فوضى حلول الأزمة السورية – وصيانة القرارات المصيرية
بلال عتي
الشعب الكُردي في غرب كُردستان تعرّض للاضطهاد القومي الممنهج من قبل السلطات السورية منذ الاستقلال وحتى الأزمة السورية ، وبلغت تلك السياسات والممارسات حدها الأقصى في بداية مرحلة هيمنة الحركة القومية العربية على نظام الحكم ، واستثمار شعاراتها المناهضة الصهيونية والامبريالية العالمية (والحركات الانفصالية)، في الشارع لتحشيد الجماهير وتعزيز موقعها في سلطات الدولة، لتكريس حالة الاستبداد والدكتاتورية ، بعد السقوط المدوّي للعملية الوحدوية بين مصر وسوريا ، هذه العوامل وعوامل أخرى خارجية وإقليمية، وخاصةً ثورة أيلول بقيادة الملا مصطفى البارزاني وتأثيرها المباشر على تعزيز الهوية القومية وزيادة الوعي القومي الكُردي دفع بالسلطات السورية للقيام بعملية استباقية
استهدفت كلّ مقومات الحياة للشعب الكُردي في غرب كُردستان وعلى جميع الصُعُد :
1-الصعيد القانوني حيث تمّ تطبيق القوانين الاستثنائية في المناطق الكُرديةوأبرزها، تجريد الكُرد من الجنسية السورية، وماترتّب على ذلك الحرمان من التعليم وحق الملكية والسفر …. .
2-الصعيد السياسي :منع العمل السياسي الذي يهتمّ بالشأن الكُردي، وتعرّض كلّ مَن يمارس العمل السياسي للاعتقال والتعذيب الجسدي والنفسي ، وحرمان الكُرد من الخوض في الانتخابات بكلّ مستوياتها .
3-الصعيد الاقتصادي: حرمان المناطق الكُردية من المشاريع الاستثمارية، وتشغيل اليد العاملة مما أدّى الى زيادة معدلات البطالة والهجرة الى المدن الكبرى .
4-الصعيد الوظيفي: حرمان الكُرد من العمل الوظيفي في مؤسسات الدولة بجميع مستوياتها التعليمية والإدارية والصحية …
5-الصعيد الاجتماعي: عملت السلطات السورية على بناء مستوطنات على الحدود المصطنعة بين سوريا وتركيا لقطع الروابط الاجتماعية بين الشعب الكُردي على طرفي الحدود، ومصادرة الملكيات الخاصة من الأراضي الزراعية .
6-الصعيد الثقافي: منعت السلطات السورية التداول باللغة الكُردية، كتابةً وقراءةً، ومنع التكلم باللغة الكُردية في المؤسسات العامة ، والاحتفالات بالعيد القومي والوطني للشعب الكُردي ” عيد نوروز ” ،واتّبعت سياسات التعريب التي غيّرت أسماء المدن والقرى، وحتى طالت أسماء الأشخاص .
كلّ تلك السياسات والممارسات كانت بهدف إضعاف قدرات الشعب الكُردي ؛ للحصول على حقوقة وحريته، والقضاء على مقومات القضية الكُردية وإنهائها .
★ – الانتفاضة السورية الشاملة أو ” الثورة السورية ” السلمية اعطت بارقة أمل للشعب السوري عموماّ، و الشعب الكُردي خصوصاً، بإزالة النظام الدكتاتوري الاستبدادي ، وحل كل المشاكل المستعصية وبناء دولة القانون التي تضمن كافة الحقوق لكل مكونات سوريا ، إلا أنّ التدخلات الإقليمية وتحريك أدواتها واستقطاب الإرهابيين وتجنيدهم في الحرب بالوكالة ، للاستئثار بالقرارات المصيرية لشعوب الشرق الأوسط عموماً وإشغال القوى العظمى في محاربة الإرهاب ، وفرض واقع تقاسم النفوذ في سوريا واستدامة الصراع في فوضى الحلول وإعطاء الصراع السوري الطابع الطائفي من جهة ، ومن جهة أخرى إعطاء الصراع طابع النزاع على السلطة بين الأطراف المتصارعة ، لكن حقيقة الأمر اإنّ لصراع السوري له جذور عميقة ومتشعبة، والحل السياسي غير قادر على معالجة الأزمات المتراكمة، ولابدّ من التوافق على الحلول الجذرية التي تتناول الدستور وبنية الدولة ونظام الحكم ، والقضية الكُردية في غرب كُردستان ركن أساسي من أركان حلول الأزمة السورية ولحماية هذا الركن.
لابدّ من صيانة القرارات المصيرية في فوضى الحلول السياسية للأزمة السورية ، ولصيانة القرارات المصيرية يجب أن يتمّ صياغتها بأفق سياسية على قاعدة قانونية وبمصادقة شعبية، وهذا يتطلّب بناء هيئة تكتسب ثقة الشعب للقيام بدور السلطة في صياغة القرارات والتحاور حول مرتكزاتها ، مع جميع أطراف الصراع بندية .
★- المجلس الوطني الكُردي ،مهام واستحقاقات ، اتخذ المجلس الوطني الكُردي قراراً مصيرياً في صورة وثيقة التفاهم مع الائتلاف السوري المعارض لحل القضية الكُردية ، تلك الوثيقة غير مكتملة الأركان للأسباب التالية :
1- المجلس الوطني السوري لايمتلك شرعية السلطة في اتخاذ القرارات ، لأنه يمثّل مجلساً حزبياً وبذلك يفقد ركنين أساسيين لاكتساب الصفة الشرعية، وهما
(الهيئة القانونية – والهيئة التشريعية ) .
2-القرارات المصيرية تحدّدها التقاطعات بين الرؤى السياسية وتطلعات الشعب والقواعد القانونية مع مراعاة الظرف الزمني وواقع الأحداث والتحولات الدولية .
3-التعامل أنذاك مع الائتلاف السوري كنظام بديل وحيد للنظام القائم حالياً ، في حين أنّ قرار الائتلاف كان ولازال مرتهن لدى أحد أهم أقطاب الدول الضامنة .
4-وثيقة التفاهم جعلت من المجلس الوطني ملحق للائتلاف أو جزء منه، وبذلك استبعدت الوثيقة عن محاور النقاش في مجلس الأمن وحتى عن محاور النقاش في اللجنة الدستورية .
5- كل الإجراءات التي اتخذت بخصوص اللجنة الدستورية أو الحلول السورية لم يكن التمثيل الكُردي فيها وفق النسبة الحقيقية .
إنّ المجلس الوطني الكُردي بتركيبته الحالية غير قادرة على تعديل الوثيقة او التقدم بوثيقة جديدة تضمن حقوق الشعب الكُردي ، لذا لابدّ من إعادة هيكلته ومآسسته بثلاث هيئات منفصلة تمثّل إرادة الشعب الكُردي :
– هيئة قانونية يتمّ انتخابهم من قبل المحامين ورجال القانون .
– هيئة تشريعية : يتمّ اختيارهم من منظمات المجتمع المدني والشخصيات الثقافية والسياسية المستقلة .
– هيئة تنفيذية : يتمّ الاتفاق بين الأحزاب لقيادة المرحلة .
★ – الخلاصة :
مقترحات الحلول للأزمة السورية كثيرة ومتعددة ، وتبدو متناقضة، لكن في حقيقة الأمر الحل النهائي سوف يكون جامع لتقاطعات الأفكار والمفاهيم في كلّ مقترحات الحلول ، لذا يتطلّب من كلّ القوى الفاعلة الاجتماعية والثقافية والسياسية الكُردية تطوير المجلس الوطني الكُردي بنيوياً على المستوى الفكري والتنظيمي ؛ لتمكينه من اتخاذ القرارات والذهاب بها إلى طاولة الحوار مع جميع الأطراف لضمان حقوق الشعب الكُردي وتثبيتها دستورياً بإشرافٍ دولي.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “321“