في الذكـرى الثالثة لمجزرة كوباني
محمد رمضان
يصادف الخامس والعشرون من شهر يوليو ’’ حزيران ’’ الجاري واقعة أليمة حلت بمدينة منكوبة مترامية الأطراف على سهل سروج تساندُ على كتف جبل أشم ’’ مشته نور’’ صامدة في وجه خفافيش الليل و أدمعت مقلتاها في ليلة غابت عنها ضوء القمر على أبناءها الذين رحلوا عنها بكل صمت أنها مدينة كوباني .
بعد ما عادت الروح إلى شرايين مدينة الركام التي تعرضت في وقت سابق للهجمات الشرسة من قبل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ’’ داعش ’’ وما حدث من التهجير الممنهج في المدينة وقراها بما فيها ريف تل أبيض الغربي ’’ كري سبي ’’ التي تعرضت للنهب والسلب شملت الأرض والحجر رغم ذلك عادوا أبناءها من مخيمات اللجوء والشتات رافضين الذل والهوان وحملوا على أكتافهم محبة موطن الأباء والأجداد.
في تلك الليلة الرمضانية التي لم تخلوا من العادات والطقوس في تبادل الأطعمة بين الخلان ولم يطول الوقت قبل الامساك حتى تبين الخيط الأبيض من الأسود تنكر المسحر بهيئة عزرائيل وطرق الباب على إمراة ثكلى وعند عتبة البيت بدأت الحكاية بصيحات الله أكبر.
بث الرعب في ليلة الغدر وامتزج أزيز الرصاص مع أنين الجرحى في الدجى وعمت رائحة الدم في كل زاوية منسية من أرض الديار مع حبس الأنفاس هرباً من رصاصة طائشة أو سكينة نحر .
ومع صيحات ديك الصباح معلنا بزوغ الفجر ابتسم الطفل الذي لم يتجاوز سنتان من عمره في حضن جثة هامدة أملا من ينقذ والدته من طعنات السكين وأشرقت شمس حزيران الدافئة وجفت الدماء على مصاصة الطفل وترقد روحه على رصيف برصاصة قناص مسجلاً بنود العار على جبين البشرية بأشد العبارات.
وكانت همسات من نجوا من رصاص وسكين بين الجدران المهترئة بعد مرور ثمان وأربعون ساعة يصارعون فيها بين الحياة والموت جوعا وعطشا وتأخذهم أفكارهم بسيطة إلى قبة السماء وتعانق أرواحهم البرزخ الإلهي متى سيموتون وكيف وبأي طريقة بسكين أم برصاص شنق أو حرق ودمعة لا تفارق عين امرأة تطلب الرحمة والمغفرة من ربها أن تموت قبل ابنها البكر وابنتها الصغرى قبل أن يعبروا إلى الضفة الثانية من بين ركام المنازل وعلى جثة العزيز وابتسامات مفعمة بحزن في وجه الشمس امتزجت صوت ناي ببكاء ثكالى وأيتام كانت تجوب الشوارع وكل الحارات وكل زاوية من زوايا مدينة الأشباح التي لها قصص وحكايات مسجلة تحت مسميات مجهولة الهوية و مناديل العرسان المبللة بحسرات متقطعة دون أن تكحل عيناها في سهرة صباحية ولملمة الأحزان نحو المقابر مسجلة أرقام فردية على كفن من قماش أسود وقيدت تلك المجزرة في أرشيف وذاكرة أبناءها في شتات بأشد المعاني وبقلوب مكسورة نحو غد مزدهر بينما اختفت أصوات من كانوا ينادون في توثيق وتدوين الأرقام واختبئوا خلف ظفر طفل أبكم كتب وصيته على الرصيف وعلق مصاصته على جدار مشته نور.