آراء

في إشكالية الخلط بين الحركة التحررية الكُردية و pkk

شاهين أحمد

بدايةً من الأهمية الإشارة إلى نقطةٍ في غاية الأهمية والخطورة والحساسية تتعلّق بغياب التمييز من جانب نخب شركائنا في المكون العربي السنّي الكريم في سوريا بين حزب العمال التركي وفروعه، وبين الحركة التحررية الكُردية في سوريا. حيث الوقوع مراراً وتكراراً من جانب هؤلاء الإخوة في خطأ اعتبار العماليين جزءاً من الحركة التحررية الكُردية ، وتحميل الحركة مسؤولية أعمال وممارسات pkk . علماً أنهم يدركون جيداً بأنّ المكون الكُردي في سوريا هو أكثر مكونٍ تعرّض للظلم والقتل والتهجير ، وتعرّضت حواضره للتدمير بذريعة وجود العمال الكُردستاني وفروعه ومسمياته المختلفة. وسبق لنا أن شرحنا لشركائنا في المكون العربي في سوريا ماهية وحقيقة pkk كشركةٍ مساهمة تعمل لصالح كلّ الجهات المعادية لقضية الشعب الكُردي . ولكن وبكلّ أسفٍ مازال الخلط قائماً!.

وهنا نريد أن نسأل هؤلاء الشركاء : هل يجوز أن نحمّلكم نتائج ممارسات التنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة وأخواتهما ووزر المجازر والجرائم التي ارتكبتها بحق أبناء شعبنا الكُردي ؟.

هل تتحمّلون مسؤولية المصير المجهول لآلاف الشباب الكُرد الذين تمّ خطفهم من قبل تنظيم داعش الإرهابي ؟.
هل يجوز أن نحمّل العرب السوريين وزر أفعال نظام البعث العروبي ومشاريعه العنصرية وقوانينه الاستثنائية التي هدفت لمحو هوية الشعب الكُردي في سوريا؟.
هل يجوز أن نحمّل العرب السنّة في سوريا مسؤولية الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها ومازال أهلنا في عفرين والباب وإعزاز وتل أبيض / كري سبي ، ورأس العين / سري كانيي …إلخ . على يد الفصائل العسكرية العربية السنّية التي تسيطر على تلك المناطق؟.

مناسبة الكتابة في هذا الموضوع من جديد، المساهمة التي نشرها العميد المنشق أحمد رحال تحت عنوان ” قسد فشل في دمشق وفرصة في أربيل ” في موقع ” the levant ” بتاريخ الـ 29 من تموز 2022 ، و رحّال هو عميد ركن و ضابط سابق في البحرية السورية، وكان يعمل مدرساً في الأكاديمية العليا للعلوم العسكرية السورية قبل إعلان انشقاقه في تشرين الأول 2012 وانخراطه في العمل العسكري المعارض ، حيث تمّ تهميشه واستبعاده مثل غيره من الضبّاط المنشقين من قبل المتسلّقين على الثورة،فوجد ضالته في العمل الإعلامي، ليصبح أحد أبرز المحلّلين العسكريين على الفضائيات العربية . والحق يُقال أنّ السيد رحّال يَعتبر من بين الضبّاط الوطنيين الذين يرفعون أصواتهم عالياً ضد الانتهاكات التي تقوم بها مختلف الجهات الحاملة للسلاح في سوريا،وفي مختلف المواقع ، وخاصةً الفصائل العسكرية العربية السنّية المعارضة في مختلف مناطق سيطرتها. وهو من القلائل الذين ينتمون لـ مساحة الاعتدال، ويؤمن إلى حدٍّ ما بمفاهيم الشراكة الوطنية بين المكونات السورية المختلفة . وتعرض نتيجة مواقفه وآرائه للمضايقات والملاحقات والتهميش، وهذا يُسجّل له . لكن كلّ هذا لايعطيه الحق أو المبرر أبداً بأن يخلط هو الآخر بين حركة شعبنا القومية التحررية المعروفة بمواقفها وتاريخها ومشروعها في إطار سوريا، وبين العابرين للحدود الوطنية السورية – كوادر العمال الكُردستاني المنحدرين من خارج كُردستان سوريا – الذين أوتي بهم بموجب اتفاقية دوكان المعروفة، وسلّمهم النظام مناطق واسعة من كُردستان سوريا لأهداف معروفة للجميع . ونقتبس هنا بعض ماكتبه رحّال في مساهمته المذكورة ، حيث يبدأ الكاتب موضوعياً بقوله ” … على مدار سنوات الثورة وبعد انطلاقة متوائمة لحراك المدن السورية وحراك الجزيرة السورية بمعظم تموضعاتها، وبعد شعارات الشراكة الوطنية التي جمعت عامودا مع درعا،والقامشلي مع حمص وكوباني مع بانياس … “. ثم يدخل مسار مجانبة الحقيقة حيث يقول ” … توقفت تلك الشراكة ولم تكمل المسار، ولم تشقّ الطريق نحو نقطة تلاقي لبعض قيادات الكُرد (ولا أشمل الجميع) مع بقية إخوانهم السوريين، فانصرفوا لأهداف الكثير منها ما كان عابراً للحدود، وربطوا مصير المكون الكُردي السوري بمصير أكراد العراق وتركيا وإيران، ودخلوا بشراكاتٍ تنظيمية وقتالية مع حزب العمال الكُردستاني، وأطلقوا بعض التسميات التي تتوافق مع تلك المشاريع مثل (روج آفا)، تلك التسميات التي تعبّر عن مشروعٍ كُردي قومجي يتخطّى الحدود وغير قابل للتطبيق…”.

