آراء

في درس عفرين المهدور

حسين جلبي

رغم المصائب التي حلت على رؤوس الكُرد بسببه، وكان آخرها فشله في الدفاع عن مناطق نفوذه في عفرين، الأمر الذي تسبب بكارثة كبرى، كان أحد أهم مظاهرها الماثلة للعيان هي نزوح ما يناهز المائتي ألف كُردي من المدينة؛ يستمر حزب العمال الكُردستاني في ممارسة السياسات نفسها وكأن شيئاً لم يكن، وتستمر آلته الإعلامية في تزييف الوقائع والتغني بالبطولات وغرس الأوهام عن النصر القادم، وفوق ذلك تحميل مسؤولية الكوارث؛ التي لا زال يتسبب بها لجهات كُردية؛ شتتها قمعه وأصابها بالشلل، فأصبحت من الضعف بمكان؛ لدرجة فقدت معها القدرة حتى على الرد الكلامي؛ على معارك الحزب الإعلامية المفتوحة ضدها.

إن إصرار حزب العمال الكُردستاني على دفن رأسه في كهوف جبال قنديل، بدلاً من الخروج إلى الشمس، والنزول إلى الواقع لمواجهة فشله؛ في تحقيق الحد الأدنى من الشعارات التي يرفعها منذ أربعة عقود، والتي تخلى عنها في الحقيقة، في الوقت الذي يوهم فيه أنصاره بأنه أضاف عليها، يدل على عدم قدرة القائمين عليه؛ على الفكاك من التحالفات الوظيفية التي وجدوا أنفسهم أسرى لها، والتي لا تزال سبباً في استمرار وجود الحزب نفسه، وعدم قدرتهم في الوقت ذاته على تحقيق أي شئ خارج إرادة ومصالح حلفائه.

ورغم أن منظومة الحزب كانت الأكثر استخداماً في سوريا، من قبل قوى لبعضها مصالح متضادة في البلاد، إلا أنه لم يجد لنفسه حليفاً يدافع عنه عندما وقعت الواقعة، ولم يوفر للكُرد مكاناً آمناً في طول البلاد وعرضها، فقد تخلت عنه أمريكا وروسيا وإيران وحتى نظام الأسد، وأصبح مصير الكُرد بسبب سياساته المغامرة في مهب الريح، هذا في الوقت الذي تجد الفصائل المسلحة الأُخرى لنفسها حليفاً ما هنا أو هناك، وتجد مكاناً تأوي إليه في البلاد.

إن الحزب الممسك بخناق القضية الكُردية في سوريا، والذي يغامر بها ويعرضها لهزائم تكاد تنهيها، على استعداد للتنازل لاعدائه المفترضين؛ إلى درجة التفريط بتلك القضية وتغيير جلده، على أن لا يعترف بوجود الكُردي الآخر، ويمنحه الفرصة لمشاركته البحث في مصيره، وقد فشلت عدة اتفاقات، وقعت في إقليم كُردستان بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكُردي؛ لإدارة شؤون المنطقة مناصفةً، لكنها فشلت جميعها بسبب إصرار الطرف الأول؛ الذي يشكل جزءاً من منظومة حزب العمال الكُردستاني على التفرد بالملف الكُردي في سوريا، فقد كانت تلك الاتفاقات حبراً على ورق بالنسبة له، استغلها لإحكام سيطرته على الأرض، ولاضعاف الطرف الآخر وتهميشه، والذي وجد نفسه أخيراً خارج اللعبة.

وهكذا وبدلاً من مراجعة شاملة لسياساته، وما أدت إليه من كوارث، اختار حزب العمال الكُردستاني الهروب إلى الأمام قولاً وفعلاً، فبعد هزيمته المذلة في عفرين، نتيجة خطأ حساباته؛ فيما يتعلق بقوته، وامكانية وقوف حلفائه الذين قاتل من أجلهم معه، وحتى الخطأ في تقدير الرد التركي على عنترياته؛ أخذ الحزب يعتبر بقاء أهل عفرين في العراء مقاومةً، ويساهم بدوره في تلك المقاومة المزعومة؛ من خلال منعهم بالقوة من العودة لبيوتهم، هذا بعد أن كان يعتبر بقاء المواطنين في مدينتهم مقاومة، ويمنعهم عن النزوح عنها قبل خسارته لها، واندساس عناصره بين النازحين منها.

الأمر الآخر الذي أثار الاستغراب، وخالف طبائع الأمور، خاصة أنه حصل في ظل خسارة كبيرة بحجم فقدان منطقة عفرين، وما تخللها من فوضى عارمة؛ هو إصرار حزب العمال الكُردستاني على الاحتفاظ بالمحتجزين الكُرد، وعلى رأسهم السياسي عبدالرحمن آبو في سجونه، ومن ثم نقلهم مكبلين عند فراره إلى خارج مدينة عفرين، هذا في الوقت الذي أطلق فيه سراح عناصر من تنظيم داعش من سجونه، وكأن الحفاظ على المحتجزين الكُرد، أهم من خسارة عفرين وتشريد أهلها. أن ما يؤكد عدم استفادة الحزب من هزيمة عفرين، هو معالجتها بطريقة احداث جلبة بعيدة؛ قد تغطي عليها وتصرف الانتباه عنها، لكنها لن تفيدها ولن تعالج مآسي أهلها، وكان آخر ما أقدم عليه الحزب في هذا الشأن هو اختطاف فيصل يوسف، القيادي في المجلس الوطني الكُردي من منزله في القامشلي عند منتصف ليلة أمس، الأمر الذي يؤكد من جهة أُخرى على أن الثابت الوحيد في سياسة الحزب؛ والنجاح الوحيد الذي يسجل له هو معاداة الكُرد وقمعهم.

بعد سبع سنوات من القمع والضوضاء والشعارات الكبرى وقوافل الضحايا؛ أخرج حزب العمال الكُردستاني الكُرد من المشهد السوري خالي الوفاض، وهاهم من أخرج الحزب الكُرد لمصلحتهم؛ يخرجونه من البوابة نفسها بعد أن أدى دوره. إن ما حدث في عفرين يدل بوضوح، على أن الحزب يعيش خارج الواقع، ولا يعلم عن الأجندات؛ التي كان جزءاً منها سوى جانبها التنفيذي، كما يدل على أن الكُرد لم يستفيدوا شيئاً من قيام الحزب بتجنيد أبنائهم، وعلى أن مهمة سلاحه لم تكن الدفاع عنهم، وبأن حلفائه الذين تفاخر بهم دوماً لم يكونوا سوى سراباً، وأن الحزب نفسه؛ الذي أظهر عنفاً منفلتاً بحقهم لم يكن سوى بالوناً أمام الآخرين، إذ لم يصمد أمام أول دبوس.

موقع تلفزيون سوريا

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى