منوعات

فيلم قصير يوصل لاجئ كردي للعالمية

في أول تجربة له كمخرج سينمائي ورغم الإمكانيات المتواضعة تمكن المخرج الكردي السوري سيبان حوتا من المشاركة بفيلمه القصير “ولد وكرة” في عدة مهرجانات في ألمانيا ليشق بذلك طريقه إلى العالمية.
سيبان حوتا،27 عاماً، مخرج ومصور فوتوغرافي شاب، ينحدر من أسرة كردية بمدينة عامودا في أقصى الشمال السوري على الحدود السورية التركية. بدأ حوتا دراسة الأدب الإنجليزي في مدينة دمشق، غير أنه وجب عليه تركها بسبب الأوضاع الأمنية في سورية ورحيله إلى ألمانيا.
وحول قرار مغادرته سورية، بعد مضي ثلاث سنوات على اندلاع الحرب هناك، يقول سيبان: “اضطررت لترك دراستي في دمشق والبقاء في عامودا حتى لا أرغم على الانضمام لجيش النظام وعلى الخدمة الإلزامية. لكن بعد أن أصدر الحزب الكردي الحاكم في مدينتنا قراراً بانضمام الشباب في العمر بين 18 و30 للخدمة العسكرية، لم يكن أمامي سوى خيار المغادرة”.
ويضيف سيبان واصفاً معايشته للحرب الدائرة في سورية قائلاً: “الحرب هي أسوأ كلمة في قاموس البشرية كلها، الحرب لا تعني فقط القصف والدمار، بل تعني أيضاً أن تكون محاصراً بخيارات ضد رغباتك ومجبراً على القيام بها، أنا لم أعايش الحرب، الحرب هي التي عايشتني وسلبت مني كل غالٍ”.
سيبان الذي وصل إلى ألمانيا كلاجئ بمساعدة مهربين، يصف تجربته قائلاً: “وصولي إلى ألمانيا كان عن طريق التهريب، والتهريب يعني أن تتحول إلى بضاعة لها سعر محدد”.
أنهى سيبان تصوير فيلمه الفيلم القصير الصامت “ولد وكرة”، ومدته 3 دقائق، عام 2013 في مدينة عامودا. الفيلم يقدم صورة الأمل في واقع الحرب والدمار، بحسب مخرجه الشاب: “إن من يتوقف عن النظر للأمل والحلم، يصبح ميتاً، هذه هي الفكرة الأساسية للفيلم الأمل والحلم بغد أفضل”.
ويضيف سيبان “الفيلم يعبر عن حلم كل إنسان بانتهاء الحرب أينما كان، وفكرة الفيلم بسيطة وتدور حول الحلم بالعيش في عالم أجمل من الذي نحيا فيه، طبعاً خالياً من الأسلحة، وإن استطعنا ذلك سنعيش جميعاً بسلام”.
في فيلم “ولد وكرة” يظهر طفل، وهو يلعب بكرته، ثم يعثر على رصاصات الكلاشنكوف، ومن تم يقوم بحملها في جيبه وحفر الأرض بين سنابل القمح الصفراء في نهاية الصيف فيخبئء تلك الرصاصات بداخلها.
الفيلم يسلط الضوء بشكل عام على ظاهرة انتشار السلاح في العالم العربي وسورية بالأخص، السلاح الذي بات في متناول الأطفال، بدل الألعاب. وعن هذه الظاهرة، يقول سيبان: “في سورية بشكل عام، لم يعد هَمُّ الأطفال اللعب أو معايشة الطفولة التي يجب عليهم معايشتها ببراءة، بل باتوا بشكل غريب يعرفون كل أنواع السلاح ومواصفاتها ولم تعد الكرة (والألعاب التقليدية) هَمَّهُم، بل أصبحوا يلعبون لعبة الكر والفر في حروب المداهمة والهجوم، الأمر يجري بهذا الشكل الآن في سورية وفي أي بلد يعاني من الحرب”.
ويضيف سيبان: “رأيت الطفولة تُقتل وتُسلب، وهذه الأمور دفعتني لأقول في ثلاث دقائق (مدة الفيلم) كفوا عن الحرب واتركوا الأطفال بعيداً عن الصراعات. لا تقتلوا براءتهم بإقحامهم في لعبة الكبار”.
دوافع سيبان لمعالجة هذه الظاهرة في فيلمه كثيرة ومنها كما يقول: “التأثير الذي كنت ألمسه في الحياة اليومية للحرب على المجتمع ككل وعلى الأطفال بشكل خاص، هل يمكن لأحد تصور عيش الطفل مسلوباً من طفولته وبراءته، العالم مليء بالسلاح والحرب ستستمر، وإذا ما انتهت فإنها ستستيقظ من جديد – إن لم يكن ذلك في سورية ففي دولة أخرى – إن فيلمي هو الخيط الرقيق جداً للضوء الذي يمكن رؤيته وسط الظلام، وما هو إلا حلم وقد يتحقق الحلم يوماً”.
بطموحه الجامح وإصراره على إيصال فكرته، تمكن المخرج الشاب من تخطي جميع الصعوبات والتحديات، التي واجهته في تجربته الإخراجية الأولى. أكبر هذه الصعوبات تمثلت بالنسبة لسيبان في تصوير أفلام قصيرة وجعل الأمر يبدو طبيعياً في مجتمع يعاني من الحرب وعدم تقبل التصوير بالكاميرا، سواء في الشارع أو في الأماكن العامة .
ويتابع سيبان الحديث عن الصعوبات قائلاً: “قمت بإعادة تصوير فيلمي ثلاث مرات، وذلك لعدة أسباب منها نقص الأدوات والكاميرات التي لم تكن تساعدني في إعطاء النتيجة التي كنت أودها وأيضاً بسبب نقص التجربة في مجال صناعة الأفلام القصيرة”
ويضيف: “قمنا بتصوير الفيلم بكاميرتين قديمتين بنوعية لا بأس بها و بعد الانتهاء من التصوير للمرة الثالثة وأثناء عملية المونتاج كانت ألوان إحداهما غير صالحة للمونتاج لذا اعتمدنا بشكل أساسي على كاميرا واحدة”.
كما أن تجربة سيبان حوتا، في مجال التصوير الضوئي ساعدته كثيراً في مجال تصوير الأفلام: “كانت هناك عبارة لـمساعدي حسن حليمة أتذكرها دائماً: كل مشهد في الفيلم يجب أن يكون عبارة عن صورة فوتوغرافية ”
ويذكر المخرج أن فيلمه كان بإنتاج خاص ولم يتلق الدعم من أيه جهة أو منظمة ممولة لمثل هذه المشاريع.
فيلم قصير مدته ثلاث دقائق وبإمكانيات متواضعة، أوصل بشاب من مدينة عامودا إلى العالمية بعد عرضه الأول في مهرجان الكاميرا العربية في مدينة روتردام الهولنديّة.
وعن كيفية تحقيق هذا النجاح في أول تجربة إخراجية، يقول الشاب السوري: “عندما كنا نعمل على إخراج الفيلم وتصويره وإنهائه كنتُ أؤكد لصديقي حسن حليمة، الذي ساعدني في إنتاج الفيلم، أني لا أركز على جودة ونقاء الصورة أو على استخدام معدات احترافية بقدر ما أصر على إيصال فكرتي”.
ويضيف سيبان: “برأيي الشخصي هي الفكرة التي لامست جوهر الحرب الدائرة حالياً في سورية، ولا أعلم ما هو رأي مشاهد الفيلم بشكل عام، وهل يراه ناجحاً أم لا، غير أني واثق من أني أوصلت فكرتي لكل من شاهد الفيلم أو سمع عنه وهي أوقفوا الحرب لقد أرهقَتنا”.
وقد تم عرض الفيلم في تسع مدن ألمانية في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2015 ضمن مجموعة من الأفلام السورية القصيرة التي تم انتاجها بين عامي 2013 و2014 وعرضت بكولونيا، وبرلين، ولايبتزغ وأيضاً في دريسدن ضمن مهرجان الأفلام القصيرة هناك.
دويتشه فيله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى