في ذكرى الثورة السورية التي حاربها النظام وإبتلعتها المعارضة وأفشلتها
في منتصف شهر آذار الجاري تحل علينا ذكرى مرور 11 عاماً على الحدث الوطني السوري الأبرز بعد دخولنا إلى القرن الحادي والعشرين ، حدث جدير بالوقوف عليه، أسبابه وأهدافه والعوامل التي أدت به إلى حيث الفشل والدمار ، حدث إنطلاق الاحتجاجات الشعبية الثورية التي بدأت في دمشق وإنتقلت إلى درعا حيث إنفجرت وتوسعت دائرتها بقوة وزخم جماهيري بعد حادثة اعتقال أطفال المدارس وتعذيبهم بشكل وحشي واستشهاد البعض منهم ومن أبرزهم الشهيد ” حمزة الخطيب ” الذي أصبح رمزاً ثورياً رغم صغر سنه مثل الشهيد والثائر الشاب ” ولات حسي ” من كوباني الذي استشهد هو الآخر نتيجة رصاصات الغدر من قبل حلفاء النظام وأزلامه.
قد يزعج هذا العنوان بعض الإخوة السوريين وخاصة ممن دفعوا ثمناً غالياً جراء مشاركتهم في الثورة وتقديمهم تضحيات جسيمة أملاً في إسقاط نظام البعث وإقامة البديل الوطني الديمقراطي! ولكن علينا أن نمتلك الجرأة الكافية والإقرار والاعتراف بالواقع كما هو تماماً، كي نتمكن من تشخيص اللوحة والوقوف على الأسباب التي أدت بنا وأوصلتنا إلى مانحن عليه، ومن ثم الإنطلاق مجدداً وبصورةٍ مختلفة لأخذ المبادرة والتحرك وفق رؤية وطنية واقعية . ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي الفرق الكبير بين المعارضة والثورة، وبين المعارضين والثوار ، بين معارض كلاسيكي عايش حكم البعث قرابة نصف قرن وتعايش معه، وبين ثائر شاب خرج سلمياً أملاً في الخلاص من نظام الاستبداد والتأسيس لحكم وطني مختلف ،يحترم الإنسان ويؤمن له سبل العيش الكريم، ويتيح أمامه فرص التعبير عن الرأي بكل حرية اسوةً بالبلدان التي تحكمها أنظمة ديمقراطية منبثقة عن صناديق الانتخاب.
هل نمتلك الجرأة الكافية كي نعترف بأن الثورة حُرِفت ومن ثم إنتكست وفشلت كي نحدد المسببين، ونقف على الأسباب ؟.
بدون أدنى شك أن هكذا سؤال وكما ذكرنا سيلقى امتعاضاً ورفضاً من جانب شرائح واسعة من السوريين، وخاصة من طرف الذين قدموا تضحيات كبيرة من دماء أبنائهم وممتلكاتهم، وكذلك من قبل الذين يتاجرون ويستثمرون في هذه الأزمة لمصالحهم الخاصة. بمعنى أن طرح هكذا سؤال، والإجابة عليه سيكون وقعها على نسبة مهمة من السوريين ثقيلاً ومزعجاً، ولكن علينا أن نكون صادقين مع شعبنا، وأن نمتلك الجرأة الكافية كي نقر ونعترف بما حصل ونقف على الأسباب ونشخصها بكل جرأة وواقعية، ومن ثم نحاول طرح رؤى من شأنها المساهمة في توليد أفكار بناءة لإعادة ترميم التصدعات ومعالجة الثغرات. وكذلك علينا أن نعي جيداً أن هناك فرق كبير بين الثورة التي انتكست وفشلت، وبين معارضة إبتلعت ثورة شعبٍ ومن ثم تشتت هوياتياً وبنيوياً وأهدافاً .
نتذكر جيداً أن الثورة بدأت وطنية سلمية جماهيرية هادفةً إسقاط نظام البعث بكل رموزه وشخوصه ومرتكزاته الفكرية والأمنية والعسكرية وإقامة بديل وطني ديمقراطي مختلف ، وبين المعارضة التي ركبت موجة الاحتجاجات الثورية، ومن ثم سيطرت على مؤسسات الثورة واحتكرت التمثيل، وهمشت الثوار واستأثرت القرار التفاوضي مع النظام بهدف الشراكة وتقاسم الحكم والسلطة والثروة . في هذه المناسبة نكرر ما كتبناه سابقاً حول هذا الموضوع الهام ،وسنحاول أن نسلط – قدر الإمكان وبما تسمح بها مساحات النشر وكذلك مناخات الحالة السورية – الضوء على بعض جوانب أزمة المعارضة السورية وتركيبتها ودورها المكمل لدور النظام في حرف الثورة وإفشالها.حيث يعلم القاصي والداني بأن مؤسسات المعارضة الرسمية مسيطر عليها ومحتكرة من جانب أجنحة الأسلمة السياسية التي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في فتح أبواب مؤسسات الثورة والمعارضة أمام الراديكاليين الإسلاميين، وغضت النظر عن الوافدين المعولمين من خارج الحدود، ووفرت الغطاء الشرعي لهم للتغلغل في صفوف الثوار والحاضنة الشعبية، ومن ثم التكامل والتزاوج الذي حصل بين الوافدين من الأجهزة الأمنية للنظام مع هؤلاء الراديكاليين،الأمر الذي أدى إلى حرف الثورة عن مسارها السلمي،وإقحامها في مستنقع العنف والعسكرة والتطرف، وإعطاء مبرر لإستخدام العنف المفرط من جانب النظام، وكذلك خلق إنطباع عن الثورة بأنها إسلامية متطرفة وخاصة نتيجة إرتكاب ممثلي المكون العربي السني المعارض لبعض الأخطاء القاتلة التي أوقعت المعارضة في الكثير من المحطات في مستنقع الطائفية المقيتة .
هل حان الوقت للبحث عن إطار جديد ومختلف للمعارضة السورية ؟
من الأهمية التذكير هنا إلى أن الخلافات بين مكونات المعارضة الغير متجانسة أساساً قديمة – جديدة، منها ما تعكس الخلافات بين الدول الداعمة لها نتيجة ولاءاتها وتوزعها على هؤلاء الداعمين، ومنها ماتتعلق أساساً بالتباين الكبير بين تصورات مكوناتها حيال العملية السياسية برمتها. وما التصريحات المتناقضة التي تصدر بين أطراف هيئة التفاوض إلا تأكيداً بأن الخلافات أعمق مما نتصورها، وبأن منصات المعارضة بشكل عام ومنظومة الائتلاف بصورة خاصة تعاني من مشاكل كثيرة وترهل واضح وأن وضعها العام ليس بخير، وهناك حالة من القلق والارتباك طاغية على القائمين عليها جراء التراجع الواضح في شعبيتها وكذلك انحسار في عدد الدول الداعمة لها، حيث بدأت هذه المعارضات تفقد بريقها ومبررات وجودها يوماً بعد يوم لأسباب ذاتية تتعلق ببنية هذه المعارضات وتركيبتها وعدم قدرتها على الخروج من حقول المنظومة ا
لفكرية للبعث الشوفيني والموروث الثقافي للأسلمة السياسية المتطرفة التي أثبت الزمن والميدان عقمهما وفشلهما في إحداث أي تغيير نحو الأفضل. وهناك جملة أسباب تحتم علينا كسوريين ونحن نستذكر الثورة أن نقر بأن المعارضة الرسمية فشلت وفقدت مبررات وجودها وبات من الضرورة بمكان البحث عن إطار جديد لمعارضة وطنية جامعة ومالكة لقرارها الوطني السوري المستقل ومختلفة من حيث التركيبة والشخوص والبرامج والأهداف ومنها :
1- فشل المعارضة في تقديم نموذج حكم رشيد و إدارة ناجحة من أهل الاختصاص، حيث نجد أن الإدارة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وفصائلها المسلحة هي الأسوأ مقارنة مع الإدارة في مناطق نظام البعث ومناطق قوات سوريا الديمقراطية سواءً لجهة الخدمات أو توفير مستلزمات العيش والأمن والأمان والتعامل الدولي معها. وكذلك غياب تام للحياة السياسية، وسيطرة واضحة لـ تنظيم القاعدة المصنف على قائمة الإرهاب عليها.وقرار الإدارة الأمريكية الذي سيصدر قريباً والخاص بتخفيف العقوبات على بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وعدم شمل غالبية مناطق سيطرة المعارضة يؤكد الفشل الكبير للمعارضة .
2- عجز المعارضة عن صياغة مشروع وطني سوري تغييري جامع ومعبر عن وجود وحقوق مكونات الشعب السوري المختلفة ولو على المستوى النظري، نتيجة سيطرة التحالف بين غالبية أجنحة الأسلمة السياسية والوافدين من مؤسسات الأجهزة الأمنية لنظام البعث على مفاصل القرار في مختلف مؤسسات الثورة والمعارضة. وكذلك فشلها في تمثيل مكونات الشعب السوري .
فمثلاً العلويين والمسيحيين والدروز ليس لهم ثمثيل يذكر داخل مؤسسات المعارضة الرسمية المتمثلة بالائتلاف، وكذلك الكورد لايشعرون بأنهم ممثلين بشكل عادل في مؤسساتها وخاصة أنهم غير ممثلين لا في حكومة الائتلاف ولا في هياكلها العسكرية والأمنية والإعلامية …إلخ.
ونرى أن غالبية المعارضين وخاصة معارضي ” الصدفة ” الذين خدموا لعقود في المؤسسات الأمنية لمنظومة البعث، وركبوا موجة الاحتجاجات الثورية بعد عام 2011 ، وفي الوقت الذي يعترفون ويقرون قسراً بـ ” حقيقة ” أن سوريا دولة متعددة ” القوميات والأديان والمذاهب ” لأن حدودها السياسية والإدارية رسمت بموجب اتفاقيات سايكس – بيكو لعام 1916 ولوزان لعام 1923 ورغماً عن إرادة شعوبها. وبنفس الوقت نرى غالبية هؤلاء المعارضين ليسوا أقل شوفينية من النظام ،ويصرون على عروبة سوريا وأسلمتها!.هل من الحكمة أن نقر بالتعددية القومية والدينية والمذهبية، وفي نفس الوقت نحاول إلغاء هذه التعددية الجميلة والغنية والمتنوعة، ونفرض لوناً يتيماً – سواءً أكان قومياً أو دينياً أو مذهبياً- على جميع هذه المكونات وإلغاءها من اللوحة السورية !؟.
3- الإنسحاب الغير مبرر لفصائل المعارضة المسلحة من جبهات مواجهة النظام، وتسليم النظام مواقع هامة ومساحات كبيرة في العاصمة حيث الأسلحة التي سلمها جيش الإسلام وحلفائه للنظام كانت كافية للسيطرة على العاصمة، وكذلك في حلب وحمص وغيرها، وتوجهت هذه الفصائل نحو المناطق الكوردية في الشمال والشمال الشرقي مما أدى إلى موجة غضب ونزوح لـ مئات الآلاف من أبناء الشعب الكوردي من مناطقه التاريخية في عفرين وكري سبي / تل أبيض وسري كاني / رأس العين وكذلك ماحصل من تطهير ديني ومذهبي في إدلب وأريافها ( الفوعة وكفريا ) …إلخ .
4- استئثار قلة قليلة منتمية لـ طائفة ومكون محدد بالمراكز المهمة داخل مؤسسات المعارضة وتبادل تلك المراكز فيما بينها كما حصل من تبادل ” للقبعات ” بين السيدين أنس العبدة ونصر الحريري لأكثر من مرة، مما خلق إنطباعاً سلبياً لدى المجتمع الدولي الداعم وكذلك لدى الشارع السوري المعارض بأن المعارضة هي نسخة مشابهة لـ نظام البعث لجهة الذهنية والتمسك بالكرسي وعدم فسح المجال أمام بقية الكفاءات والمكونات .
5- انزلاق المعارضة المحسوبة على المكون العربي السني والفصائل العسكرية التابعة لها إلى مستنقع الصراع الطائفي الآسن، مما خلق إنطباعاً سلبياً واضحاً أضر بسمعة المعارضة داخلياً وخارجيا، وكذلك نجاح النظام في جر تلك المعارضة إلى خانة الصراع على السلطة وإبعادها تماماً عن الأهداف الأساسية للثورة. إذاً نحن أمام معارضةً فاشلة في مختلف الميادين والسؤال هنا : ما المبرر من بقاء هكذا معارضة بشكلها وتركيبتها وشخوصها الحالية ؟.
ملخص الكلام
اليوم وبعد مضي أحد عشر عاماً على بدء الثورة ،يجد المرء نفسه أمام لوحةً معارضة ضبابية مرتبكة يغطي عليها السواد من كل جانب، ويضع السوري أمام أسئلة كثيرة منها:هل حقاً الثورة انتهت، وأن أكثرية المعارضين والمعارضات قد سقطت وإنهزمت أخلاقياً قبل أن تنهزم سياسياً وعسكرياً؟.
ألم تنقسم المعارضة إلى معارضات متوزعة على مصادر التمويل السياسي؟. بماذا تختلف وتتميز المعارضة عن النظام ؟.
أليست المعارضة الرسمية أصبحت تعاني من الطائفية السنية، كما النظام المحسوب على الطائفية العلوية؟.بالرغم من كل ماحدث وحصل من تحريف لمسار الثورة وسرقتها وأخذها إلى خندق آخر من قبل بعض أجنحة الأسلمة السياسية، لماذا غالبية المعارضة العربية السنية مازالت مصرة على أن الإسلام ليس مجرد عقيدة دينية روحانية فقط ، بل أنه – الإسلام – عبارة عن منظومة متكاملة، صالحة لبناء المؤسسات وقيادة المجتمعات والدول وإدارتها سياسياً وقانونياً واقتصادياً وتعليمياً…إلخ!؟.
وبما أننا نستذكر الثورة التي أكملت أحد عشر عاماً بالتمام من عمرها، منذ خروج السوريين إلى الميادين والساحات ثائرين ضد نظام البعث أملاً في الخلاص وإقامة البديل الوطني الديمقراطي، وبما أنها – الثورة – وبكل أسف فشلت نتيجة تخاذل المجتمع الدولي وماتسمى بمجموعة أصدقاء الشعب السوري، والصراعات الاقليمية في سوريا وعليها، ونجاح المعارضة الرسمية في ابتلاعها ومن ثم إفشالها في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والإدارية كما ذكرناه، كل ذلك يضع السوريين والمراقبين للشأن السوري أمام السؤال التالي :
هل حقاً بات الشعب السوري بحاجة إلى ثورة على المعارضة الرسمية بمختلف شخوصها ورموزها ومرتكزاتها التنظيمية والسياسية والفكرية والعسكرية ، وأن إسقاطها سيساهم ويسارع في إسقاط النظام ؟.