بدايةً يجب أن يعلم العميد رحّال بأنّ الشراكة لم ولن تتوقّف من جانب شعبنا وحركته التحررية ، وتلك الشراكة ستبقى مستمرّة لأنها نابعة من قناعة شعبنا عبر ممثليه بالمصير المشترك، وما وجود المجلس الوطني الكُردي في العملية السياسية إلا دليل قاطع على ذلك، لكن يبدو أنّ السيد رحّال أوقع نفسه في شباك pkk ، حيث اختلط عليه الأمر ،ولم يميّز بين العمال الكُردستاني التركي ومشروعه الوهمي الايكولوجي العابر للحدود، وبين الحركة التحررية الكُردية وجسدها الأساسي المتمثّل بـ المجلس الوطني الكُردي الذي ينطلق في نضاله من وجود جزء من الشعب الكُردي مع أرضه ( كُردستان الغربية ) داخل الحدود الإدارية والسياسية الحالية للدولة السورية التي نشأت نتيجة الاتفاقيات الدولية المعروفة وخاصةً سايكس – بيكو لعام 1916 ، بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وخلالها وتحديداً فرنسا ووالمملكة المتحدة وروسيا القيصرية وانسحاب الأخيرة منها في 1917بعد قيام الثورة الاشتراكية بقيادة لينين . وبالتالي المجلس يؤكّد على خصوصيته الكُردية السورية،ولا يربط مصير كُرد سوريا بأيّ جزءٍ آخر خارج حدود سوريا، ويعتبر أنّ القضية الكُردية في سوريا هي قضية وطنية سورية ، وبالتالي هي قضية جميع الوطنيين المؤمنين بالشراكة والتعايش الحر. أما استطالات pkk المختلفة فهي معروفة و تابعة بشكلٍ أو بآخر لـ قيادة قنديل لحزب العمال الكُردستاني التركي .

وكما ذكرنا والجميع يعلم كيف تمّ الاتفاق على تسليم مناطق واسعة من كُردستان سوريا إلى pkk من خلال مسمياته المتحولة والمتلونة بعد اتفاقية دوكان بين النظام السوري والعمال الكُردستاني وبوساطة وحضور ممثل الاتحاد الوطني الكُردستاني وبرعاية وإشراف النظام الإيراني . وهذه الاستطالات ليس فقط أنها لم تشارك في الاحتجاجات الشعبية في آذار 2011 منذ انطلاقتها فحسب ، بل وقفت ضد الحراك الشعبي السلمي في مناطق كُردستان سوريا وحاربوه واستشهد العشرات من الرموز الكُردية الثورية على أيدي مسلحي pkk مثل مشعل التمو ونصر الدين برهك وولات حسي وشهداء العلم في برج عبدالو – عفرين وعامودا وغيرها. وهناك العشرات الذين تمّ خطفهم من جانب مسلحي العمال التركي ومازالوا مفقودين ومجهولي المصير مثل القيادي بهزاد دورسن وضبّاط المجلس العسكري الكُردي وغيرهم . وهنا نسأل ، أيُعقل أنّ ضابطاً كبيراً له حضور إعلامي مستمر ومميّز ويشارك في مختلف الفعاليات لايميّز بين pkk واستطالاته ، وبين حركة تحررية قومية كُردية سورية عمرها أكثر من ستة عقود ونصف وتختلف في تركيبتها وخصوصيتها وأهدافها وتحالفاتها وأساليب نضالها اختلافاً كلياً!؟.

مَن ربط مصير كُرد سوريا بكُرد العراق او إيران ؟ .
هل هناك مشروع قومي كُردي في برامج وممارسات pkk ومختلف فروعه واستطالاته في مختلف أجزاء كُردستان؟
مَن يتحمّل مسؤولية هذا الجهل باللوحة الكُردية السورية؟.
والمؤسف أنّ السيد رحّال ليس الشخص الأول الذي يقع في هذا الخطأ ، وينزلق إلى حقول الخلط بين ماهو كُردي بخصوصية سورية وبين ماهو أدواتي عابر للحدود الوطنية السورية !. وهنا نريد أن ” نكرّر ” ونقول لهؤلاء الاخوة بأنه ليس لـ pkk أي مشروع قومي كُردي لا في تركيا ولا في سوريا ولا في العراق ولا في إيران ولا في أيّ مكانٍ على سطح الكرة الأرضية، وأينما حلّ هذا الحزب يحلّ الحرب والخراب . وأنّ المشروع الوحيد للعمال الكُردستاني التركي هو إنهاء الوجود القومي الكُردي فقط ، لذلك تحوّل إلى ذريعةٍ وحجةٍ لتحويل أماكن تواجده في جزأي كُردستان سوريا والعراق إلى بيئة طاردة لسكّانها الأصليين الكُرد ، وماتشهده شنكال ومناطق جزأي كُردستان المذكورين من تهجيرٍ وتدميرٍ خير دليلٍ على مانقول . ومن الأهمية بمكانٍ هنا الإشارة إلى أنّ الإصرار على هذا الخلط من جانب شركائنا يكمل مايقوم به مختلف الأدوات العابرة للحدود الوطنية السورية لجهة إلحاق الضرر بالنسيج الوطني السوري الممزّق أساساً، ويوسع الهوّة بين مكونات الشعب السوري وخاصةً بين المكونين الأساسيين العربي والكُردي ، ويزيد من منسوب الكراهية يوماً بعد يومٍ نتيجة ممارسات وانتهاكات مختلف الجهات الحاملة للسلاح. وننهي هذا العتاب ببعض الأسئلة التي تطرح نفسها:
ما مصلحة الثورة السورية في ممارسة الضغط على قسد لتقوية حجتها والارتماء النهائي في حضن نظام البعث؟.

أليس مايجري في الشريط الشمالي والشمالي الشرقي عبارة عن حلقة مكمّلة لمسار ” أستانا – سوتشي ” لـ تسليم النظام ماتبقّى من مناطق وعودته خطوةً خطوة ؟. أليس مايجري عبارة عن تنفيذٍ للمشروع الروسي الذي يتلخّص في عودة النظام إلى كامل الجغرافيا السورية ومن ثم القيام بإصلاحاتٍ دستورية متواضعة وخجولة ؟.

أما مايتعلّق بالوجود الأمريكي بتقديرينا الكلّ بات يدرك أنّ الأمريكي ليس لديه أي مشروع واضح لإيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة ، وأنّ السياسة الأمريكية في جوهرها تعتمد على إدارة الأزمات وديمومتها وإطالة أمدها والاستثمار فيها لتعميم الفوضى الخلّاقة – الهدّامة،وتوسيع دائرتها خدمةً لمصالحها في كلّ مرحلةٍ . أما بخصوص ماجرى ويجري في المناطق التي تسيطر عليها pkk من خلال مسمّى قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطي ، وكلّ مايتعلّق بها من تفاهمات وتوافقات تركية – روسية ، وتركية – أمريكية عقب عملية نبع السلام سنة 2019 وعودة انتشار قوات النظام على خطوط التماس وكلّ التفاصيل المتعلّقة بهذا الجانب هي تحصيل حاصل لن تغيّر من حقيقة أنّ حزب العمال الكُردستاني عبارة عن شركة مساهمة لمختلف الجهات المعادية للشعب الكُردي ، وذريعة لحروب وصراعات لن تنتهي إلا بإنتهاء الوجود القومي الكُردي.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي بعدد 301

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى