل فيها الكفة لصالح أطراف الصراع السوري قبل حسم الموقف السياسي، في المقابل تمتعت المناطق الكردية في روج آفا بحالة اقتصادية صحية نوعاً ما، حيث نشأ فيها نظام اقتصادي ملأ الفراغ الحاصل من انسحاب النظام حيث وفرت الإدارة الذاتية الديمقراطية الماء والغذاء والطاقة بشكل جزئي، وهو ما لم يحصل بالسوية ذاتها في مناطق النظام والمعارضة.
إذ أن الشعب الكردي ومنذ البداية اختار طريق البناء ومارس حقه بالدفاع المشروع، فكانت العديد من المؤسسات والهيئات التي نظمت شؤون الناس والمجتمع، فكان مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي طُرح إطاراً ديمقراطياً جامعاً وضامناً للتعايش المشترك لكل المكونات في روج آفا، بيد أن الذي حصل هو أن المتاجرين بالثورة وأتباعهم من القطط السِمان وتجار الحروب لم ترق لهم فكرة إدارة الكرد لأنفسهم فشرعوا بمحاربة التجربة الكردية الوليدة، حيث لجأ هؤلاء إلى حصار مناطق روج آفا اقتصادياً، مما ولد وضعاً معاشياً صعباً في المناطق الكردية.
ففي مقاطعة عفرين ترافق الحصار مع ظهور ثلة من مقتنصي الفرص من تجار الأزمات، الذين وجدوا في الحصار فرصة سانحة للاغتناء السريع، هؤلاء توحدّت مصالحهم الشخصية مع من يفرض الحصار، فبدا لوهلة وكأن هناك تنسيقاً بينهم! فاحتكروا المواد وتحكموا بالأسعار مفرغين ما تبقى من ليرات في جيوب الفقراء الذين اضطر مئات الآلاف منهم للهجرة بحثاً عن لقمة العيش، وتزامن هذا الوضع مع دخول عدد كبير من التجار الغرباء عن المقاطعة إليها والذين باتوا يسيطرون على السوق وصيرورة الحركة التجارية من خلال تحكمهم بدخول المواد والسلع من والى المقاطعة وفقاً لشبكات المصالح التي أنشأوها في الداخل والخارج مستفيدين من علاقاتهم مع من يحاصر المقاطعة، هؤلاء تجاوز تأثيرهم تالياً بأن أصبحوا يتملكون جزءاً كبيراً من ثروات المقاطعة من خلال رؤوس الأموال الكبيرة التي يضخّونها من خلال سماسرة وشركاء محليين في قطاعات اقتصادية غير منتجة، مما تسبب باستنزاف كبير لموارد المقاطعة وتوظيفها في قطاعات اقتصادية غير منتجة، فالقطاع الزراعي على سبيل المثال أصيب بإنهاك تام نتيجة الجفاف وغياب المقومات الضرورية للإنتاج الزراعي من بذار وأسمدة وإمكانية تصريف الإنتاج نتيجة الحصار وتحكم التجار وغياب استراتيجيات بديلة بسبب ضعف البنية التحتية وبقاء الصناعة تراوح مكانها لا تتعدى الصناعات البسيطة التي لا تسد عُشر حاجات المقاطعة، ففي الوقت الذي تعرضت فيه الفاكهة للتلف كان يتم استيراد المربيات، في المقابل شهد القطاع العقاري طفرة غير طبيعية لا تتلاءم ودخل المواطن العفريني حيث ارتفعت أسعارها بشكل جنوني وباتت تشكل مرتعاً خصباً للمضاربات، فثمن الشقة في عفرين وصل إلى 30 مليوناً في الوقت الذي يبلغ متوسط دخل العائلة 30 ألفاً فقط، واذا أراد أحدٌ ما شراء شقة في المدينة ينبغي عليه بيع بضعة هكتارات من أراضيه الزراعية، وبالطبع يشكل هذا التوجه خطراً على المسارات الاقتصادية التي يراد النهوض بها وتنميتها من قبل المُخطط الاقتصادي في الإدارة الذاتية الديمقراطية.
إن هذه الفئة من تجار الحروب الذين يمكن وصفهم بفات كاتس روج آفا واللاهثين خلف جشعهم مَثلهم مثل القطط السِمان البعثيين والإسلاميين لا دين ولا وجه ولا هوية لهم، ديدنهم مصلحتهم، إنهم الخطر الداخلي على ثورة روج آفا، فيجب التنبه لهم، والحد من جشعهم، وتفكيك شبكات مصالحهم الأخطبوطية التي إن استمرت ستشكل منظومة فساد تتحكم بمفاصل القرار بعيداً عن الأهداف الحقيقة لثورة روج آفا في بناء اقتصاد اجتماعي يحقق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.
الرابط على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/Komela.Aborinasen.Kurd.li.Suri2006
الايميل: kak.suri2006@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى