من الصحافة العالمية

في السودان لا أسى على سقوط البشير

جويس كرم

في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هناك على الأقل نوعين من القيادات السلطوية، واحدة تتسلط إنما تحاول الحفاظ على نوع من الاستقرار والبناء المؤسساتي للدولة ـ زين العابدين بن علي في تونس كان مثالا على ذلك ـ وهناك أخرى تتشبث بالسلطة على أشلاء المواطنين وبطمر البنية المؤسساتية وتمزيق وحدة هذه الدولة ـ عمر البشير في السودان مثال على ذلك.

ثلاثة عقود على حكم البشير انتهت بانقلاب عسكري وبنقل الرئيس المعزول إلى سجن “كوبر” في الخرطوم بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. انقلاب الساعات السبع في السودان تشوبه تحديات صعبة وضبابية للمرحلة المقبلة وسط خلافات وانقسامات داخل المؤسسة الأمنية نفسها، إنما لا خلاف بأنه كان عمر البشير أن يسقط لطي الصفحة على إرث مدمر وصعب للسودان وشعبه.

الانتهازية والقمع والتعجرف السياسي والغباء الاقتصادي أحاط حقبة البشير الذي خسر ثلث بلاده (جنوب السودان)، وأهدى جزيرة لتركيا (السواكن)، وأشرف على أحد أشنع المجازر في التاريخ الحديث في دارفور ليصبح أول رئيس مطلوب من محكمة العدالة الدولية وهو باق في الحكم. ظن البشير أن بإمكانه التذاكي واللعب على حبال الغرب والشرق، والرقص بين الإسلاميين والسلطويين، فيما أرقام البطالة تتخطى الـ 21 في المئة من السودانيين بحسب صندوق النقد الدولي في السودان، و40 في المئة يقبعون تحت خط الفقر.

ظن البشير أنه قطع المرحلة الأصعب بعد المذكرة القضائية الدولية في 2009 وأن بإمكانه أن يكون لاعبا إقليميا مرة أخرى، يزور دمشق والرياض والدوحة والقاهرة، ويوقع تعهدا لرجب طيب أردوغان بتملك جزيرة السواكن.

سقوط البشير هو سقوط هذه الانتهازية السياسية التي احتضنت الإرهاب ومزقت السودان وامتصت قدرات شعبه. إنما المرحلة الأصعب اليوم هي ما بعد البشير وبدفع السودان نحو الانتقال لحكم مدني يفتح الباب أمام التعددية السياسية، ويعيد تأهيله اقتصاديا. هذه التعددية غائبة اليوم، والقيادة العسكرية تبقى الجهة الأقوى في البلاد. من هنا فإن الحديث عن انتخابات حرة ومنفتحة في السودان هو سابق لأوانه كون بنية المجتمع المدني والمؤسسات المدنية غير جاهزة لهذه الانتخابات بعد وإجراؤها سيعيد تجارب مصر وغيرها بمواجهة بين العسكر والإسلاميين.

مطالب المتظاهرين في السودان اليوم ترتكز على حكم مدني وتغيير واسع في أداء ورموز السلطة وإرساء نهج يتيح وجود معارضة فعلية، بدل كبت أصواتها وسجن ناشطيها وناشطاتها وقمعهم وتعذيبهم في المعتقلات.

إقليميا، هناك ترحيب عام بسقوط البشير باستثناء تركيا بسبب مصالحها الاقتصادية معه. إنما بالنسبة لكثيرين نهاية حقبة البشير هي نهاية مخاض من عدم الاستقرار والتلاعب من أعلى رموز القيادة في الخرطوم. دول المنطقة ستسعى باتجاه تثبيت الاستقرار ومساعدة السودان اقتصاديا وتفادي تحول المرحلة الانتقالية إلى نزاع بين الجيش والإسلاميين.

هناك فرصة حقيقية أمام السودان والقيادة الانتقالية قد تضمن استكمال انفتاح واشنطن الذي بدأ في 2015 برفع تدريجي للعقوبات وفتح مكتب استخباراتي لوكالة الاستخبارات المركزية في البلاد. ولمحت واشنطن هذا الأسبوع إلى إمكانية إزاحة السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب، الموجود عليها منذ 1993. هكذا خطوة تفتح أفق التعاون بين واشنطن والخرطوم لكنها تتطلب تغييرا في نهج السودان داخليا ودوليا يبدأ بقطع العلاقة مع كوريا الشمالية، والابتعاد عن إيران وداخليا بفض النزاعات والمصالحة مع الجوار، والأهم تعيين وجوه إصلاحية وحكومة مدنية تشرف على المرحلة الانتقالية مع الجيش.

لا أسى على سقوط البشير وتوديع حقبة سوداوية مزقت البلاد وسادها الفقر والبطالة. لكن المرحلة الأصعب أمام السودان بدأت بعد عزله، ونجاحها سيضمن نقلة نوعية للخرطوم داخليا ودوليا، فيما الفشل سيعني أن السودان قد ينزلق مجددا في متاهة من عدم الاستقرار والتجاذبات الداخلية والعزلة الدولية والعقوبات.

Alhurra

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى