آراء

فوضى التّخصّص لمنظمات المجتمع المدني في المنطقة الكرديّة في سوريا

محمود عباس
يعرف المجتمع المدني بأنه المجتمع الذي يتمتع بحرية التشكيلات الذاتية والطوعية التي تهتم وترعى شؤوناً اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والذي يحتوي على مجموعة من المؤسسات الاجتماعية مثل النقابات والمنظمات الاهلية التي تختلف في هيكلها التنظيمي وطبيعة نشاطها عن المؤسسات والأجهزة الحكومية, فهي مؤسسة يتم تشكيلها وإدارتهامن قبل مواطنون وليس الدولة حتى وأن كانت تخضع للأشراف القانوني من قبل الدولة و لهذا السبب فإن هذه المنظمات تسمى غير حكومية وهي تعرف اختصاراً بـ (NDOS).
تختلف مؤسسات المجتمع المدني عن المؤسسات والأحزاب السياسية التي تسيطر أو تسعى للسيطرة على السلطة, فمؤسسات المجتمع المدني لا تستهدف قلب النظام وإنما تهدف رعاية مصالح المجتمع والحد من تسلط الدولة, ومن أهم مهام التي تقع على عاتقها, هي طرح حاجات المجتمع ومناقشتها مع الشعب والدولة أو السلطات الحاكمة, وبغض النظر عن شرعية تلك السلطات أو عدم شرعيتها.
في مجتمعنا السوري عامة والكردي خاصة نلاحظ بأن العديد من منظمات المجتمع المدني تتملص من المهام الواقعة على كاهلها وتبتعد كل البعد عن الاهداف التي طرحتها في بداياتها الاولى وانظمتها الداخلية واصبح شغلها الشاغل هي البحث عن مشاريع التي يمولها المنظمات الدولية الداعمة لها بغض النظر عن حاجة المجتمع لتلك القضايا أو عدم الحاجة أو حتى الافضلية في اختيار الحاجات فتارة نرى جميعها قد توجهت إلى العمل الاغاثي و تارة أخرى نراها قد توجهت إلى طرح مشاريع عن الديمقراطية والعيش المشترك والتنمية البشرية وتلك المواضيع المتعلقة بالطفولة…. وما إلى ذلك دون أن يكون لديها أو لدى اعضائها الخبرة الكافية في طرح ومناقشة مثل هذه المشاريع والمواضيع, واصبح الكثير من تلك المنظمات تتخبط بين مهامها وكيفية القيام بها أو التهرب منها وبين القيام بمهام وواجبات منظمات أخرى فمثالاً وفي مسألة المنهاج المدرسية والتي فرضتها الادارة الذاتية الديمقراطية في كردستان سوريا وقيام الحكومة السورية التابعة لنظام الاسد بأغلاق المدارس في الاحياء والمناطق الكردية كرد فعل على تلك المناهج وعلى آثره دعى عدد من المنظمات النسائية إلى عقد اجتماعات مع عدد من المنظمات المجتمع المدني, لبحث تلك المسألة والخلفيات التي نتجت عنها من رفض البعض لتلك المناهج وامتناعهم من ارسال اطفالهم إلى المدارس وقد كان غياب المنظمات الطلابية واضحاً لدرجة عدم المشاركة واكتفاء احدها فقط بالتوقيع على البيان الاخير التي صدرت عن تلك الاجتماعات والتي كان من المفترض بأن تقوم هذه المنظمات بطرح هذه مواضيع ومسائل كونها مسألة طلابية تختص بالمنظمات الطلابية, كما تجاهلت العديد من المنظمات النسائية مسألة اغلاق قوات الاسايش ( الامن ) التابعة للإدارة الذاتية لمكتب كولشينا للمرأة الكردية في تل تمر ولم أرى منها أي بيان يذكر أو يطرح هذه المسألة كطرحهم لمسألة المناهج و اغلاق المدارس.
كما تقوم العديد من المنظمات النسائية بفتح دورات للطلبة في كافة المراحل الدراسية كنوع من المساعدة مع اهالي الطلبة بتحمل تكاليف تلك الدورات والتي اصبحت تشكل حملاً ثقيلاً على كاهلهم, في الوقت ذاته نرى ايضاً بأن العديد من المنظمات الطلابية ابتعدت بعداً كاملاً عن هذه المهام والذي يشكل من اهم واولى المهام التي يتوجب عليها القيام بها. علاوة على كل ذلك مشاركة بعض من تلك المنظمات ( النسائية والطلابية ) للعديد من مظاهرات التي قامت في الفترة الاخيرة في المناطق الكردية والتي دعى اليها طرف سياسي مضاد لطرف سياسي آخر .
إن ارتباط منظمات المجتمع المدني باطراف او احزاب سياسية تجعلها بعيدة عن مهامها واختصاصاتها تجعلها في حالة من التخبط والفوضى فمن الضروري أن تقوم كل طرف أو منظمة بنشاطات ضمن اختصاصاتها المعينة لملئ الفراغ الذي يحصل هنا وهناك, و لكي لا تضع نفسها بموضع الشك امام المجتمع و الفئات المستهدفة لها و المنظمات الدولية الداعمة لها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى