آراء

فحوى التصعيد الغربي مؤخراً تجاه إيران.. ودلالة مفاوضات فيينا

نزار موسى

بايدن وحين استلامه لدفة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٢٠ ، أعطى الأولوية للدبلوماسية الناعمة في التعاطي مع الملف الإيراني ، واستمرّ بذلك في سياسة حزبه في ذلك ، فدخل بايدن ومعه الأوربيون في مفاوضاتٍ ماراثونية مع إيران في فيينا ، كمنصة لمعالجة ملفات عدة في المنطقة من خلالها ، سواءً المتعلقة منها بإيران بدلالة مخاطر سلوكها كدولة اقتربت من امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية التي يصعب على أسرائيل تصورها كواقع ، وغيرها المتعلقة بتنامي نفوذ قوى دولية أخرى ، على حساب نفوذ أمريكا في المنطقة ، وغيرها أيضاً من مناطق النفوذ ، بغية أن تحافظ على مصالحها وهيمنتها الأحادية كقطب ، بيدها معظم ملفات الأزمات في العالم .

ولكن وبعد أن طالت هذه المفاوضات المذكورة ووصلت إلى الطريق المسدود ، باتت المنطقة تفقد استقرارها أكثر فأكثر ، ومع بروز الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا ، تعقّد المشهد أكثر ، وبات التسابق بين الطرفين في رفع سقف التفاوض على طاولة فيينا ، حتى أفرز هذا التجاذب إصطفافاً جديداً و واضحاً في الأقطاب والمصالح ، وبات التقارب الصيني الروسي من جهة إستراتيجياًٌ أمام أمريكا وحلفائها ، حتى توّج النظام الإيراني بانفراج القطب الجديد المتجدد هذا ، فساهم ذلك شيئاً فشيئاًعلى إشراك القطب الجديد في ملفاتها ، باتفاقٍ مفاجئ بينها وبين الرياض ، مما زاد من تفاؤل الكثيرين بأنّ هذا التغير الحاصل سيمتدّ أكثر ليلقي بظلاله على بقية الملفات المجاورة كالملف اليمني و السوري وغيرها من الملفات المتأزّمة ..

كما ودوماً كانت إسرائيل هي الجهة التنفيذية أمام التحركات الإيرانية ، فقد وصل الأمر بها أن تدخل الأجواء الإيرانية بأسرابها الجوية المتطورة في آب ٢٠٢٢ ، وأخذت تتوعّدها في كلّ مناسبة ، خشية أن ترفع إيران درجة التخصيب الكافية لصنع العتاد النووي العسكري الخاص بها ، وكذلك النفوذ الإيراني في سوريا بات تحت الضربات الإسرائيلية مراراً لقطع الطريق عليها في أن تصل إيران على حدودها وتهدّد أمنها ، أما مؤخراً وبعد انخراط إيران في الصراع الغربي الروسي لصالح روسيا عبر تكنولوجيا مسيراتها العسكرية ، أثار ذلك حفيظة إسرائيل أكثر ، خاصةً وإنْ تمكّنت إيران من تطوير منظومتها تلك وهي تخضاعها للتطبيق على الأرض في أوكرانيا ، بالتالي تصبح تهديداً حقيقياً على أمنها وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة .

ماهية السياسة الأمريكية المذكورة تجاه إيران في المنطقة ، إضافةً لكيفية تعاطيها مع الوضع الأفغاني ونظامها الحليف هناك ، ناهيك عن إزالة بايدن لجماعة الحوثي من قوائم الإرهاب آنفاً ، أثار ذلك كله تخوف معظم حلفاء أمريكا في المنطقة وتحديداً الخليج و المملكة العربية السعودية ، والتي بادرت لمعالجة ذلك وفقا لرؤيتها التي التقت بالمتنفّس الإيراني ، وكذلك إقليم كُردستان العراق ، والذي باتت الصواريخ البالستية الإيرانية وتهديدات الولائيين في العراق لها تحدياً كبيراً للإقليم ، في ظل استعصاء ماقبل تشكيل الحكومة العراقية الأخيرة ، مما بلغ بالولايات المتحدة الأمريكية ووفقاً لهذه المعطيات ، أن قامت بتقييم الوضع تكتيكياً ، وتنبّهت بضرورة إرسال مؤشرات تطمينية لحلفائها ،عبر الدفع بوزير دفاعها إلى المنطقة مؤخراً ، وذلك للقاء العديد من المسؤولين العسكريين وقادة الحلفاء في الشرق الأوسط ، في حين استمرار الترقب السائد من أي تنفيذ مفاجئ لأي تدخل إسرائيلي بغطاء أمريكي في المواقع الإيرانية المشبوهة ، لعرقلة أي مساعي متقدمة لها في تهديد الجوار ، و كذلك التلويح لها بأنّ بعض التبعات لتدخلها في مناطق أبعد من دائرة هلالها المبتغى قد تكون ممكنة أكثر من أيّ وقتٍ مضى ..

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “306”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى